رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جلال أمين


لماذا هذا الموضوع؟ لأنه كيف لا أتكلم الآن عن أمريكا فى هذه اللحظة التاريخية، ‏لحظة المتغيرات؟ لكن السؤال الأهم هو: لماذا فى عيون المفكرين المصريين؟ لأننا ‏فى الحقيقة نرى أمريكا من خلال عيونهم، ونتعامل معها على ضوء هذه المعطيات. ‏
والآن لماذا بدأت بجلال أمين؟ هذا هو السؤال.. والإجابة عنه معقدة ومركبة، ولنبدأ ‏بوالد جلال أمين، وهو أحمد أمين صاحب سلسلة «فجر الإسلام وضحى الإسلام ويوم الإسلام»، وهو أيضًا عميد كلية الآداب جامعة القاهرة.
أما ابنه جلال أمين فهو خريج ‏جامعات بريطانيا، فى مرحلة الدكتوراه، والأستاذ فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو ‏المفكر القومى «العروبى.. اليسارى»، هكذا نستطيع تفهم رؤية جلال أمين لأمريكا.‏
وسنعتمد فى هذا الصدد على مذكرات جلال أمين خاصة الجزء المعنون «رحيق ‏العمر»، حيث يتعرض جلال أمين إلى لحظة تاريخية مهمة مرت بها أمريكا بل والعالم ‏كله، إنها لحظة فارقة، حادث ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
يروى جلال أمين فى مذكراته ‏كيف تشكك فى الظروف المصاحبة لسقوط برجى مبنى التجارة العالمى، وينفى جلال ‏أمين- من وجهة نظره- مسئولية الإرهاب الإسلامى عن الحادث، ويُلمّح إن لم يكن ‏يُصَرح إلى مسئولية جهة أخرى، واستفادة أمريكا من وراء هذا الحادث فى توسيع ‏نفوذها خارجيًا بحجة مكافحة الإرهاب.‏
ويذكر جلال أمين دعوة السفير الأمريكى له فى القاهرة للغداء مع نخبة من الصفوة ‏السياسية للحديث عن «لماذا تكرهوننا؟»، وهى النغمة التى سادت فى أروقة السياسة ‏الأمريكية بعد حادث ١١ سبتمبر، لماذا يكرهنا المسلمون؟
ويقدم جلال أمين- وفقًا لثقافته الغربية- رواية لكيفية الحديث أو الجدل أو حتى ‏التفاوض مع الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص، هو يرى أن أمريكا بلد نشأ ‏تاريخيًا على مبدأ القوة، وبالتالى الأفضل الحديث معه بمنطق القوة.
ويذكر أمين ‏كيف بدأ النقاش مع السفير الأمريكى على النحو التالى: «إننا- المصريين- شعب ‏كريم وطيب، ونحن آخر من يشمت بمصائب الآخرين. ولكن كيف يكون شعورنا إزاء ‏‏١١ سبتمبر؟ وفى نفس وقت وقوع هذه الأحداث ارتكب الإسرائيليون أعمالًا فظيعة ‏ضد الفلسطينيين.. لا يمكن الفصل بين الاثنين».‏
هكذا يرسم جلال أمين المفكر القومى العروبى سياسة المواجهة مع «الآخر» الأمريكى، ‏ويذكر أمين كيف امتعض السفير الأمريكى من التشكيك فى أحداث ١١ سبتمبر، ‏وكيف أرسلت السفارة الأمريكية ردًا على ذلك ليُنشَر فى الصحف المصرية آنذاك، ‏وكيف ردت المعارضة المصرية على ذلك بأنه تدخل فى الشأن المصرى واعتداء على ‏حرية الرأى، وطالبت أمريكا باحترام دماء الفلسطينيين وتفهم لماذا ينظر العرب بجفاء ‏تجاه أمريكا.‏
هنا يقدم لنا جلال أمين المفكر القومى «العروبى البعثى» وجهة نظر فى كيفية التعامل ‏مع أمريكا من منطق التعامل بمبدأ القوة والنّد، لذلك يذكر أمين أن السفير الأمريكى ‏قال إنه سيطلب من حكومته «أن تسعى إلى حل المشكلة الفلسطينية ثم تنسحب بعد ‏ذلك إلى حدودها، ولا يكون لها شأن بالمرة بعد ذلك بمنطقة الشرق الأوسط»!.‏