رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بغداد من جديد!


تفجيران انتحاريان مزدوجان ضربا وسط العاصمة العراقية بغداد، صباح أمس الخميس. وشهد محيط المنطقة الخضراء، التى تضم البعثات الدبلوماسية الأجنبية، انتشارًا أمنيًا مكثفًا، مع إغلاق بواباتها الرئيسية، عقب التفجيرين الأكثر دموية منذ تفجير يناير ٢٠١٨، الذى استهدف المنطقة نفسها، وراح ضحيته أكثر من ٣٠ شخصًا، وهو العدد نفسه تقريبًا، الذى راح ضحية تفجيرى أمس: لقى ٣١ على الأقل مصرعهم، وأصيب أكثر من ٧٠ آخرين.
فى سوق شعبية بساحة الطيران، التى غالبًا ما تشهد ازدحامًا شديدًا، ادّعى الانتحارى الأول أنه مريض ويشعر بالغثيان، وحين تجمع حوله المواطنون، قام بتفجير نفسه. ومع تجمع مواطنين آخرين حول الضحايا ووصول قوات الأمن، انفجر الانتحارى الثانى. وبينما لم تعلن أى جهة، إلى الآن، عن مسئوليتها عن التفجيرين، أشارت أصابع الاتهام إلى تنظيم «داعش» الإرهابى، مع بعض التلميحات أو الإشارات إلى دول إقليمية، داعمة للإرهاب.
أعلن العراق هزيمة «داعش»، أواخر ٢٠١٧ بعد معارك شرسة استمرت نحو ثلاث سنوات، غير أن هجمات الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة لم تتوقف إلا منذ عام ونصف العام تقريبًا، إذ شهدت العاصمة العراقية آخر هجوم من هذا النوع فى يونيو ٢٠١٩. وأضف إلى ذلك أن التحالف الدولى ضد «داعش»، قام بخفض قواته فى العراق، خلال العام الماضى، واعتبارًا من منتصف مارس ٢٠٢٠، تسلمت القوات العراقية ثمانى قواعد عسكرية، كانت تحت سيطرة التحالف، بعد خناقة صاروخية، بين القوات الأمريكية والميليشيات الموالية لإيران، سبقتها اضطرابات سياسية واحتجاجات مناهضة للحكومة العراقية، راح ضحيتها حوالى ٦٠٠، دفعت عادل عبدالمهدى، رئيس الوزراء العراقى السابق، إلى الاستقالة.
فى إشارة إلى الانتخابات البرلمانية التى كان من المقرر إجراؤها فى يونيو، وتم تأجيلها منذ أيام إلى أكتوبر المقبل، كتب الرئيس العراقى برهم صالح، فى حسابه على «تويتر»، أن وقوع الانفجارين فى هذا التوقيت يؤكد سعى «الجماعات الظلامية لاستهداف الاستحقاقات الوطنية الكبيرة، وتطلعات شعبنا إلى مستقبل يسوده السلام». وأضاف صالح فى تغريدته: «نقف بحزم ضد هذه المحاولات المارقة لزعزعة استقرار بلدنا».
الرئيس العراقى، قام أمس الأول الأربعاء بتهنئة نظيره الأمريكى جو بايدن، بمناسبة أدائه اليمين الدستورية، بعد تهنئة سابقة فى ٧ نوفمبر الماضى فور إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فى المرة الأولى، وصف بايدن بـ«الصديق والشريك الموثوق فى قضية بناء عراق أفضل». وفى بيان التهنئة الثانية أعرب صالح عن تطلعه إلى «البناء على العلاقات العميقة» التى تربط البلدين، وتوسيع نطاق التعاون الاستراتيجى الذى تتمتعان به بالفعل، حسب قوله. كما أعرب عن أمله فى أن يواجه البلدان معًا العديد من التحديات، خاصة تلك التى يمثلها الإرهاب والتطرف، وأن تصبح العلاقات بينهما أقوى فى الأشهر والسنوات المقبلة، ويتمكنا من رسم طريق مشترك نحو عراق وشرق أوسط أكثر ازدهارًا.
خلال زيارته إلى واشنطن فى أغسطس الماضى، تمكن مصطفى الكاظمى، رئيس الوزراء العراقى، جزئيًا، من حل معضلة الوجود العسكرى الأمريكى فى بلاده، بالاتفاق على إعادة انتشار قوات التحالف ونقل العلاقات العراقية الأمريكية من الجانب العسكرى إلى الاقتصادى، مع فصل العراق عن الصراع الأمريكى الإيرانى. ومنتصف الشهر الجارى، أعلن كريستوفر ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكى، عن أن عدد القوات الأمريكية فى العراق وأفغانستان أصبح حاليًا ٢٥٠٠ جندى بناءً على رغبة الرئيس دونالد ترمب المنتهية ولايته. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ميلر أن «الولايات المتحدة اقتربت اليوم أكثر من أى وقت مضى من إنهاء حوالى عشرين عامًا من الحرب».
من بين ردود الأفعال العربية والدولية المنددة بتفجيرى الخميس الإرهابيين، استوقفنا رد الفعل الإيرانى والتركى والقطرى. إذ أدانت الخارجية التركية التفجيرين «بأشد العبارات»، مؤكدة على «وقوفها إلى جانب العراق». كما أكدت السفارة الإيرانية فى العراق، فى بيان «على مساندة إيران دومًا للحكومة والشعب العراقيين والاستعداد لتقديم كل المساعدات المحتملة»، وتطلعت السفارة الإيرانية «بأن تتمكن الجهات الأمنية العراقية من القبض على الضالعين الرئيسيين فى هذه الجرائم ومعاقبتهم بأسرع وقت ممكن». كما أعربت الخارجية القطرية، هى الأخرى، فى بيان، عن إدانتها واستنكارها الشديدين للتفجيرين. وجدد البيان ما زعم أنه «موقف دولة قطر الثابت من رفض العنف والإرهاب، مهما كانت الدوافع والأسباب»!
الأشباح، إذن، بحسب بيانات، أو ردود أفعال الدول الثلاث، هم الذين أكلوا الجبنة. ولعلك تعرف، كما يعرف القاصى والدانى والواقف بينهما أن طهران، أنقرة، والدوحة، تدعم جماعات إرهابية، أمريكية التوجيه والمنشأ، فى العراق وغيرها، ويمكنك بسهولة استنتاج أن توزيع الأدوار، بهذا الشكل ‏المربك، يهدف إلى إفساد أى محاولة لتجاوز الأزمات، التى تعيشها دول المنطقة، منذ عشرين سنة تقريبًا، وتزايدت حدتها ووتيرتها منذ عشر سنوات.