محاكمة ترامب.. فيلم كوميدى
فريق الدفاع عن الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، طلب من مجلس الشيوخ العدول عن محاكمته، التى وصفها بأنها انتهاك للدستور و«مسرحية سياسية تشكل خطرًا على الديمقراطية»، وفريق الادعاء يعتزم عرض فيلم وثائقى، خلال المحاكمة، وصفته جريدة «نيويورك تايمز» بأنه «فيلم أكشن ضخم». ودون أى انحياز لأحد الفريقين، نعتقد أن ما بدأ أمس الثلاثاء، سيراه الأمريكيون الوطنيون مسرحية تراجيدية، وسيكون مجرد فيلم كوميدى لغيرهم.
فريق الادعاء الديمقراطى، يقوده جايمى راسكين، الذى حاول استغلال انتحار نجله ليلة رأس السنة، سياسيًا، وقال لشبكة «سى إن إن» إنه خسر ابنه فى نهاية ٢٠٢٠، لكنه لن يخسر بلده فى ٢٠٢١. وبعد اعتذار جون روبرتس، كبير قضاة المحكمة العليا، عن ترؤس جلسات المحاكمة، سيتولى المهمة السيناتور باتريك ليهى، الذى يحتفل الشهر المقبل بعيد ميلاده الحادى والثمانين، واختير رئيسًا مؤقتًا لمجلس الشيوخ، فى ٢٦ يناير الماضى، وبعد ساعات تم نقله إلى المستشفى. والطريف أنه شارك عدة مرات بأدوار صغيرة فى أفلام «باتمان»، وسبق أن هاجمه ترامب، خلال تجمّع سنة ٢٠١٨، واتهمه بالإفراط فى تناول المشروبات الكحولية.
مجلس النواب، الذى يقوده الديمقراطيون، كان قد وافق، فى ١٣ يناير الماضى، على مساءلة ترامب تمهيدًا لعزله، وتضمن القرار اتهامًا واحدًا هو «التحريض على التمرّد». وبالتالى صار ترامب أول رئيس أمريكى يتعرض للمساءلة مرتين، وأول رئيس يواجه المحاكمة بعد تركه منصبه. كما كان أيضًا أول رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة، يخوض انتخابات الرئاسة بعد إجراءات عزله، التى أسقطها مجلس الشيوخ فى فبراير الماضى. لكن حال إدانته، هذه المرة، سيحاول الديمقراطيون منعه من الترشح فى انتخابات الرئاسة المقبلة، مستغلين فقرة فى الدستور الأمريكى تتيح لمجلس الشيوخ حرمان الرئيس، أو المسئول، من تولى أى منصب فيدرالى.
فريق الدفاع عن ترامب، أصدر أمس الأول الإثنين مذكرة قانونية، تقع فى ٨٧ صفحة، انتهت إلى عدم دستورية إقالة أو عزل الرؤساء السابقين، كما أكدت أن تصريحات ترامب وتصرفاته يكفلها له التعديل الأول من الدستور، سواء حين شكك فى نتيجة الانتخابات، أو حين طالب مؤيديه بالاحتجاج عليها. وأوضحت المذكرة أن الرئيس السابق ليس مسئولًا عن لجوء البعض إلى العنف، لمجرد أنهم أساءوا فهم تصريحاته، مشدّدة على أنهم «فعلوا ذلك بمحض إرادتهم، ولأسباب خاصة بهم، وتجرى محاكمتهم جنائيًا».
على هذه المذكرة، رد فريق الادعاء بمذكرة أخرى، أكد فيها أن الكونجرس له «كل الحق» فى إدانة الرئيس السابق ومنعه من تولى منصب رفيع مرة أخرى، لأن السلوك المعنى وقع أثناء وجوده فى البيت الأبيض. ورد على إشارة الدفاع إلى التعديل الأول، بأن لغة ترامب، خاصة خلال التجمع الذى سبق هجوم ٦ يناير، كانت عنيفة ولا يمكن تفسيرها إلا على أنها دعوة لحمل السلاح. وشدّد على أن مجلس النواب لم يقم بإدانة الرئيس ترامب لأنه عبر عن رأى سياسى غير شعبى»، بل لأنه «حرَّض عمدًا على تمرد عنيف ضد الحكومة».
ما جاء فى المذكرتين، سيتكرر غالبًا، خلال المرافعات الافتتاحية، التى من المفترض أن تبدأ ظهر اليوم، الأربعاء، وسيتاح لفريق الادعاء عرض القضية فى ١٦ ساعة، على أن يحصل فريق الدفاع على مثلها فى اليوم التالى. غير أن حدوث ذلك أو عدمه معلق بنتيجة تصويت الثلاثاء، أمس، على دستورية المحاكمة، والذى لم يتم حتى كتابة هذه السطور، وإن كان مرجحًا أن تفشل محاولة الجمهوريين فى حشد الأصوات اللازمة لإقرار عدم دستوريتها، كما فشلت محاولة السيناتور راند بول، منذ أيام، والتى كشفت عن عدم قدرة الديمقراطيين على استمالة غير خمسة نواب جمهوريين فقط، ما يعنى أن المحاكمة ستنتهى، غالبًا، إلى لا شىء.
إدانة ترامب تحتاج إلى موافقة ثلثى أعضاء مجلس الشيوخ على الأقل: ٦٧ من أصل ١٠٠، وهو ما لن يحدث إلا بانضمام ١٧ نائبًا جمهوريًا إلى كل النواب الديمقراطيين البالغ عددهم ٥٠، وهو احتمال يقترب من المستحيل، ليس فقط بسبب خوف الجمهوريين، على مستقبل الحزب، الذى قد يتأثر بإدانة ترامب، ولكن أيضًا لاحتمال أن يخرج نائب ديمقراطى عن القطيع ويرفض الإدانة، وربما يفضل آخرون إغلاق هذا الملف سريعًا، للتركيز فى إقرار مقترحات لإدارة بايدن تحظى بأولوية، مثل خطة الإنقاذ الاقتصادى لمواجهة تداعيات وباء «كورونا المستجد».
الفيلم الوثائقى، أو فيلم الأكشن الضخم، الذى أنتجه فريق الادعاء خصيصًا من أجل المحاكمة، يربط لقطات اقتحام مبنى الكابيتول، بتصريحات ترامب. وربما يكون النواب قد شاهدوه فى الجلسة، التى بدأت فى الواحدة ظهر أمس الثلاثاء، بتوقيت واشنطن، الثامنة مساءً، بتوقيت القاهرة، لكن فصول المسرحية التراجيدية، أو أحداث الفيلم الكوميدى، ستظل مستمرة.