رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وباء جديد يضرب إثيوبيا!



فى أقل من ٣٠ كلمة، ردت الخارجية المصرية على هذيان المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، مكتفية بالإعلان عن استدعائها القائم بالأعمال الإثيوبى بالقاهرة، لتقديم توضيحات حول ذلك الهذيان، أو تلك التصريحات التى تطرقت، بجهل وانحطاط، إلى الشأن الداخلى المصرى. وكنا نتمنى أن تكتفى خارجيتنا بهذا القدر، غير أن السفير أحمد حافظ، المتحدث باسمها، أعطى تصريحات، أو تقيؤات، ذلك المختل أكبر من حجمها وحجمه.
تصريحات المدعو دينا مفتى، غير مقبولة طبعًا، جملة وتفصيلًا، كما قال حافظ، وتعدُ تجاوزًا سافرًا، وخروجًا فجًا عن الالتزامات الواردة فى القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى، وعن القيم الإفريقية العريقة. لكن غاب عن متحدثنا أن «مفتى» مُصاب، غالبًا، بـ«حبسة ورنيك»، Aphasia Wernicke، التى تفصل أحد مركزى اللغة فى الدماغ عن اللسان، وتجعل المريض يتحدث بشكل يبدو طبيعيًا ومتماسكًا، لكن بكلام غير متزن، يخاصم بعضه بعضًا.
غياب ذلك الاحتمال، الذى نراه الأرجح، دفع المتحدث باسم خارجيتنا إلى التعامل مع هذيان المذكور بجدية، ورأى أنها تأتى استمرارًا لنهج توظيف النبرة العدائية لتغطية الإخفاقات الإثيوبية المتتالية، داخليًا وخارجيًا. وأوضح أنه كان من الأجدر على المتحدث الإثيوبى الالتفات إلى أوضاع بلاده المتردية، وما تشهده من نزاعات ومآسٍ إنسانية كثيرة، أفضت إلى مقتل المئات وتشريد عشرات الآلاف من الأبرياء، وآخرها ما يدور فى إقليمى تيجراى وبنى شنقول، وما يشهده إقليم أوروميا من توتر وعدم استقرار، إضافة إلى الممارسات الإثيوبية العدائية المتواصلة إزاء محيطها الإقليمى، وما يشهده الشريط الحدودى مع السودان من أعمال عسكرية وتوتر متصاعد.
هكذا، دفع انحطاط المتحدث الإثيوبى، أو هذيانه، متحدثنا الرسمى إلى التعليق على كوارث بلاده، بعد أن كانت مصر تؤثر، دومًا، الامتناع عن التطرق بأى شكل إلى الصراعات الداخلية الإثيوبية، الآخذة فى التطور، والتى تتزايد احتمالات تمدّدها إلى منطقة القرن الإفريقى المضطربة أساسًا. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن تقريرًا، صدر فى مايو الماضى، عن معهد دراسات السلام والأمن بجامعة أديس أبابا، أرجع ما تشهده إثيوبيا من صراعات داخلية إلى عدم المساواة الاقتصادية بين الأقاليم، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وأشار إلى أن النزاع حول الهيكل الاتحادى بين الجماعات العرقية يزعزع الاستقرار ويفتح الباب أمام توترات داخلية مختلفة.
الإشارة قد تكون مهمة، أيضًا، إلى أن مفتى، المولود سنة ١٩٦٣، ألحقه من يستعملونه بالسلك الدبلوماسى، قبل أن يحصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة أديس أبابا، لانتمائه إلى عرقية الأورومو، التى ينتمى إليها أيضًا رئيس وزرائه. ولعلك تعرف أن السلطات الإثيوبية، ألقت القبض على نحو ٩ آلاف، ينتمون للعرقية نفسها خلال الاحتجاجات، التى أعقبت اغتيال المطرب هاشالو هونديسا، فى ٢٩ يونيو الماضى، وأسفرت عن مقتل أكثر من ٢٠٠، فى منطقة أوروميا، مسقط رأس المطرب الراحل، التى تعد أكثر مقاطعات إثيوبيا اكتظاظًا بالسكان.
المذكور قد يكون مصابًا، كما رجحّنا، بـ«حبسة ورنيك»، أو لديه، على الأقل، مشكلة فى الإدراك الدماغى، الذى ينظم العلاقة بين العقل واللسان، أو بين التفكير والكلام. وأبسط دليل على ذلك أنه اتهم الجيش السودانى بأنه يشن هجومًا على الأراضى الإثيوبية باستخدام أسلحة ثقيلة ومدرعات، منذ ٩ نوفمبر الماضى. وزعم فى تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإثيوبية، أن القوات السودانية نهبت محاصيل المزارعين الإثيوبيين، وقامت بتخريب مخيماتهم، وقتلت وجرحت عددًا من المدنيين. ومع ذلك، اتهم ذلك المختل، فى التصريحات نفسها، كما سبق أن اتهم رئيس وزرائه، «قوى خارجية لها مصلحة فى العداء بين إثيوبيا والسودان»، بتغذية الخلافات بين البلدين!.
الثابت، هو أن الجيش السودانى لم يبادر بالهجوم، بل حاول، ولا يزال، الرد على الاعتداءات الإثيوبية المتكررة، منذ شهور، والتى أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين والعسكريين. بينما ردّد المذكور، فى تلك التصريحات، مزاعم شبيهه بتلك، التى ردّدها أيضًا رئيس وزرائه، عن ضرورة إيجاد حل ودى، قبل أن يهدّد بأن العمليات العسكرية والتصعيد لن يؤديا إلّا إلى تفاقم الأوضاع وتعطيل الأنشطة السكانية فى المنطقة الحدودية!.
.. وأخيرًا، نعرف، كما يعرف كثيرون، أن القرار فى إثيوبيًا ليس إثيوبيًا، وأن رئيس وزرائها وأعضاء حكومته، بمن فيهم وزير الخارجية ومتحدثه الرسمى، مسيَّرون لا مخيَّرون، ولا يمكنهم دخول الحمام، أو الخروج منه، دون استئذان مَن يستعملهم. وعليه، لا نعتقد أننا نبالغ، لو استنتجنا أن وباءً جديدًا يضرب إثيوبيا، أدى إلى إصابة هؤلاء جميعًا بـ«حبسة ورنيك»، وجعلهم يتفوهون، أو يتقيأون، بين الحين والآخر، بما يكشف عن كونهم مختلين عقليًا، بلهاء أو عملاء، ويجعل الإطاحة بهم شرطًا أساسيًا لاستقرار الأوضاع فى إثيوبيا، وفى منطقة القرن الإفريقى، التى ما عادت تحتمل مزيدًا من القرف أو الاضطرابات.