رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

25 يناير 2011 تاريخ لن يمحوه الزمن بكل جبروته


هل حقا مرت عشر سنوات، على الثورة التى زودتنا بمرآة جديدة، نرى من خلالها ملامحنا، وأحلامنا، وقوتنا، وتميزنا؟.

لا أكاد أصدق، أن الأيام العظيمة هكذا يطويها الزمن سريعا. لكن ثورة 25 يناير 2011 لن يطويها الزمن، كما يتمنى تحالف العداء والمؤامرات والشائعات.

الزمن بكل جبروته، لا يستطيع أن يطوى نضال الشعوب، المقهورة بالكذب، وتجارة الدين، وبيع الأوطان، وتضليل الإعلام، وتكفين النساء وهن أحياء.

25 يناير 2011، يوم فى تاريخ مصر، أخاف كثيرًا ألا يأخذ حقه فى الفهم والتحليل، وتقدير ما فعله، فى نفوسنا، وما سيورثه للأجيال المتعاقبة.

أى كلمات اليوم فى الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير، سوف تكون غير كافية، وغير وافية.

ماذا أكتب؟.. والوطن فى 25 يناير 2011، أعاد تشكيل الحروف والكلمات. كيف أكتب؟.. والأبجدية التى أعرفها، مسحتها مصر، بجرة قلم يصرخ.. "نكتفى بهذا القدر من استبداد السياسة وسياسة الاستبداد".

توحد الشعب المصرى، فى أعظم مشهد تاريخى، ليثبت لمنْ يهمه، أو لمنْ لا يهمه الأمر، أن مصر لها "صاحب"، وليست "عزبة" خاصة، تُباع، أو تٌورث. وليست أرضًا معروضة على المشاع قابلة للمساومة، والمفاوضات. والوطن له مالك "أصلى، وعنده كل أوراق الملكية القانونية، المعلقة على جدران أقدم الحضارات. وإذا ظهر مالك آخر، فقد قام بالتزوير فى أوراق وطنية، وشهادات تاريخية.

تكتل الشعب العريق، ليذكرنا بالحقيقة المتوارية خلف الستار.. أنه إذا أراد نهاية للظمأ، سوف تتدفق أنهار، وينابيع، وأبيار، عذبة المذاق، تتسابق فيما بينها، منْ يمنح الرشفة الأولى. ومنْ له شرف، أول ارتواء.

الثورة، رغم الطوب والمولوتوف والرصاص الحى، والضمائر الميتة، تحشد الملايين فى ميدان التحرير، لتجعله عاصمة للثورة، و"اسما على مُسمى".
25 يناير 2011 ، كان الشِتاء فى "عزه"، وفى "أوج حضوره". وهكذا كان أيضا الشعب المصرى.

رجع الشعب المصرى إلى نخوة الاحتجاج، وشهامة الرفض، ونُبل التناغم، تماما مثلما حدث فى ثورة 1919. ها هو الشعب المصرى بكل انتماءاته المنصهرة فى بوتقة واحدة، يهز عرش التسلط، يحطّم كراسى المناصب، يكسر سيوف الاستعلاء.
ها هو الشعب المصرى يخبر الجميع "أنا الشعب الذى يحدد المصير، ويرسم المسار، ويغيِّر فصائل الدم ومجرى الأنهار.. أنا الشعب المصدر الوحيد للشرعية وصُنع القرار.. أنا الشعب أبدل المنطق ورغبة الأقدار". وليسمح هذا الشعب المدهش غير القابل للتنبؤات أن أعتذر له . أنا حقا أدين له بكلمة اعتذار قبل 25 يناير 2011، كنت قد يئست من حدوث أى ثقب، ولو كان صغيرا فى جدار أسمنتى مسلح، كابس على أنفاسنا، مدة طويلة.

كنا قبل 25 يناير 2011 نختنق من قلة الهواء وبيننا وبين أنفسنا، كنا نتساءل السؤال المُحرم.. متى نفتح الأبواب المغلقة، وكيف نكسر النوافذ المصممة ضد الكسر. استسلمت لخيبة الأمل، والإحباط. لا أرى شيئا فى الأفق أو أراه ضيقا، مثل عنق الزجاجة، ومساحة القبر. وكنت أتكلم عن النصف الكوب الخالى بل أحيانا كنت لا أرى الكوب نفسه.

كدت أكفر بالوطن وبقدراته . كنت فى أشد الحاجة إلى استعادة ثقتى فى الأرض التى أنجبتنى. كنت أتوق الى سحابة واحدة، تجرؤ على أحداث المطر.

وهناك فرق كبير بين الثورة، والسياسة.. السياسة تهتم بتحقيق الأحلام الممكنة. بينما الثورة هى تحقيق الأحلام غير الممكنة. السياسة تسعى إلى الحلول فى منتصف الطريق، بينما الثورة تضرب فى الجذور.. السياسة تمشى فوق الأرض، الثورة تٌحلق بعيدا إلى أعلى السماء . السياسة فن تقسيط الأهداف.
بينما الثورة، حزمة من الأهداف لا تقبل التجزئة . العمل السياسى يريد أن يغير موازين القوى، داخل نظام معين. الثورة هى إبادة النظام. ربما تريد السياسة أن تزيد من عدد الورود، أو تغير ترتيب الأزهار، لكن الثورة تريد هدم الحديقة.

علمتنا 25 يناير أنه لا مساومة على المطالب، تُعلمنا الثورة المصرية أنه لا مساومة على الوجود . إما أن نثور على كل شىء، أو لا نثور، لا يوجد شىء اسمه رُبع ثورة، أو نصف ثورة. مثل الشرف. نحن إما شرفاء أو غير شرفاء. لا يوجد ربع شرف، أو نصف شرف. أو شرف بالتقسيط، وبالتجزئة، أو شرف تكتيكى على مراحل .
نزل الشعب المصرى إلى الشوارع  دون أن يستأذن النخبة دون أن ينتظر قرارات القيادات الحزبية، دون أن يستمع الى تقارير الأرصاد الجوية . صنع الشعب المصرى المعجزة بكل عفوية، دون مساعدة من أحد عزف بارع من أوركسترا، دون مايسترو ودون نوتة موسيقية .

يقول البعض عن جهل أو عن عمد، أن 25 يناير 2011، تاريخ سوف يتجمد، ثم سيموت من شدة التجمد. هم مخطئون، شكلا، وموضوعا، ونية، وهدفا. وذلك لسبب بسيط.. أن 25 يناير 2011، ثورة بكل المقاييس، والمعايير، والثورة "فكرة"، والأفكار لا تموت، والثورة "حلم"، والأحلام لا تهجر دفء الوسادة.