رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد قطب وصفحات مجهولة من حياته «1 - 2»


سيد قطب الذى نعرفه ويعرفه الرأى العام هو سيد قطب صاحب النظريات التكفيرية، هو الأب الروحى لجماعة الإخوان، حتى إننا أصبحنا نطلق على قادة الإخوان الحاليين «القطبيين»، نظرًا لتبعيتهم الفكرية لسيد قطب، كما أننا نعرف سيد قطب الذى تأثر به شكرى مصطفى، مؤسس جماعة التكفير والهجرة، والذى قام باغتيال الشيخ الذهبى، وزير الأوقاف عام ١٩٧٦، ونعرف سيد قطب، الذى أسس تنظيمًا إرهابيًا يستهدف اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر وقلب نظام الحكم، وقد أطلقت الصحافة على هذا التنظيم «تنظيم ٦٥»، نسبة إلى العام الذى تم الكشف فيه عن هذا التنظيم، وهو أيضًا سيد قطب الذى تم إعدامه على إثر تلك القضية، وهو سيد قطب، الذى كتب تفسيرًا للقرآن اسمه «فى ظلال القرآن» انتشر فى السبعينيات. وكان فى كل بيت، وكان سبب انتشاره الدعاية التى أطلقها الإخوان بخصوص قطب وتفسيره ونهايته المأساوية.

ولكننا لا نعرف شيئًا عن قطب، الذى سافر إلى أمريكا، ففى الفترة التى ذهب فيها إلى هناك فى أواخر الأربعينيات كانت فترة صاخبة فى العالم أعقبت الحرب العالمية الثانية، وشهدت بداية الصراع بين الرأسمالية والشيوعية، كل فريق يريد فرض سيطرته على العالم كله، ولكن، ما الذى حدث لقطب هناك فى أمريكا التى تسيدت العالم، ومع من تقابل؟ وهل توافق مع جهات مشبوهة، أو أجهزة مخابرات؟ كل ما نعرفه عن هذه الفترة هو ما ذكره قطب بنفسه من خلال كتابه «مذكراتى فى أمريكا»، وهذه المذكرات لم تكن تسجيلًا لوقائع حياته هناك طوال عامين، ولكنها كانت تسجيلًا لانطباعات تكونت لديه من وجوده هناك، وخطورة فتح تحقيق علمى حول الفترة التى مكث فيها قطب فى أمريكا فى منتهى الأهمية، وتخلص أهميتها فى أن قطب عندما عاد من هناك أظهر تحولًا فكريًا غريبًا، فقد تحول من شخصية ليبرالية علمانية منفتحة إلى شخصية دينية متطرفة منغلقة! وكان من المستغرب أيضًا أنه بعد أن عاد من أمريكا قدم استقالته من وزارة المعارف العمومية، التى ما ذهب إلى أمريكا إلا من خلال إحدى بعثاتها، التى كانت تستهدف دراسة نظم التعليم هناك!.

كانت البعثة لأمريكا عبارة عن منحة من الرئيس الأمريكى «ترومان» للباحثين من دول العالم الثالث، ويبدو أنهم كانوا يريدون إيقاع هؤلاء المثقفين تحت حبائلهم وسيطرتهم، فلم يكن من شروط هذه البعثة هو الحصول على ماجستير أو دكتوراه! ولكن مجرد القيام بدراسة حرة لكل باحث، حسب تخصصه، ثم بعد ذلك إعاشته بشكل حر ليتشرب الحياة الأمريكية وثقافتها وفنونها، بمعنى أنها كانت بعثة «للأمركة» وقد أجريت لسيد قطب ترتيبات لزيارة «المحافل الماسونية» ومراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ومراكز صنع القرار السياسى فى أمريكا.. مثل مجلس الكونجرس ووزارة الخارجية والبنتاجون والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومى ووكالة المخابرات الأمريكية، والكنائس الكبرى والنوادى ومراكز الإعلام والاتصال من صحافة وإذاعة وسينما وتليفزيون، والجامعات ومراكز الأبحاث، وجماعات اللوبى المؤثرة فى صنع القرار، وأبرزها اللوبى اليهودى واللوبى الأسود، وغيرها من جماعات الضغط، فضلًا عن المؤسسات الاقتصادية، ومقار الأحزاب السياسية «الديمقراطى والجمهورى» كما اطلع سيد قطب على نظريات القرار السياسى الأمريكى ونماذج صناعته وفن العملية السياسية وأدوارها ودور المؤسسات الدستورية فيها.

سفر سيد قطب إلى أمريكا يفتح لنا الباب لفتح صفحة من الصفحات الغامضة فى حياته، وهى صلته بالماسونية، وقد كشف مقال منشور فى مجلة الماسون بمصر فى الثالث والعشرين من أبريل عام ١٩٤٣ عن صلة سيد قطب بالماسونية العالمية، هذه المجلة اسمها التاج المصرى، وقد أطلق الماسون على مجلتهم اسم «التاج المصرى»، نظرًا لأن ملوك مصر منذ عهد إسماعيل وصولًا إلى الملك فاروق كانوا ينتمون للمحفل الماسونى العالمى، وقد كان الخديو توفيق هو رئيس المحفل الماسونى فى مصر عام ١٨٧٨ ثم ترك الرئاسة لآخر بعد أن تولى منصب الخديوية بعد الخديو إسماعيل، وقد كان قطب يكتب افتتاحية هذه المجلة، وكان من المتعارف عليه من الماسون فى مصر أنه من شروط الكتابة فى هذه المجلة أن يكون الكاتب منتميًا لهم، وقد كشف قطب وقتها عن انتظامه فى المحفل الماسونى من الناحية التنظيمية والفكرية، وكان عنوان مقاله هو «لماذا صرت ماسونيًا»، ويقول قطب فى مقاله هذا: «لقد صرت ماسونيًا، لأننى كنت ماسونيًا، ولكن فى حاجة إلى صقل وتهذيب، فاخترت هذا الطريق السوى، لأترك ليد البناية الحرة مهمة التهذيب والصقل، فنعمت اليد ونعم البناءون الأحرار».

«ونكمل الأسبوع المقبل»