رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاولة اغتيال باشاغا!


سيارة مصفحة على متنها ٣ مسلحين هاجمت، أمس الأول الأحد، موكبًا من ٥٠ سيارة تحمل مئات المقاتلين المدربين. وبعد اشتباكات استمرت نحو ٢٠ دقيقة، قام المقاتلون المدربون، الذين يحرسون فتحى باشاغا، وزير داخلية «حكومة الوفاق» الليبية، بمطاردة المسلحين الثلاثة، ما أسفر عن مقتل أحدهم، وإلقاء القبض على الاثنين الآخرين.
كان باشاغا فى طريق عودته من العاصمة الليبية طرابلس إلى منزله فى منطقة جنزور. وبعد الاشتباكات، زحفت ميليشيات من مدينة الزاوية للدفاع عن ذويها، وأعلنت ميليشيات مصراتة عن النفير، الأمر الذى كاد أن يتحول إلى اشتباكات واسعة داخل وقرب طرابلس. وذكرت مصادر أن صلاح الدين النمروش، وزير دفاع «حكومة الوفاق»، الذى ينتمى إلى الزاوية، تلقى اتصالات من عدة أطراف، للتدخل وإقناع ميليشيات مدينته بالعودة إلى أماكن تمركزاتها.
رجل طرابلس القوى يتحرك، عادة، بهذا الموكب الكبير، وبتلك الحراسة المشددة. وعليه، كان منطقيًا أن يتم التشكيك فى كون الحادث محاولة اغتيال، خاصة مع ظهور روايات تؤكد أن حرّاس باشاغا هم الذين بادروا بإطلاق النار، وافتعلوا الحادث، لتبرير تفكيك بعض الميليشيات المسلحة خلال الأيام المقبلة. وفى المقابل، قيل إن ميليشيات الزاوية خشيت أن يقدمها باشاغا قربانًا للبقاء فى منصبه، وزيرًا للداخلية فى الحكومة الجديدة، فقررت التخلص منه.
بـ٣٤ صوتًا مقابل ٣٩، لقائمة محمد يونس المنفى وعبدالحميد الدبيبة، خسر باشاغا المنافسة على رئاسة الحكومة الجديدة. وخلال الاجتماعات الأخيرة لملتقى الحوار السياسى الليبى، الذى انعقد فى جنيف وجرت خلاله الانتخابات، هاجمته الميليشيات الموالية لفايز السراج، رئيس ما كان يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق»، وقامت بتحريك مئات الآليات العسكرية من المنطقة الغربية إلى العاصمة طرابلس، وأعلنت، فى بيان، عن توحيد صفوفها وحل خلافاتها، ودعت السراج إلى إعادة لم شمل المجلس الرئاسى وتشكيل «حكومة وحدة»، حتى إجراء الانتخابات. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن السيارة، التى هاجمت موكب باشاغا، كانت تحمل شعار «جهاز دعم الاستقرار» الذى استحدثه السراج، منذ أسابيع قليلة!.
الصراع بين السراج وباشاغا بدأ منذ تعيين الأخير وزيرًا للداخلية، سنة ٢٠١٨، وزادت حدته، مع بدء عمليات تصفية الحسابات بين ميليشيات الزاوية ومصراتة وطرابلس وزليتن والجبل الغربى. وفى إحدى حلقات الصراع، قام السراج، بوقف وزير داخليته عن العمل، وإحالته للتحقيق على خلفية المظاهرات، التى شهدتها طرابلس وعدة مدن ليبية أخرى، احتجاجًا على تردى الخدمات العامة وتدهور الأوضاع المعيشية. وبعد اجتماع انعقد داخل مقر «حكومة الوفاق»، الذى حاصرته ميليشيات مصراتة، الموالية لباشاغا، أعيد الأخير إلى منصبه بالإكراه.
اللافت، أن محاولة الاغتيال، حقيقة كانت أو مزعومة، جاءت بعد ساعات من اجتماع عقدته السلطة التنفيذية الجديدة، فى طرابلس، مع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «٥+٥»، جرت فيه مناقشة آخر ما توصلت إليه اللجنة بشأن تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وعلى رأسها رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة، وتفكيك الميليشيات المسلحة، وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية.
الاجتماع المباشر الأول للجنة العسكرية المشتركة، استضافته مدينة الغردقة، نهاية سبتمبر الماضى، وبعد أربع جولات من المحادثات، فى جنيف، تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار فى ٢٣ أكتوبر الماضى، وفى ٤ نوفمبر زار باشاغا القاهرة، واستبق الزيارة بتأكيده عدم جدوى ذلك القرار «فى ظل استمرار التدخل الأجنبى»، وطالب فى حوار نشرته جريدة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، بوضع حد لهذا التدخل ووصفه بالتحدى الأكبر.
كما شدد على أن إحدى أبرز الصعوبات التى تواجه وزارته هى «التعامل مع الميليشيات المسلحة»، التى شبَّهها بعصابات المافيا، وأوضح أن لديها أسلحة ونقودًا وعلاقات، وأن محو وجودها من ليبيا «سيكون عملًا صعبًا للغاية». وسأل: ماذا سنفعل لو أعطيناها أمرًا ولم تنصع له؟». فى القاهرة، ناقش باشاغا مع اللجنة المصرية المعنية بالشأن الليبى خطة تفكيك وإعادة هيكلة الميليشيات، وإمكانية دمج عناصرها فى المؤسسات العسكرية والأمنية. وهى الخطة التى تتلخص فى تصنيف المجموعات المسلحة إلى ٣ فئات، خضراء وحمراء وصفراء: الأولى سيعاد دمجها فى الأجهزة الأمنية، بينما سيتم حل اللونين الآخرين وتسريح أعضائهما.
وفى يناير الماضى، أعلن باشاغا عن إطلاق حملة، اختار لها اسم «صيد الأفاعى»، لاستهداف الخارجين عن القانون، وتصفية عدد من الميليشيات، غير أن هناك من وصفوا تلك الحملة بأنها محاولة جديدة من ميليشيات مصراتة الداعمة لباشاغا لإخضاع ميليشيات الزاوية وباقى خصومها فى الغرب.
أخيرًا، وسواء كانت محاولة الاغتيال حقيقية أو مسرحية، لا نعتقد أنها قد تعرقل عملية الانتقال السياسى فى البلاد. فقط، نراها محاولة للإرباك، وتأكيدًا جديدًا على ضرورة التخلص من الميليشيات الإرهابية، التى تستعملها تركيا وقطر، ولا تزال تفرض سيطرتها على غرب ليبيا.