رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ربنا طامس على أسلوبهم».. كيف جدّدت كتابات بهجت الخطاب الديني؟

أحمد بهجت
أحمد بهجت

الكتابة عن قيمة بحجم العظيم أحمد بهجت أزمة كبيرة لمَن يريد أن يكتب، هل تكتب عن الصحفي الساخر الذي استطاع رسم البسمة وانتزاع الضحكة من بين شفاه حزينة، أم تتحدث عن صاحب القلم الصوفي الذي صنع أروع التأملات في عذوبة الكون في طريق المعرفة إلى دنيا الله؟

هذا الرجل إن أردت وضع تعريف له، ستجد أقل ما يقال عنه إنه واحدًا من أعيان الكتابة في مصر، وأحد أولياء الصحافة الصالحون، فهو المفكر والروائي والمثقف والأديب الذي صاغ أفضل المعاني الإنسانية في «كلمتين وبس» مقدّمًا أفضل ما في "صندوق الدنيا" من حكم، تلخص رحيق الحياة ورائحة الزمن.

في حوار لابنه الكاتب الصحفي محمد أحمد بهجت كشف سر عذوبية وجذابية كتابات أبيه قائلًا: "أبي كان سابقًا لعصره، فكتاباته كانت بالفعل تجديدا للخطاب الديني، ومعظم ما يُثار من قضايا تجده فنده في مقالاته وكتبه منذ أربعين عاما أو أكثر، فقبل أن يخترق بهجت تلك المنطقة الشائكة، كان الخطاب السائد حينها يميل بصورة كبيرة نحو الوعظ والترهيب، لكنه دخل إلي الدين بمدخل المحب والباحث.

عندما التحق صاحب "أنبياء الله" بالعمل الصحفي أوائل خمسينات القرن الماضي كان المجتمع حينها على موعد مع مخاض جديد في تركيبته الفكرية، فتلك الفترة كانت شاهدة على صعود التيارات الشيوعية والماركسية، إضافة إلى انتشار الفكر الوجودي، وبالرغم من كل ذلك لم يصب "بهجت" بمس الانضمام لتلك الأفكار.

كان على خلاف السائد كارهًا لها وناقمًا عليها ولديه مقولة شهيرة دائمًا ما كان يرددها وهى: "الملحدين ربنا طامس على أسلوبهم"، مفسّرًا ذلك بأن أقلامهم لا تجذب القارئ، على العكس تماما من الكتابات المبينة على عقيدة ويقين، فقد كان مؤمنا بمقولة الإمام عبد الجبّار النفري:"كلما اتسعت الرؤية.. كلما ضاقت العبارة".

عقب فترة العمل في مجلة "الجيل الجديد" انتقل للعمل في جريدة "الأخبار"، وقتها كان من حُسن طالعه العمل في حضرة الساخر أحمد رجب، أحد معالم البهجة في الحياة المصرية فجمعت بينهما محبة وصداقة خاصة، حيث نشأت بينهم مجموعة من الطرائف التي صارت ذكريات لا تُنسي.

إذا كان صاحب "قصص الحيوان في القرآن" قد جمعه كل هذا الحب مع وزير الضحك أحمد رجب خلال عملهم سويا،وبالرغم من بصماته القوية على رحلته الصحفية؛ فإنه يدين بالفضل الأكبر في مسيرته إلي الأديب يوسف السباعي، فهذا الرجل هو الذي أعطاه فرصة الكتابة اليومية، بجانب أنه أول من أشار عليه بفكرة "صندوق الدنيا"، والتي كانت نقلة كبيرة على صعيده المهني والعملي.

لكن حتى نعطي كل ذي قدر قدره ومقامه فالإشارة واجبة إلي دور محمد حسنين هيكل، فهو أول من أسهم في تحقيق شخصية أحمد بهجت صحفيا، فقد لمح وقرأ في عينيه ملامح لموهبة متقدة ومتفردة ذات طموح مشتعل، حمسته للدفع به لتغطية القضايا ذات المهام الخاصة أبرزها حرب اليمن، تلك الحرب التي سجل عنها روايات وقصص إنسانية عايشها هناك، كتبها بصورة بديعة، دفعت "الأستاذ" لتخصيص صفحات كاملة في "الأهرام" لها، واعتبرها البعض تمثل فتحا جديدا في الكتابة الصحفية آنذاك.