رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور بين «نعم» و«لا»


من يفهمون مضمون الدستور، ومؤدى أهدافه ومراميه، ومدى قدرته على تسيير البلاد للأمام، قليلون. ولا أبالغ إذا قلت، إن أعداداً كبيرة من خريجى كليات القانون، قد لا تستوعب تماما مضمونه، فما بالك بالشعب الذى نطالبه بأن يقول نعم، لدستور لم يقرأه

الدساتير فى مصر صناعة سياسية بالدرجة الأولى، ولا تصدق أبدا أنها صناعة شعبية، فلم يوجد حتى الآن، دستور فى مصر، يلبى رغبات كل الناس، إنه دائما يلبى مطالب واحتياجات أولئك الذين مكنتهم الأقدار، من الوصول الى اللجان التى تطبخ هذا الدستور. غير أن التاريخ سيسجل لمصر أنها صنعت دستورين متناقضين فى عامين متتاليين. وذلك فى أعقاب تلك الفتنة الكبرى التى أصابتها.

الدستور الجديد، يلبى أيضا مطالب من وضعوه، وإن كان قد أقر واقعا مفترضا، وهو غياب نسبة الفلاحين والعمال، التى رأينا تحتها عمالا يحملون الدكتوراه، وفلاحين يحملون رتبة اللواء. ربما كانت تلك أهم ملامح الدستور الجديد، ولكنه ككل دساتير مصر السابقة أثار الجدل حول أشياء قد لا تهم المصريين كثيرا، مثل الهوية أو المواطنة، أو جدال الديباجة. لا يهم المصريين من الدستور سوى مدى الاستقرار الذى يحققه لنا، وللبلاد عموماً.

لقد أسقط الشعب دستورا كان إقصائيا، وسط تهليل وتذكير بأيام قاسية، قضتها مصر تحت حكم جماعة الإخوان. بعد أن أتى بها الشعب لمجلس الشعب والرئاسة، سواء كان مضللا، أو طائعا مختارا، لايهم، المهم هو وصولهم للحكم، وجريان ما جرى معهم، وهو معروف للجميع. جاء بهم فى مجلس الشورى، ثم فى مجلس الشعب، ثم الرئاسة، ليس عشقا فى الجماعة، أو رغبة فيها، ولكنه لم يجد غيرها على الساحة السياسية، التى أفرغها مبارك من مضمونها ومحتواها، وكان مبارك، وتلك واحدة من أخطائه الكبرى، فى حق مصر، بإتفاقه معهم، وتنسيقه مع الإخوان، عبر أجهزته الأمنية مع الإخوان المسلمين، وتهميشه لكل جماعة سياسية معارضة، قد جعله فى مرماهم عندما قامت الثورة ضده . ولم يترك لشعبه، الذى صبر عليه ثلاثين عاما، خيارا بديلا عنهم.

من يفهمون مضمون الدستور، ومؤدى أهدافه ومراميه، ومدى قدرته على تسيير البلاد للأمام، قليلون. ولا أبالغ إذا قلت، إن أعداداً كبيرة من خريجى كليات القانون، قد لا تستوعب تماما مضمونه، فما بالك بالشعب الذى نطالبه بأن يقول نعم، لدستور لم يقرأه. هنا يأتى دور الإعلام وأجهزته، والتى شكك، الإخوان، والثوار، فى وطنيتها وكلاهما اتهم الإعلام بالعمالة، ومن آن لآخر تتحفنا أجهزة الإعلام السرية، «الفيس بوك»، وغيرها، بقوائم لإعلاميين وسياسيين، تقاضوا أموالا من إبليس والشيطان، أو قطر وأمريكا.

أجهزة الإعلام تولت شرح الدستور عبر ضيوفها الذين اختارتهم بعناية، لا ليبينوا للناس ما غمض من مواد الدستور، ولكن ليبينوا للناس أخطاءهم عندما اختاروا الإخوان. ومما لا شك فيه،أن الكثيرين لم يقرأوا الدستور الجديد، وكثيرون أيضا لن يقرأوه بسبب عدم رغبتهم فى القراءة، وأكثر منهم، لجهلهم بالقراءة أصلا، ومع ذلك سيشاركون فى الاستفتاء بـ «نعم». ولا أحد يمكن أن ينكر أن بلادنا فى حاجة إلى نعم، ولكن كيف يقولونها، وهم يعيشون فى حالة ضبابية، وسط المظاهرات والتدمير، والمظاهرات المضادة، وثوار يحرقون علم بلادهم، ودخان وغبار الغازات المسيلة لدموع كل الناس، متظاهرون، ونائمون فى البيوت، وضباب يملأ كل ميادين القاهرة ومحافظاتها القريبة منها. ولم ينقشع.

■ خبير أمنى