رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منهج الإرهابية فى تشويه عبدالناصر


فى هذه الأيام تمر علينا ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر، وتمر علينا أيضًا ذكرى وفاة حامد أبوالنصر، مرشد الإخوان الرابع، وتمر أيضًا ذكرى أحداث يناير ٢٠١١ التى ركبها الإخوان ثم ترتب عليها فيما بعد ظهورهم ثم انكسار ظهورهم، عملًا بالقول المأثور: «الظهور يقسم الظهور» ولذلك فإن يناير يحمل للإخوان أكثر من وجيعة، وسبحان الله، إذا بحثت عن بعض القواسم المشتركة بين الإخوان واليهود ستجدها كثيرة، أكثرها ظهورًا هى كراهيتهم للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وقدرتهم على تشويه خصومهما.

وكما أن هناك فارقًا بين اليهود واليهودية فإن هناك فارقًا بين الإسلام والمسلمين، ولكن الأكثر وضوحًا، حتى إنه يكاد يخرق عين الشمس، هو أن هناك فارقًا شاسعًا بين الإسلام والإخوان، وإذا بحثنا عن صفات الإخوان سنجدهم الأقرب شبهًا لليهود، فهم يقولون ما لا يفعلون، وهم يحرّفون الكلم عن مواضعه، وهم يستخدمون الدين لتحقيق مصالحهم، وهم يظنون أنهم شعب الله المختار وأن الله قد غفر لهم لأنه يحبهم، كل ذلك ستجده عند اليهود وهو وأكثر منه عند الإخوان، إلا أن الصفة الرئيسية التى تجمع بينهم هى أنهم قوم بُهت، ومعناها أنهم يكذبون ويقذفون الناس بالباطل وينزعون عن خصومهم كل فضيلة، هكذا قال عبدالله بن سلام عن اليهود، وهكذا عرف الناس عن الإخوان.

أما قصة عبدالله بن سلام مع اليهود فهى قصة اليهود مع كل من خالفهم أو خاصمهم، وهى أيضًا قصة الإخوان مع كل من خالفهم أو خاصمهم، فقد كان عبدالله بن سلام من أحبار اليهود ومن كبار رجالهم، ثم عندما جاء للرسول، صلى الله عليه وسلم، مسلمًا يشهد له بالنبوة ويشهد لله بالوحدانية ثم قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامى بهتونى، فأرسل إليهم، فسلهم عنى، فأرسل إليهم فلما جاءه كبار اليهود قال لهم الرسول: أى رجل بن سلام فيكم؟ قالوا: حبرنا وبن حبرنا، عالمنا وبن عالمنا، كبيرنا وبن كبيرنا، فخرج عبدالله بن سلام إليهم وهم فى حضرة الرسول فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا بهم فى نفس اللحظة يقولون: شرُنا وبن شرِّنا، سفيهنا وبن سفيهنا، جاهلنا وبن جاهلنا.

وهذا هو ما فعله الإخوان بجمال عبدالناصر، ففى بداية ثورة يوليو عام ١٩٥٢ قالوا عن عبدالناصر ما يعجز شعراء المدح عن نظمه، ففى غضون عام ١٩٥٣ قال سيد قطب عن عبدالناصر والضباط الأحرار: «إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى»! وقال فى مقال آخر له: إن عبدالناصر ورفاقه هم الأطهار الذين طهروا الوادى وإنهم مُثل نادرة فى تاريخ البشرية، ثم يتطور سيد قطب فى خطابه ويطالب عبدالناصر بأن يكون ديكتاتورًا ليقضى على أعداء الثورة! ويكتب حامد أبوالنصر فى سبتمبر من عام ١٩٥٢ مقالًا فى مجلة «الدعوة» يصف فيه عبدالناصر بـ«قديس الثورة»! كان هذا التذلف هو محاولة من الإخوان للسيطرة على ثورة يوليو ومن ثم ركوب الحكم والسُلطة، وعندما فشلوا فى سعيهم إذا بعبدالناصر يصبح هو الشيطان الأعظم، فلا هو طاهر ولا هو قديس! وخذ عندك الشائعات التى أطلقوها على عبدالناصر، التى لا يزال يستخدمونها ويحشون بها عقول صغارهم، فقد أشاعوا مثلًا أن والدته كانت يهودية وأنه كان منحازًا لليهود! وأن سيدة يهودية من جيران أسرته فى الجمالية هى التى قامت بتربيته بعد وفاة والدته وهى التى زرعت فيه حب اليهود وكراهية الإسلام! ولتكتمل منظومة الشائعات أشاعوا أن عبدالناصر تقابل مع قيادى عسكرى صهيونى كبير فى حصار الفالوجا عام ١٩٤٨ وأنهما اتفقا فى هذا الوقت على أن يقوم عبدالناصر بحكم مصر من أجل التمكين لإسرائيل ولدولتها التى تريدها! مع أن عبدالناصر فى الفالوجا كان فى حرب مع إسرائيل، وبدا من سذاجة الشائعة وكأن عبدالناصر والقائد العسكرى الصهيونى كانا يجلسان فى فندق على النيل لا فى أرض معركة، أو كأن إسرائيل فجأة فكرت فى استقطاب شخص ما ليحقق لها أهدافها وفجأة وجدت ضالتها فى شاب مصرى من ضباط الجيش المصرى، فقام جيشها بحصار موقعه الحربى فى الفالوجا، ثم جلسوا معه ليتفقوا على سيناريو ثورة يوليو.

وأضف بعد ذلك شائعات أن عبدالناصر عدو الإسلام، الذى فكر فى الحج وأثناء الطواف حول الكعبة توقف وقال لمرافقيه: لماذا أطوف حول حجر؟، هيا بنا ننصرف!! وعبدالناصر الذى كان يخطط للقضاء على الإسلام، وعبدالناصر الذى كان يأمر الإخوان فى السجون بالسجود لصورته!! وعلى ناحية أخرى شائعة عبدالناصر الإخوانى الذى انخرط فى الإخوان وكان صديقًا لحسن البنا ثم انقلب عليهم، ثم عبدالناصر صديق الأمريكان، وثورة يوليو الأمريكية، وعلى الطرف الآخر عبدالناصر الشيوعى الملحد صديق خروشوف وعميل المخابرات الروسية! وعبدالناصر المجوسى الذى ذهب إلى الهند فطلب من أنديرا غاندى أن تسمح له بزيارة معبد للمجوس الذين يعبدون النار، وعندما دخل إلى المعبد برفقة عبدالحكيم عامر قاما بالسجود للنار وتقديم القرابين لها، أما ما هى تلك القرابين؟ الله أعلم، وفى ذات الوقت أشاع الإخوان داخل تنظيمهم المغلق أن عبدالناصر كان هو أحد الكبار فى المحفل الماسونى العالمى، وأنه كان قائدًا للماسونية فى منطقتنا العربية، لذلك كان يتقارب مع خروشوف ونهرو وتيتو! وكأن هؤلاء هم رموز الماسونية العالمية! المهم أى شائعة حتى ولو كانت متناقضة مع الشائعة الأخرى، ليس المهم الشائعة فى حد ذاتها ولكن الأهم هو تشويه عبدالناصر.

وبعد تشويه شخص عبدالناصر ننتقل إلى تشويه الإخوان لإنجازاته، والحق أنهم كانوا عدميين بهذا الخصوص، فلم يذكروا حسنة واحدة لعبدالناصر، حتى إن حامد أبوالنصر الذى قال عن عبدالناصر من قبل إنه وصل إلى مرتبة القديسين إذا به يرتدى طاقية اليهود وينزع من عبدالناصر أى فضيلة، فيكتب فى كتابه «قال الناس ولم أقل فى حكم عبدالناصر» عن واحد وسبعين أمرًا يرى أنها كانت رذائل حكم عبدالناصر، وفى هذه الرذائل المتصورة يجعل من عبدالناصر إبليسًا الذى ارتدى ثياب البشر وأصبح حاكمًا على مصر، فقال عن حكم عبدالناصر أشياء لو قالها أحدهم عن إبليس لاتهمناه بالكذب، وكأن الله وضع فى عبدالناصر كل نقائص خلق الله ومعايبهم.

ولكن ما هى مشاعر الإخوان تجاه عبدالناصر؟ كل الإخوان تتم صياغتهم فكريًا ومشاعريًا عندما يلتحقون بالجماعة بكراهية عبدالناصر واعتبار أن هذه الكراهية عبادة لله رب العالمين، ولأننى كونت نفسى فكريًا ومشاعريًا قبل أن أدخل الجماعة لذلك نجانى الله من تلك الغيبوبة، نعم كانت مشاعر التعاطف تجتاحنى وأنا أسمع منهم قصص التعذيب فى السجون، إلا أننى بعد أن جلست مع زينب الغزالى ذات يوم، ثم مع أحد شيوخهم ويُدعى «الحاج أحمد أبوشادى» ومع صلاح شادى وسمعت منهم أخبار التعذيب وكيفيته وكيف أن عبدالناصر كان يذهب للسجن الحربى ليراهم وهم معلقون أدركت سخافة تلك المبالغات التى صاغوها ليستقطبوا شبابًا قابلًا لتصديق أى شىء، ومن مبالغات زينب الغزالى عرفت أنهم يكذبون ويختلقون وقائع غير صحيحة، والحقيقة أننى لم أكن الوحيد الذى يستسخف تلك المبالغات والأكاذيب، ولكن عددًا كبيرًا من الإخوان كانوا يشتركون معى فى عدم التصديق ولكن أحدًا لم يكن يستطيع أن يُعبِّر عن رفضه لتلك القصص التى تشبه حواديت ألف ليلة وليلة.

وقد مارس الإخوان فن صناعة الشائعات، ولكنهم لم يتقنوا هذا الفن، وأى إنسان لديه قدر من الفهم يستطيع اكتشاف الأكاذيب والشائعات الإخوانية، ولكن الإخوان أنفسهم صاغوا عقولهم بحيث تكون مستعدة لتصديق أى شىء طالما أن الذى يروى هذا الشىء هو قائد من قواد التنظيم، وقصص سيد قطب بالذات يصح أن نستعرضها لنعرف كيف تتحول قصة مختلقة لا أساس لها إلى حقيقة ثابتة فى عقول الناس لا شك فيها، ومع ذلك سيقسم لك الإخوان بأن هذا لهو القصص الحق، ومن هذا القصص ما رواه الإخوان عن علاقة سيد قطب بتنظيم ١٩٦٥ الذى أنشأه قطب لاغتيال عبدالناصر وقلب نظام الحكم، وصولًا إلى إعدام سيد قطب.

وقد روى الإخوان عن قضية سيد قطب الأساطير التى لا أصل لها، بل التى تخالف الحقيقة التاريخية، وكان هدفهم منها تحويل سيد قطب لشهيد يرتقى إلى نورانية ملائكية، وتحويل عبدالناصر إلى قاتل إبليسى النزعة، فيقولون مثلًا: إن هذه القضية ملفقة وإنه لم يحدث قط أن أنشأ قطب تنظيمًا بهذا المعنى! ثم يقولون إن رئيس المحكمة التى كانت تحاكم قطب قال له: أريد أن أعرف الحقيقة، فكشف قطب عن ظهره وأراه آثار التعذيب وقال له: هذه هى الحقيقة، ويسترسل واضعو الأساطير بأن مدير السجن قبل إعدام قطب قال له: اكتب اعتذارًا لعبدالناصر حتى يعفو عنك، فقال قطب: إن السبابة التى توحد الله فى الصلاة لا يمكن أن تكتب اعتذارًا لعبدالناصر.

كل هذه القصص لا أصل لها، ولكنهم قوم بهت، يقولون ما لا يفعلون، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.