رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«متاهة العاشق» رواية جديدة لـ عبد الوهاب داود

عبد الوهاب داود
عبد الوهاب داود

تصدر قريبا عن دار كنوز للنشر والتوزيع٬ أحدث إبداعات الكاتب الصحفي عبد الوهاب داود٬ رواية "اسمي غالبًا مصطفى: متاهة العاشق"٬ وكان قد سبق وصدر لــ"داود" رواية بعنوان "رواية المهزوم" عن نفس الدار.

ومما جاء في الرواية نقرأ: "صوت "ترام مصر الجديدة" شبه الخالي من الركاب في هذه الساعة الباكرة من الصباح، يقطع الصمت في ميدان "روكسي" الذي لا يعرف طريقًا للهدوء بقية اليوم، وأربعينية بملابس فلاحة تحمل فوق رأسها "حَلة جبن منزلي الصنع" تعبر الخط الحديدي، من أمام القطار الذي هبطت منه للتو، غير مبالية بإمكانية تحركه وقت عبورها، ودون أن تلتفت إلى ابتسامة السائق ومساعده لتحيتها.

ينتفض صديقي القديم لمعي، صاحب "كشك الصحف"، من مكانه، ليساعدها في تنزيل حِملها الثقيل، وفرش بضاعتها بالقرب منه، في منتصف المسافة بين "كشكه" وحجرة ناظر المحطة.

أتأمل بياض وجهها الخالي من علامات الزمن إلا قليلًا، وجلبابها الأسود النظيف، وخصلات شعرها فحمية السواد، التي تطل متلصصة من تحت شالها الأسود الكثيف.

أتأمل علامات الرضا وراحة البال، البادية في ابتسامة عينيها شبه النائمتين، تلك الابتسامة التي ارتسمت على صفحة وجهها واسعة، ومرحبة، بمجرد أن التقت أعيننا، كأنها دعوة للرضا تبثها في محيطها، بلا اختيار، ولا تفضيل.

هي تلك الابتسامة التي قد يمر قطار العمر بك دون أن تصادفها سوى مرة واحدة، وقد تتكرر إن كنت من سعداء الحظ بالقرب من واحدة من مبهجات الحياة من أمثال هذه السيدة.

ابتسامة تنعكس على قسمات وجهها المستدير الرطب، جمالًا، يفتح لها أبواب الرزق، وتهدئ من مشاحنات "الفصال" مع زبائنها من سكان الحي، والعاملين بالمحطة، والمحلات المجاورة، والعابرين بالمنطقة، ولا تملك إلا أن ترد عليها بابتسامة رائقة مماثلة، أو قل إنها تنساب مع الهواء لكي تفرض نفسها وحضورها على كل وجه تصادفه، ولو كان به ألم.

أسأل نفسي "أين اختفت ملامح الإرهاق والتعب من مشوارها الطويل؟ ومتى حلت مكانها أمارات الرضا؟!"

أدرك أن مفاتيح الرضا ليست بيد أحد، ولا يعرف الطريق إليها إلا هؤلاء الذين لا نعرف شيئًا عن أسرار قلوبهم، والذين يسلمون تصاريف الأيام لرب الأيام، ويتولون هم توزيع البهجة، والمحبة، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.