رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يكون الذكر وسيلة للإبداع؟


الذكر عملية شحن لروح الإنسان حتى يبدع فى الحياة، وليس للآخرة فقط، لكن أيضًا لجودة حياتك، فهو يعمل على تحسين الكيان الإنسانى، تمامًا كالروح التى تبث بداخلك من عند الله، كأنها تجدد خلاياك وتجدد روحك، وهذا من واقع تجربتى مع الذكر الذى كان له أبلغ الأثر فى حياتى، فقد زادنى إشراقًا، وكذا عندما سألت الذين عشت معهم تجربة الذكر، لإخراج كتاب «حياة الذاكرين»، وكيف كان تأثيره عليهم، قالوا لى: أحدث فينا تغييرًا، كأنه جدد خلايانا من داخلنا، وجدد حياتنا.
الذكر روح تتقذف فى قلبك تحييك.. «أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، والنبى عليه الصلاة والسلام يقول: «مثل الذى يذكر ربه والذى لا يذكره مثل الحى والميت».
هل هناك علاقة بين الذكر والإبداع؟
هناك علاقة عميقة بين أن تذكر ربنا وأن تبدع فى الحياة، لأنك مع الذكر يحدث شىء جديد فى حياتك، لم يكن موجودًا من قبل، لن تستطيع أن تستوعبها إلا عندما تعيش تجربة الذكر؟
ما الذى يحصل بالضبط؟
هل ترغب فى أن تكون مبدعًا، الإبداع أن تقوم باختراعات غير عادية، كل جزئية فى حياة كل واحد فينا فيها إبداع.. امرأة تبدع فى التعامل مع أولادها وتربيتهم، ورجل يبدع فى أفكار جديدة فى عمله، وآخر يبدع فى حل مشاكل حياته، وهناك من يبدع فى التعامل مع الناس، وطريقة التعامل معهم.
هل للذكر علاقة؟
بالطبع هناك علاقة، لكن المشكلة أن عقولنا فى حالة تشويش مستمر، وهذا هو السبب فى كوننا لا نستطيع أن نبدع، كل واحد قادر أن يبدع بدرجات، كل واحد فى تخصصه، لكن التشويش الكبير الذى نعيشه يحول دون أن نبدع، ولهذا مستوى الإبداع فى العالم فى تراجع.. إنترنت، «سوشيال ميديا»، و«واتس آب».. من هنا معلومة، ومن هنا معلومة، والعقل يعانى من حالة تشويش مستمر.
المشكلة ليست فى أننا لا نستطيع أن نفكر، ولكن فى أننا لا نستطيع أن نوقف التفكير، فأنت بحاجة لأن تكون هناك مساحة فارغة فى عقلك، لأن الذاكرة لديك امتلأت، ولم يعد فيها مكان حتى تخرج من داخلك فكرة جديدة، وكل إنسان قادر على الإبداع حسب مجاله، بشرط أن يوقف التشويش، وتكون لديه مساحة فى العقل تبدع وتولد أفكارًا جديدة.
هذا ما يفعله الذكر، فهو يقوم بتصفية الذهن والروح، وهناك وسائل كثيرة حتى تخلى مساحة فى عقلك من أجل أن تبدع، لا تنحصر فقط فى الذكر، وإن كان أهمها، إلى جانب وسائل أخرى، مثل التأمل، الجلوس فى مكان هادئ كما يفعل المبدعون والفنانون والرسامون والشعراء والأدباء، الذين يختارون أماكن هادئة بعيدًا عن صخب المدن، من أن أجل أن تكون لديهم مساحة فى العقل ليس فيها تشويش، من أجل أن يستخرجوا أفكارًا جديدة.
وهذا ما يفعله الذكر بالضبط، لأنه يقضى على التشويش بداخلك، ويخلى مساحة فى عقلك، و20 دقيقة فقط كل يوم كفيلة بأن تفتح مساحة فى دماغك من أجل الإبداع، وأن تكون صاحب أفكار غير تقليدية، متجددة دائمًا.
الذكر له علاقة عجيبة تجعلك متجددًا بشكل دائم، وهناك آية فى القرآن تؤكد ذلك.. «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ»، من حلاوة الذكر، أصبحت الجبال متناغمة، تُسبّح معه، وكذا الطير.
تخيل عندما يسمو الذكر، لدرجة أن الكون متناغم يذكر الله معك؟، لكن ما علاقة ذلك بالجملة التى تليها «يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ»، الواو هنا حرف عطف، يعنى ما هو قادم له علاقة بالماضى، «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ»، فسيدنا داوود أول من اكتشف فكرة تطويع الحديد، الأنبياء هم من أحدثوا طفرات فى حياة البشرية، وليس فقط المخترعون.. «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ».. ماذا يعنى؟، كل ما له علاقة بالصناعة مرتبط بتطويع الحديد، الصناعة كلها ابتدت بفكرة أن الحديد نقدر نستخدمه، بدون استخدام تطويع الحديد الذى اكتشفه سيدنا داوود لم تكن هناك ثورة صناعية ولا غيره.
لكن ما علاقة «يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ»، وبين حرف الواو «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ».. عندما صفت روحه، وعاش مع ذكر الله بهذا الصفاء الكبير صفى عقله، وأصبحت لديه مساحة كبيرة، فأبدع للحياة «إلانة الحديد»، فكان الذكر طريقة للنجاح فى الحياة.
وفى الواقع، فقد عشت بنفسى تجربة أن تبدع فكرة جديدة مع الذكر، فقبل 4 أو 5 سنوات لم تكن لدىّ فكرة جديدة أقولها، تستطيع أن تقول إننى أنهيت المخزون الذى كان لدىّ، لكن شاء ربنا أن أعيش تجربة روحية عميقة مع ذكر الله، لم يكن هدفى منها الإبداع أو غيره.
وهذا هو المهم، أن تذهب إلى الله مرضاة له، دون اشتراط، ودون انتظار عائد ونتائج، أنت متوجه إليه لأنك تحبه، تعبده، لأنه يستحق أن يُعبد، وليس من أجل الإبداع، وهذا ما فعلته، فعندما ذهبت إليه كانت فكرة الإحسان ومنازل الروح، وهى فكرة تقليدية، إبداعية، لم تكن موجودة لدى من قبل، وهذا من أثر الذكر، فالإبداع فى الحياة مرتبط بذكر الله.
ابدأ تجربة الذكر، دون انتظار شروط، دون أن تتشرط على ربنا: «خلينى أبدع»، اعبده وتذكره لأنه يستحق أن يذكر، اذكر الله كل يوم، لمدة ربع أو ثلث ساعة، حتى تقضى على التشويش لديك، وتهدأ روحك وتسكن وتبدأ تتجدد من داخلك.
الوِرد اليومى، هو عبارة عن 700 تسبيحة من الذِكر، على النحو التالى:
- 100 استغفار.
- 100 لا إله إلّا الله.
- 500 الباقيات الصالحات.
- سبحان الله 100.
- الحمد لله 100.
- لا إله إلّا الله 100 «مرّة ثانية».
- الله أكبر 100.
- لا حول ولا قُوّة إلّا بالله 100.
ستشعر وقتها بأنوار وفتوحات، فالذكر باب الفتح الكبير، سيفتح أمامك فتوحات ويولِّد بداخلك إشراقات وأنوارًا وتجديدًا وروحًا رائعة.
الذكر باختصار مثل الرصيد تنفق منه وقت الأزمات، فى المواقف الصعبة، أو عندما تحس أنها النهاية.. الذكر طمأنينة، راحة بال، وسعادة، يجعلك تنظر إلى الحياة بمنظور كله تفاؤل وطاقة إيجابية.