رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الصديق القديم.. كيف يتعامل بايدن مع تل أبيب؟

عودة الصديق القديم
عودة الصديق القديم


خلال ٨ سنوات شغل خلالها جو بايدن منصب نائب الرئيس فى إدارة باراك أوباما، وضح أن الرئيس الأمريكى الجديد يفصل بين التأييد المطلق لإسرائيل ومواقفه من سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ما أدى إلى خلافات علنية بين الطرفين، فى ضوء المعرفة الواسعة لـ«بايدن» بملفات الشرق الأوسط. وخلال الأسابيع الماضية، انشغل الرأى العام الإسرائيلى بتوقع السياسات المقبلة للرئيس الأمريكى الجديد، فى ظل خلافِه مع «نتنياهو» حول عدد من القضايا المهمة، وعلى رأسها الخلاف حول قضية المستوطنات والالتزام بحل الدولتين، إلى جانب العودة إلى الاتفاق النووى مع إيران. «الدستور» ترصد، فى السطور التالية، تاريخ الرئيس الأمريكى الجديد مع إسرائيل، ومواقفه الداعمة لها أمنيًا وعسكريًا وسياسيًا، بالإضافة إلى مواقفه المتوقعة تجاه بعض القضايا الخلافية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، وعلى رأسها استئناف عملية السلام، والاتفاق النووى الإيرانى.


وصف نفسه بأنه «صهيونى».. متلزم بحماية الأمن الإسرائيلى.. وساعد على دعمها بـ 38 مليار دولار
فى زيارته الأولى إلى إسرائيل كنائب للرئيس «أوباما» عام ٢٠١٠، قال جو بايدن عن إسرائيل إنها وطنه الثانى، وأضاف فى حديثه مع مايكل أورن، السفير الإسرائيلى لدى واشنطن: «لا يجب أن تكون هذه المسافة الكبيرة بيننا وبينكم»، كما قال: «ليس عليك أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا، وأنا صهيونى».
وبعد أيام من التصريح السابق، قال بنيامين نتنياهو، خلال استقباله «بايدن» فى مكتبه بتل أبيب: «نحن صديقان مقربان منذ ثلاثة عقود تقريبًا، وطوال هذا الوقت كنت صديقًا حقيقيًا لى، وصديقًا حقيقيًا لإسرائيل والشعب اليهودى، وزرت إسرائيل عدة مرات، منذ أتيت هنا لأول مرة عشية حرب يوم الغفران (حرب ١٩٧٣)».
كما قال «نتنياهو» لـ«بايدن» فى مؤتمر صحفى: «أريد أن أشكرك شخصيًا على صداقتنا الشخصية لأكثر من ٣٠ عامًا، لقد عرفنا بعضنا البعض منذ وقت طويل، لقد مررنا بالعديد من التجارب والمحن، ولدينا رابط دائم يمثل الرابط الدائم بين شعبينا».
ووفقًا لذلك، يرى المحللون أن دعم «بايدن» إسرائيل والتزامه بحماية أمنها وتعزيز الشراكة بينها وبين الولايات المتحدة هو موقف شخصى امتد طيلة حياته المهنية، منذ انتخابه لأول مرة لعضوية مجلس الشيوخ عام ١٩٧٢.
وكانت أول رحلة خارجية لـ«بايدن»، بصفته عضوًا فى مجلس الشيوخ إلى إسرائيل، عام ١٩٧٣، التقى خلالها رئيسة الوزراء الإسرائيلية وقتها، جولدا مائير، كما التقى خلال مسيرته بكل رؤساء الوزراء الإسرائيليين من وقتها وحتى الآن.
وعارض «بايدن» بيع أنظمة أسلحة متطورة إلى المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى فى عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، وشارك فى رعاية قانون مكافحة الإرهاب الفلسطينى عام ٢٠٠٦.
وتؤكد التقارير الإعلامية أن «بايدن» قاتل فى مجلس الشيوخ للحصول على مساعدات مهمة لإسرائيل، ووصف بعضها ذات مرة بأنها «أفضل استثمار بقيمة ٣ مليارات دولار نقوم به»، كما عارض أى جهد لخفض أو فرض أى شروط سياسية على مساعدة إسرائيل.
وخلال عمله نائبًا لـ«أوباما»، ساعد «بايدن» على ضمان الدعم الثابت لأمن إسرائيل، وكان من المدافعين الرئيسيين عن تأمين الدعم لتقنيات، مثل «القبة الحديدية» و«مقلاع داوود» وأنظمة «أرو ٣» المضادة للصواريخ.
وساعد «بايدن»، أيضًا، فى صياغة مذكرة تفاهم غير مسبوقة بقيمة ٣٨ مليار دولار لمدة ١٠ سنوات بين الولايات المتحدة وإسرائيل فى عام ٢٠١٦، وهى أكبر حزمة مساعدات عسكرية فى تاريخ الولايات المتحدة، كما حصلت إسرائيل على تمويل لمنظومة «القبة الحديدية» الدفاعية يتجاوز ما خصصه الكونجرس، ويتناقض مع الموقف الفاتر لإدارة الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، من دعم هذه المنظومة.
وخلال عمله نائبًا، كانت إدارة «أوباما» أول إدراة أمريكية تزود إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات، بعدما نقلت التعاون العسكرى والاستخباراتى مع إسرائيل لمستويات غير مسبوقة، ودشنت سجلًا قويًا من التصويت لصالح إسرائيل والدفاع عنها فى الأمم المتحدة، مقارنة بأى إدارة أمريكية سابقة، كما قاد «بايدن» شخصيًا الجهود الأمريكية لمعارضة نزع الشرعية عن إسرائيل.
ويرى السياسيون فى إسرائيل أن «بايدن» اتخذ خطوات تاريخية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووى، وساعد على فرض إدارة «أوباما» لعقوبات متعددة الأطراف على طهران، دفعتها إلى المفاوضات، التى انتهت بالاتفاق النووى، وإن كان البعض يرى أن صيغة الاتفاق النهائية أضرت بأمن إسرائيل.
وخلال حرب غزة عام ٢٠١٤، أجرى «بايدن» مكالمات للدفع بمشروع قانون مخصصات الطوارئ من خلال الكونجرس لتجديد صواريخ منظومة «القبة الحديدية» الدفاعية، وأدان مع «أوباما» حركة «حماس» الفلسطينية.


مخاوف من رغبته فى إعادة الاتفاق النووى مع إيران وضغوطه لإحياء حل الدولتين
وفقًا لتاريخه، يعتقد المراقبون أن إدارة «بايدن» ستكون ملتزمة بالحفاظ على أمن إسرائيل، مع التعاون العسكرى والاستخباراتى غير المسبوق، لاستكمال ما تحقق خلال إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما.
ويتوقع الخبراء أن تدفع الإدارة الجديدة القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية لدعم جهود السلام فى الشرق الأوسط، مع حث الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على اتخاذ خطوات للحفاظ على حل الدولتين، وتجنب الإجراءات أحادية الجانب، مثل ضم أراضى ومستوطنات الضفة، والتوقف عن العنف.
كما يتوقع الخبراء أن يتراجع «بايدن» عن قرارات سلفه، دونالد ترامب، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، وإلغاء المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، مع التأكيد على رفض الإدارة الجديدة أى حركة تنادى بمقاطعة إسرائيل ومنتجاتها أو تحاول نزع الشرعية عنها، مع استمرار الشراكة الاقتصادية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وزيادة التعاون العلمى، ومحاولة الدفع لتحقيق المزيد من اتفاقات السلام فى المنطقة.
أما موضوع الخلاف الرئيسى، كما يرى الخبراء، سيكون الملف الإيرانى، فمن المتوقع أن تهتم إدارة «بايدن» بإعادة التفاوض لتحقيق اتفاق دبلوماسى جديد يمنع إيران من إنتاج القنبلة النووية، وهو ما يثير القلق داخل الحكومة الإسرائيلية حاليًا.
ويؤكد المراقبون أن عملية اغتيال العالم النووى الإيرانى، محسن فخرى زاده، التى نُسبت إلى إسرائيل، كانت تهدف لتعقيد الأمور ومنع الإدارة الأمريكية من العودة إلى المسار الدبلوماسى مع طهران، خاصة بعدما حذر «نتنياهو» من العودة إلى الاتفاق النووى «الردىء»، ومنح تصاريح بناء لـ٦٠٠ وحدة استيطانية فى الضفة الغربية.
ويشير المراقبون إلى أن المخاوف الإسرائيلية لا تتوقف عند بنود الاتفاق المرتقب والتسهيلات التى يمكن أن تمنح لإيران، لكنها تمتد إلى احتمالات تقييد التحركات الإسرائيلية فى سوريا، وإيقاف الهجمات التى تقول الحكومة الإسرائيلية إنها تستهدف مواقع إيرانية بسوريا. وعلى المستوى الدولى، يعتقد الخبراء أن الحكومة الإسرائيلية تتخوف من طريقة تعامل إدارة «بايدن» مع روسيا والصين، خاصة إذا طلبت واشنطن من تل أبيب إيقاف العلاقات المتنامية بينها وبين الروس والصينيين، كما يتخوف «نتنياهو» من فقدان الحماية التى وفرتها إدارة «ترامب» فى الأمم المتحدة ووكالاتها لحكومته، وتدخلها أكثر من مرة لإيقاف قرارات شجب وإدانة التصرفات الإسرائيلية.
وبالإضافة إلى ذلك، يشير المراقبون إلى رغبة «أوباما»، الذى عمل «بايدن» إلى جواره لسنوات، فى الانتقام من «نتنياهو»، خاصة أن الرئيس الأمريكى الأسبق يحمله مسئولية إحباط سياساته تجاه إيران وتجاه حل الدولتين.
وبعد أداء «بايدن» اليمين الدستورية، مساء الأربعاء، خلفًا لدونالد ترامب، قال رءوفين ريفلين، الرئيس الإسرائيلى، إن بلاده تتطلع للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فيما قال «نتنياهو»: «تجمعنا صداقة حميمة، ونتطلع للعمل معكم فى مواجهة التحديات التى تقودها إيران».