رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فخ اقتحام الكابيتول



ما كان محتملًا أو مجرد استنتاج، صار مرجحًا، أو فى حكم المؤكد. خاصة بعد أن أشار ستيفن سوند، قائد شرطة الكابيتول، المستقيل، إلى أن مسئولى الأمن فى مجلسى الشيوخ والنواب «تواطأوا بدرجة ما مع مثيرى الشغب»، وقاموا بعرقلة ٦ مقترحات أو محاولات لاستدعاء الحرس الوطنى، حتى بعد ورود تحذيرات من احتمال اندلاع أعمال عنف.
قائد شرطة المبنى، الذى يضم مجلسى الشيوخ والنواب، أكد فى تصريحات نشرتها جريدة «واشنطن بوست»، أن كل مقترحاته أو محاولاته لطلب المساعدة الأمنية قوبلت بالتأجيل أو الرفض. وقال إنه أعرب، قبل يوم من اقتحام المبنى، عن قلقه المتزايد بشأن الحشود، المتوقع تدفقها، وكرر مطالبته بوضع الحرس الوطنى على أهبة الاستعداد، لكنه فوجئ بمايكل ستينجر، مسئول أمن مجلس الشيوخ، يطلب منه التواصل بصورة غير رسمية مع الحرس الوطنى، إضافة إلى أن بول إيرفينج، مسئول الأمن فى مجلس النواب، رفض مقترح إعلان الطوارئ!.
تتكون قوة شرطة «الكابيتول» من ألفى فرد، مهمتهم حماية حرم الكونجرس، الذى يقع على مساحة ١٢٦ فدانًا. ومن المفترض أن هؤلاء مدربون على إبعاد المحتجين، باحترافية، ومنعهم من الوصول إلى درجات السلم الخارجى. وبعد أعمال الشغب، التى وقعت الأربعاء الماضى، أعلن «سوند» أنه سيستقيل من منصبه اعتبارًا من السبت المقبل، ١٦ يناير الجارى. وأوضح: «لو كانت هناك قوات من الحرس الوطنى لنجحنا فى صدهم حتى يأتى المزيد من الدعم».
قيل إن عددًا من النواب كانوا قد حاولوا لأكثر من أسبوع الضغط على الأجهزة الحكومية للحصول على معلومات بشأن إجراءات التصدى للتهديدات المتوقعة، وباءت تلك المحاولات بالفشل. كما نقلت شبكة «سى إن إن» عن خبراء أن الأسابيع التى سبقت جلسة المصادقة على نتائج الانتخابات شهدت انتشارًا واسعًا لمنشورات تدعو إلى «اقتحام المبانى الحكومية وقتل رجال الشرطة والعملاء الفيدراليين». وكنا قد أشرنا، فى مقال سابق، إلى أن كل وسائل الإعلام تقريبًا حذرت من أن الاحتجاجات التى يجرى التخطيط لها قد تتطور إلى أعمال عنف. وأوضحنا أن أحداثًا أقل أهمية تسبقها تخطيطات أمنية تفصيلية من جانب أجهزة عديدة. كما نقلت وكالة «رويترز» عن مسئول كبير، بجهاز اتحادى مُطَّلع على التخطيط لحماية المواقع الاتحادية، أنه أصيب بالذهول لأن شرطة «الكابيتول» لم تستعد بشكل أفضل.
أسباب عدم طلب الدعم المسبق لتأمين المبنى لم تعد غامضة إذن. أما ما لا يزال غامضًا فهو سبب تأخر وصول هذا الدعم بعد الاقتحام، وتأخير تعبئة تعزيزات الحرس الوطنى، التى تم استدعاؤها، وكذا اتهام وسائل الإعلام لجماعة «براود بويز» بأنها قادت عملية الاقتحام، مع أن قائد الجماعة، إنريكى تايلور، تم اعتقاله قبلها يومين. وما قد يثير الدهشة هو أن شبكة «فوكس نيوز» نقلت عن مصادر مطلعة أن ممثلين عن مكتب التحقيقات الفيدرالى، «إف بى آى»، زاروا عددًا من أنصار ترامب، لإثنائهم عن المشاركة فى التجمع الحاشد. والمعلومة نفسها أكدتها شبكة «إن بى سى»، وأضافت إليها أن المكتب حذّر شرطة الكابيتول من احتمال اندلاع أعمال عنف.
ما قد يثير الدهشة أيضًا، أو الريبة، هو تفاخر المقتحمين بما فعلوه وحرصهم على توثيقه بالصور ومقاطع الفيديو. والأغرب، هو أن جيكوب تشانزلى، الذى ظهر خلال الاقتحام وهو يرتدى قبعة يخرج منها قرنان، تواصل بنفسه مع مكتب التحقيقات الفيدرالى، وطبقًا لما ذكره موقع «إيه بى سى نيوز»، فقد أقر بأنه ذهب إلى الكونجرس «كجزء من مجهود جماعى لمجموعة من الوطنيين الذين حضروا من أريزونا، بناء على طلب الرئيس، الذى دعا كل الوطنيين للحضور إلى واشنطن العاصمة». ما قد يوحى بأنه كان يرمى الكرة فى ملعب نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب، حتى تتخذها ذريعة لمحاولة عزل ترامب، مرة ثانية، بتهمة التحريض على العنف!.
المتهمون بتزوير الانتخابات، متهمون، أيضًا، بنصب فخ اقتحام الكابيتول، تحريضًا، تساهلًا، أو تواطؤًا، حتى يجهضوا آخر محاولات الاعتراض على هذا التزوير، وهذا ما تحقق بالفعل، إذ لم ينجح الاقتحام فى تعطيل المصادقة على فوز جو بايدن، بل على العكس، أدى إلى تراجع عدد من النواب، الذين كانوا يعتزمون الاعتراض. وبالتدريج، اختفى الحديث عن التزوير، وقفز إلى الواجهة كلام عبثى عن عزل الرئيس، الذى من المفترض أن يغادر موقعه خلال أيام!.
.. وأخيرًا، يقولون إن اقتحام مبنى الكابيتول هو أسوأ حدث يشهده المبنى خلال قرنين، أى منذ سنة ١٨٢١، وفاتهم أن المبنى نفسه شهد خلال الشهر ذاته، سنة ١٨٣٥، محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس الأمريكى السابع أندرو جاكسون. ونتمنى ألا يحدث الأسوأ خلال الشهر الجارى، تحديدًا يوم ٢٠، الذى سيؤدى فيه الرئيس السادس والأربعون اليمين الدستورية على سلم ذلك المبنى.