رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرجل رجل.. والمرأة امرأة!


عنوان المقال، دون علامة التعجب، هو إحدى جملتين تسببتا فى فصل الطالب أوين ستيفنز، من جامعة ولاية نيويورك. أما الجملة الأخرى، التى تضمنها مقطع فيديو نشره فى حسابه على «إنستجرام»، فكانت: «الرجل ليس امرأة.. والمرأة ليست رجلًا». وطبقًا لبيان أرسلته الجامعة، عبر البريد الإلكترونى لكل أساتذتها وطلابها، فإن ما قاله الطالب يعبر عن أيديولوجية محافظة يخالف لوائحها وقوانين الولاية، التى تحافظ على كرامة جميع الطلاب.
الجامعة أكدت أنها تريد «الحفاظ على بيئة تراعى الحالة النفسية والعاطفية، لجميع طلابها»، وناشدت الأساتذة أن يحرصوا على بناء «مجتمع متنوع يحترم كل فرد فيه». ونقل البيان عن رئيس الجامعة أنه يغتنم هذه الفرصة ليعلن عن التزامه الشخصى العميق بـ«تعزيز العدالة الاجتماعية». وفى تصريح لجريدة «ذا ديلى واير»، قالت المتحدثة باسم الجامعة إنها لا تعتقد أن قرار الفصل ينتهك حق الطالب فى حرية التعبير، وأكدت أن ستيفنز لن يتمكن من العودة إلى الدراسة إلا بعد إزالة الفيديو وحضور دورات تدريبية، لإعادة تربيته وتأهيله. غير أن الطالب قال للجريدة إنه يرفض هذه الشروط.
ما الفرق بين الرجال والنساء، أى بين الرجل والمرأة؟.
السؤال، بنصّه، طرحه «الكتاب الأخضر»، الصادر سنة ١٩٧٦، وطوال ٢٥٠٠ كلمة تقريبًا، حملت عنوان «المرأة»، اجتهد مؤلف، أو مؤلفو، الكتاب فى توضيح هذا الفارق، وانتهى، أو انتهوا، إلى أن تجاهل الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة والخلط بين أدوارهما اتجاه غير حضارى، مضاد لنواميس الطبيـعة، وسبب حقيقى فى بؤس الحياة الاجتماعية للإنسان.
الكتاب الأخضر، يحمل توقيع الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى، لكن هناك من نسبوا تأليفه إلى عدد من الكتاب الليبيين، فرادى أو جماعات. وبينما تعامل معه كثيرون على أنه من الأدب الساخر، كان القذافى يراه كتابًا جادًا وملهمًا للبشرية، وسمّاه «النظرية العالمية الثالثة»، التى تتجاوز الرأسمالية والاشتراكية، وقدّم فيه رؤيته للمرأة ولدورها فى الحياة بصورة اعتقدنا أنها كوميديا بيضاء، قبل أن تتحول مع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى سوداء، حالكة السواد.
بايدن، الذى وعد بانتهاج سياسة خارجية تحمل «القيم الديمقراطية الأمريكية»، وضع حقوق مَن وصفهم بـ«الأقليات الجنسية» على رأس أولوياته، وأعاد إطلاق مبادرة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، لـ«الترويج لحقوق أفراد مجتمع الميم (الشواذ) فى أنحاء العالم». وفى سياق إعلانه عن زيادة عدد اللاجئين، الذين ستستقبلهم بلاده، وعد بـ«حماية طالبى اللجوء المثليين والمتحوّلين ومزدوجى الميل الجنسى»، وطلب من أعضاء إدارته مكافحة القوانين التمييزية فى الخارج.
المهم، أن «الكتاب الأخضر»، وهو يجيب عن السؤال، أوضح أن «المرأة أنثى، والرجل ذكر» ونقل عن طبيب أمراض نساء، ما يلى: المرأة تحيض أو تمرض كل شهر، والرجل لا يحيض لكونه ذكرًا، فهو لا يمرض شهريًا. وهذا المرض الدورى، أى كل شهر، هو نزيف.. أى أن المرأة لكونها أنثى تتعرض طبيعيًا لمرض نزيف كل شهر. والمرأة إن لم تحض تحمل، وإذا حملت تصبح بطبيعة الحمل مريضة قرابة سنة، أى مشلولة النشاط الطبيعى حتى تضع. وعندما تضع أو تجهض فإنها تصاب بمرض النفاس وهو مرض ملازم لكل عملية وضع أو إجهاض. والرجل لا يحمل وبالتالى لا يصاب بهذه الأمراض التى تصاب بها المرأة لكونها أنثى. والمرأة بعد ذلك ترضع ما كـانت تحمله. والرضاعة الطبيعية قرابة العامين. والرضاعة الطبيعية تعنى أن المرأة يلازمها طفلها وتلازمه بحيث تصبح كذلك مشلولة النشاط ومسئولة مباشرة عن إنسان آخر هى التى تقوم بمساعدته فى القيام بكل الوظائف البيولوجية، ودونها يموت.
بانتهاء شرح الطبيب، يوضح مؤلف «الكتاب الأخضر» أن هذه المعطيات الطبيعية تكوّن فروقًا خلقية لا يمكن أن يتساوى فيها الرجل والمرأة، وهى فى حد ذاتها حقيقة ضرورة وجود ذكر وأنثى، أى رجل وامرأة. ويشير إلى أن لكل واحد منهما دورًا أو وظيفة فى الحياة مختلفة عن الآخر، ولا يمكن أن يحل فيها الذكر محل الأنثى على الإطلاق، أى لا يمكن أن يقوم الرجل بهذه الوظائف الطبيعية بدل المرأة. ثم يؤكد «الكتاب الأخضر» أن هذه الوظائف البيولوجية عبء ثقيل على المرأة يكلفها جهدًا وألمًا ليسا هينين، ولكن دون هذه الوظائف تتوقف الحياة البشرية.
هذه البديهيات كانت مضحكة، لأنها تعيد تعريف الماء، بعد الجهد، بالماء، لكنها لم تعد كذلك، بعد أن انحازت منظومة حقوق الإنسان، الأمريكية والغربية، إلى ما تصفه بحقوق الأقلية الجنسية، أو الشواذ، على حساب قيم الغالبية المناهضة لهذه الحقوق المزعومة، وبعد أن بات الخطاب الإعلامى والسياسى، الموجَّه والمموَّل، لا يلتفت إلى انتهاك حقوق الأسوياء، وبعد أن صارت عبارة «الرجل رجل.. والمرأة امرأة» جريمة تستوجب معاقبة قائلها وإعادة تربيته!.