رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بابا الفاتيكان فى العراق


بحضور مصطفى الكاظمى، رئيس الوزراء العراقى، شهد مطار بغداد، أمس الجمعة، مراسم استقبال قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية، ثم استقبله الرئيس برهم صالح فى قصر السلام الرئاسى. وعلى ملصقات تحمل صورته بجانب صورة قداسة البابا، كتب الإمام على السيستانى، المرجع الشيعى الأعلى: أنت جزء منا ونحن جزء منك.
إلى جانب الاضطرابات الأمنية، والتفجيرات والصواريخ مجهولة أو معلومة المصدر، شهد العراق ارتفاعًا فى حالات الإصابة بفيروس «كورونا المستجد»، ما زاد من تعقيدات التحضيرات لتلك الزيارة التاريخية، خاصة بعد إصابة ميتجا ليسكوفار، السفير البابوى لدى العراق. غير أن قداسة البابا أصر على القيام بالزيارة، لأنه «لا يمكن خذلان الناس مرة ثانية»، فى إشارة إلى عدم تمكن البابا الراحل يوحنا بولس الثانى من زيارة العراق. وقال فى رسالة وجهها إلى العراقيين: «آتيكم حاجًا تائبًا، لكى ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب».
لم يتمكن بابا الفاتيكان الراحل من زيارة العراق، سنة ٢٠٠٠، بسبب ظروف الحصار الأمريكى البريطانى المفروض على الدولة، التى كان يعيش فيها، وقتها، مليون ونصف المليون مسيحى، يمثلون ٧٪ من سكان البلاد. وتحت شعار «أنتم جميعكم إخوة»، وصل البابا فرنسيس إلى أرض الرافدين بعد أن صار عدد المسيحيين فيها أقل من ٣٠٠ ألف، أو ١٪ تقريبًا من عدد السكان، بفعل تضييقات ومذابح وهجرات أو تهجيرات متتالية، بدأت بعد الغزو الأمريكى للعراق، سنة ٢٠٠٣، وبلغت ذروتها، سنة ٢٠١٤، بعد صعود تنظيم «داعش» الإرهابى.
شعار زيارة البابا هو نفسه تقريبًا عنوان رسالته الصادرة فى خريف العام الماضى: «جميعنا إخوة»، التى تعد امتدادًا لوثيقة «الأخوة الإنسانية» التى وقعها قداسة البابا مع فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى فبراير ٢٠١٩. وفى تلك الرسالة أشار البابا إلى أن العالم يتراجع، وأن هناك صراعات عفا عليها الزمن، تشتعل من جديد، وأكد أن البلد الذى يتقدم انطلاقًا من ركيزته الثقافية الأصلية، هو كنز للبشرية كلها.
فور جلوسه على كرسى البابوية، قال قداسة البابا لسفراء ١٨٠ دولة، اجتمع بهم، إنه سيهتم «بشكل خاص، بالحوار مع المسلمين»، ولدى استذكاره غسل السيد المسيح أرجل تلاميذه، كان اثنان من المسلمين بين الاثنى عشر رجلًا الذين غسل أرجلهم. وفى رحلته الخارجية رقم ٣٣، يزور البابا أربيل وذى قار والموصل، التى كانت معقلًا لتنظيم «داعش»، و... و... ومدينة أور، التى يقول العهد القديم إنها مسقط رأس النبى إبراهيم ومنطلق رسالته إلى الهلال الخصيب ومصر. كما سيجتمع، فى النجف، بآية الله العظمى على السيستانى، المرجع الشيعى الأعلى، الذى يعارض ولاية الفقيه، وهو الاجتماع الذى استبقه البابا بقوله: «على أرض إبراهيم، ومع زعماء دينيين آخرين، سنتخذ خطوة أخرى باتجاه الأخوة بين المؤمنين».
عندما أعلن الرئيس الأمريكى الأسبق، جورج بوش الابن، الحرب على العراق، ووصف تلك الحرب بأنها «حرب صليبية جديدة»، استهجن قداسة البابا يوحنا بولس الثانى هذا الوصف، وعارض تلك الحرب بشدة، وقال إنها «غير مبررة أخلاقيًا أو دينيًا»، وتشكل «انتهاكًا للقانون الدولى». وحين تلقى البابا فرنسيس، فى نوفمبر ٢٠١٧، سيارة «لامبورجينى» هدية، باركها ووقع عليها، وباعها الفاتيكان فى مزاد علنى مقابل ٩٥٠ ألف دولار، وتم تخصيص جزء من ثمنها لإصلاح ما دمره الأمريكيون والإرهابيون فى العراق. وفى يونيو ٢٠١٨ قام بترفيع «ترقية» البطريرك لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان الكاثوليك، إلى رتبة الكاردينال.
الكاردينال ساكو، عراقى الهوى والهوية، ولعب دورًا مهمًا فى مؤتمر السلام العالمى، الذى أقامه الأزهر الشريف، وحضره البابا فرنسيس، خلال زيارته التاريخية إلى مصر. وحين تردد، الأيام الماضية، أن زيارة البابا إلى العراق تهدف إلى تعزيز الموقف الاجتماعى والسياسى للمسيحيين، رد الكاردينال على تلك المزاعم بأن «البابا يأتى من أجل جميع العراقيين، وليس فقط من أجل المسيحيين. وهو يعلم أن الجميع قد عانى وليس المسيحيون فقط». كما حذر من دعاوى أولئك الذين يقولون إن المسيحيين لا يمكنهم البقاء فى العراق، أو فى منطقة الشرق الأوسط، دون تلقى مساعدة من الخارج، مؤكدًا أن ذلك خطأ كبير.
خطأ أكبر ارتكبه الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين، حين استقبل إعلان بابا الفاتيكان الحرب على ألمانيا، فى فبراير ١٩٤٥، بأن سأل ساخرًا: «كم دبابة لدى بابا الفاتيكان؟». صحيح أن البابا ليس لديه دبابات أو طائرات أو أسلحة من أى نوع، لكنه يملك قوة معنوية هائلة، روحية، دينية وأخلاقية، كان لها دور فى تفكيك الاتحاد السوفيتى السابق، ونتوقع أن يظهر أثرها الإيجابى فى العراق، وأن تسهم فى إعادة إعمار وبناء ما دمرته القوات العسكرية، الأجنبية والإرهابية.