رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رجلهم فى موسكو



عدم تشكيل «رجلهم»، فى العنوان، مقصود، لأن أليكسى نافالنى يمكن وصفه بأنه «رجلهم»، بكسر الراء أو بفتحها، وبتسكين الجيم أو بضمها. ولا نعرف على أى أساس تصفه وكالات أنباء وصحف غربية ومنظمات حقوقية، تحت مستوى الشبهات، بأنه «زعيم المعارضة الروسية»، أو المعارض الأبرز للرئيس الروسى فلاديمير بوتين؟!.
أخبار حملتها تلك الوكالات، وهذه الصحف، قالت إن الآلاف تظاهروا، أمس السبت، فى كل أنحاء روسيا دعمًا لـ«المعارض البارز». غير أننا لم نشاهد فى الصور، التى نقلتها وكالتا «رويترز» و«أسوشيتد برس»، غير أعداد محدودة فى ساحة بوشكين بالعاصمة موسكو. وربطت وكالة الأنباء الفرنسية بين هذه المظاهرات والانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها فى سبتمبر المقبل، زاعمة أن شعبية الحزب الحاكم «روسيا الموحدة» تراجعت بدرجة كبيرة!.
على مدار أسبوع انتشرت دعوات التظاهر على شبكات التواصل الاجتماعى. وكانت شرطة العاصمة قد هدّدت بأن «تقمع بلا تردد» أى تجمعات غير مصرح بها، لأنها تراها «تهديدًا للنظام العام». وأدان سيرجى سوبيانين، رئيس بلدية موسكو، تلك الدعوات ووصفها بأنها «غير مقبولة» فى ظل تفشى وباء «كورونا المستجد». كما هدّدت هيئة الاتصالات الروسية «روسكوماندزور» بفرض غرامات على منصة «فكونتاكتى»، النظير الروسى لـ«فيسبوك»، ومنصة «تيك توك»، ثم قالت إن هاتين المنصتين وموقع «يوتيوب» قامت بحذف العديد من الدعوات والرسائل المعنية.
المطلب الأساسى للمتظاهرين هو الإفراج عن نافالنى المحتجز منذ عودته، الأحد الماضى، من رحلة علاجية إلى ألمانيا، إثر مزاعم تسميمه بغاز الأعصاب، «نوفيتشوك»، فى أغسطس الماضى. غير أن المتظاهرين طالبوا برحيل الرئيس الروسى وردّدوا شعارات من عينة: «بوتين لص». وسبب ذلك أن مؤيدى نافالنى نشروا فيديو طويلًا، الثلاثاء الماضى، عن ملكية الرئيس الروسى قصرًا ضخمًا على شواطئ البحر الأسود، أطلقوا عليه اسم «قصر بوتين»، وزعموا أنه تكلف أكثر من مليار يورو. مع أن الكرملين نفى صحة هذه المزاعم مرات ومرات.
ماكينة تصنيع الأخبار المثيرة، أو الجاذبة للاهتمام لم تتوقف. إذ تم الإعلان، أمس الأول الجمعة، عن احتجاز المتحدثة باسمه، وأمس السبت، ذكرت زوجته يوليا نافالنايا أن الشرطة الروسية ألقت القبض عليها فى موسكو، خلال تظاهرها دعمًا لزوجها المسجون. وفى حسابها على «إنستجرام»؛ نشرت صورة «سيلفى» التقطتها فى عربة الشرطة مع هذا التعليق: «اعذرونى على رداءة نوعية الصورة، الضوء سيئ فى عربة نقل المساجين». كما قيل إن الشرطة الروسية ألقت القبض على ١٢٥ شخصًا فى مدن مختلفة، ثم نزل العدد إلى خمسين فقط، فى بيان أصدرته منظمة «أو فى دى- إنفو» غير الحكومية المتخصصة فى مراقبة المظاهرات.
أليكسى أناتولييفيتش نافالنى، رجل أعمال، ناشط سياسى، حقوقى، ومدوّن روسى، بدأ تاريخه النضالى فى ٢٠١١ بعد عودته من الولايات المتحدة «درس لمدة سنة فى جامعة ييل»، فانضم إلى ما يوصف بـ«مجلس تنسيق المعارضة الروسية» وإعلانه عن تأسيس «حزب التحالف الشعبى»، ووقتها قال لوكالة «رويترز» إن نظام «بوتين» يترنح، وإن روسيا قد تواجه ثورة تُشبه «ثورات الربيع العربى» خلال خمس سنوات. لكن ما حدث، وما رأيناه، أو «زى ما أنت شايف»، مرت عشر سنوات، دون أن تشهد روسيا ربيعًا، أو خريفًا، ودون أن يتأسس الحزب، الذى لا يزال تحت التأسيس!.
يواجه نافالنى أكثر من دعوى جنائية، وقد يعاقب بالسجن لعدة سنوات حال إدانته. ويزعمون أن له حضورًا واسعًا وشعبية كبيرة، وأن وسائل الإعلام الحكومية الروسية الرئيسية إلى حد كبير معه. وخلال انتخابات الرئاسة الروسية، التى جرت فى مارس ٢٠١٨، قامت وسائل إعلام غربية بالتركيز على منع نافالنى من الترشح، وزعمت أنه كان المنافس الأقوى للرئيس الروسى، وأن تهمة الاختلاس، التى أدين فيها، قضائيًا، تم تلفيقها، لإزاحته من المنافسة!.
قيل هذا الكلام، وأكثر منه، بينما قال الواقع إن الانتخابات الرئاسية الروسية كانت بالفعل محسومة لصالح «بوتين»، الذى انتشل بلاده من مرحلة تهميش عاشتها فى تسعينيات القرن الماضى وبدايات هذا القرن، واستعاد مكانتها كقوة عظمى، وأرهق منافسيه، بسبب الطفرات التى شهدتها روسيا، داخليًا وخارجيًا، خلال فترات رئاسته. أما عن وصف الدعاوى، التى يواجهها نافالنى بأنها جنائية، فلن ألومك لو تشكّكت فى نزاهة القضاء الروسى. لكن سألومك طبعًا وسأتشكك فى معرفتك بقوانين أى بلد فى الدنيا، لو اعتقدت، كما اعتقد «نافالنى»، أن بإمكانه إلغاء حكم قضائى صدر فى بلده بورقة تنتقد الحكم أصدرتها «اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان»!.
السيناريو، كما لعلّك لاحظت، سبق أن شاهدناه هنا بحذافيره. وقد نشاهد، بعد أيام، سيناريوهات شبيهة مضافًا إليها رقصات مختلفة مع مزيد من التوابل. وتأسيسًا على ذلك، لن تكون مخطئًا لو استنتجت أن الذين يحركون أو يستعملون نافالنى فى موسكو، لهم رجال أو أرجل فى القاهرة!.