رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسودان.. المصير المشترك


نهر النيل ليس مجرد مجرى مائى، بل هو شريان الحياة الذى يربط السودان ومصر عبر ‏التاريخ، ولطالما رددتْ حناجر الشباب شعار «وحدة وادى النيل» أثناء نضال الحركة الوطنية فى ‏النصف الأول من القرن العشرين، ولكن لم يرضَ الاستعمار عن فكرة وحدة مصر والسودان، ‏وعمل على انفصال السودان عن مصر، كما ساعد بعد ذلك على انفصال جنوب السودان عن ‏شماله.‏

يخبرنا التاريخ بأنه ومنذ عصور الفراعنة أدرك الجميع المصير المشترك بين البلدين، ‏ولعل النوبة خير شاهد على ذلك، سواء النوبة المصرية أو السودانية، هى فى حقيقة الأمر أداة ‏ربط بين البلدين فى العِرق والعادات والتقاليد.‏

وعندما دخلت المسيحية إلى مصر، وأصبحت ديانة شعبها القبطى، دخلت إلى السودان ‏وحتى إثيوبيا «الحبشة» عن طريق مصر أيضًا، وربما لا يعرف البعض أن هناك العديد من ‏العائلات السودانية، ذات الأصل القبطى، تعيش فى الخرطوم وأم درمان، ولها كنائس قبطية ‏هناك، وأن جذور عائلاتها تعود إلى صعيد مصر.‏

وعندما دخل الإسلام إلى مصر، انتقل إلى السودان عبر مصر، ولعب الأزهر الشريف ‏دورًا مهمًا فى الحفاظ على الإسلام واللغة العربية فى السودان، من خلال استقباله الطلاب ‏السودانيين، وكان لهؤلاء أحد أروقة الأزهر وهو رواق سنار.‏

وأدرك «محمد على» مبكرًا أهمية السودان لمصر، لذلك عمل على توحيد مصر والسودان، ‏وحتى عندما ضُرِبَ مشروعه فى المنطقة من جانب الدول الاستعمارية والدولة العثمانية، واضطُر ‏إلى التخلى عن بلاد الشام والجزيرة العربية، وفقًا لمعاهدة لندن ١٨٤٠، أصر «محمد على» على وحدة ‏مصر والسودان، وبقيت كذلك حتى تم احتلال بريطانيا لمصر فى عام ١٨٨٢، ومنذ ذلك الوقت ‏عملت إنجلترا على فصل السودان عن مصر، بل والتشجيع على الفُرقة بين أبناء وادى النيل، ‏من خلال سياسة فرِق تَسُد، وأثناء مطالبة مصر بريطانيا بالجلاء، كم تعثرت المفاوضات ‏المصرية البريطانية على صخرة السودان، إذ تمسكت مصر بوحدة وادى النيل، وأصرت بريطانيا ‏على فصل السودان عن مصر.

ولذلك ارتبطت الحركة الوطنية فى مصر بمثيلتها فى السودان، ‏فعندما قامت ثورة ١٩١٩ فى مصر مطالبة بالاستقلال التام، كانت تقصد استقلال مصر ‏والسودان معًا، لكن بريطانيا عندما أصدرت تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢، الذى أعلنت فيه استقلال ‏مصر، مع الاحتفاظ بتحفظات أربعة، كان من ضمنها بقاء وضع السودان على ما هو عليه، أى ‏تحت الإدارة البريطانية، لذلك قامت فى السودان ثورة ١٩٢٤ بزعامة على عبداللطيف ضد ‏الاحتلال الإنجليزى، وأعلن على عبداللطيف أن ثورته هى رجع الصدى لثورة ١٩١٩، وأن ‏زعيمه هو سعد زغلول.‏

وعندما نجح الاستعمار بعد قيام ثورة يوليو فى الفصل بين مصر والسودان، وأدت ‏انتخابات تقرير المصير- تحت التأثير البريطانى- إلى انفصال السودان، لم تتخل مصر عن ‏دورها الحضارى فى السودان، عبر القوى الناعمة، إذ أنشأت مصر فرعًا لجامعة القاهرة فى ‏الخرطوم تخرَّج فيه عشرات الآلاف من الطلاب السودانيين، وللأسف قام نظام البشير بإغلاق ‏هذا الفرع، كما لعبت مدارس البعثة التعليمية المصرية دورًا مهمًا فى إنعاش التعليم فى السودان ‏لعشرات السنين، كما أنشأت مصر معهد الدراسات السودانية، الذى تحوّل بعد ذلك إلى معهد ‏الدراسات الإفريقية لدعم البحث العلمى فى وادى النيل.‏

مرة أخرى، يؤكد التاريخ المصير المشترك بين مصر والسودان، وأن ما أطلق عليه ‏جمال حمدان فى موسوعته شخصية مصر «البُعد النيلى»، هو أحد أهم الأبعاد الأربعة للشخصية ‏المصرية وانتمائها الإفريقى عبر النيل والسودان.‏