رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الورقة المحروقة


كالدم فى العروق، يسرى هوى الإخوان فى نفوس أتباعها.. ومهما قال البعض منهم عن انسلاخهم عنها والبراءة من ذلك الهوى، فإنه يظل عرضاً يراد به غرض، سرعان ما تكشفه الأيام.. أستثنى من ذلك نفراً من العقلاء الذين خبروا الجماعة واكتشفوا خبايا علاقاتها وتنظيماتها، وتكَشّف لهم أن الدين يأتى فى المرتبة الدنيا من سعيها، وأن الدنيا والسياسة هما أكبر همها ومبلغ علمها، حتى ولو توسلت لهما بكل الطرق، المشروعة منها وغير المشروعة.. ومن هؤلاء عدد لا بأس به، كانوا من الشجاعة وشرف الإنسانية أنهم لم يخرجوا عن الجماعة وكفى، بل تبرأوا من أفكارها وكشفوا مستورها، لعل غيرهم يفيق، ومن بين هؤلاء الأستاذان ثروت الخرباوى وكمال الهلباوى، وغيرهما.

لكن شخصاً مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، لم ينطلِ خروجه من الجماعة على أحد، حتى ولو بذريعة ترشحه لانتخاب الرئاسية الماضية، مستقلاً عن الجماعة التى تربى فى حجرها، وانتمى إليها منذ كان صبياً، لأن الخروج كان فى إطار لعبة رسمت الجماعة دوره فيها، وهو رجلها المتنكر، المنتمى لها دائماً حتى أخمص قدميه.. كيف لا، وهو الذى أعلن معاداة حزبه «مصر القوية» لثورة 30 يونيو، ولم يؤيد خارطة الطريق، فكيف له أن يؤيد الدستور الجديد ويخرج عن الدور الذى رسمته الجماعة لأعضائها، وهو منهم.

رجل الإخوان، عقد مؤتمراً صحفياً أمس الأول «الاثنين»، أعلن فيه رفض حزبه للدستور، ودعا إلى التصويت عليه بــ «لا» فى الاستفتاء المقرر إجراؤه 14 يناير القادم، بل وحرض الشعب المصرى على رفضه، تحت دعوى أن جماعة واحدة هى التى وضعته وأقصت باقى التيارات وأنتجت دستوراً لا يختلف عن دستور 2012.. ثم راح يصف ما حدث فى 3 يوليو بأنه خروج على المسار الديمقراطى، بالرغم من أنه كان إرادة شعبية خالصة، انطلقت بعفوية، دون تحريض أو تنظيم من أحد.. لكنه هوى «الورقة المحروقة» التى تحاول معاودة الالتصاق بالشجرة المصرية، دون أن يدرك أن انحيازه الإخوانى بات مكشوفاً، وإن ادعى غير ذلك، فإن مواقفه دائماً ما تأتى ضد الإرادة الشعبية.

لم يبتعد أبو الفتوح عن الإخوان، هذه حقيقة، والخلاف مع جماعته قد يكون خلافاً على التنظيم، لكنه أبداً ليس خلافاً فى الفكر والانتماء، كما أنه يبدو فى بعض الأحيان، تقسيم للأدوار، وهذا ليس بجديد على العقيدة السياسية للجماعة من الداخل، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، ومن يتوهم أن أبو الفتوح بعيد عن الجماعة، فهو مخطئ.. لكن المؤكد ــ فى كل الأحوال ــ أن الرجل أجرم فى حق نفسه، وفى حق الوطن، لأنه يقف ضد إرادة المصريين، فى وقت لن يكون فيه مهماً إلا هذه الإرادة وموقفها من الدستور التى ترى فيه حقوقاً سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.. ولأن هذا الشعب لم يعد على توافق مع الجماعة ــ وتلك مشكلتهم ــ فقد بات من العسير أن يكون للإخوان دور فى الاستفتاء أو الانتخابات، لأن الشعب يريد استكمال خارطة طريقه والوصول إلى ما يحلم به من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وإذا كان أبو الفتوح يقول بأن الدستور الجديد لا يختلف عن دستور 2012، فتلك أمانيهم، وأذكره بقوائم الاغتيالات التى جهزتها الجماعة ورئيسها، للمعارضين لهم من كل لون وتيار، خلال العام الأسود المنصرم.. كما أحيله إلى مجلس نقابة الصحفيين ــ وكلنا نعرف موقفه من الحريات ــ الذى أعرب عن تقديره للجنة الخمسين التى أعدت الدستور، واستجابتها شبه الكاملة للمطالب التى تقدمت بها النقابة إلى اللجنة وانحيازها إلى إطلاق حرية النشر والتعبير وسائر الحريات العامة، خصوصاً فى مجال الصحافة والإعلام، واستقلالهما عن أى سلطة فى الدولة، وكذلك تقييد الحبس فى قضايا الرأى والتعبير لجميع المواطنين، وليس للصحفيين وحدهم.

على أن ما ينبغى الحذر منه، هو سعى الجمعيات الأهلية التابعة لجماعة الإخوان، للحصول على تصاريح من اللجنة العليا للانتخابات للمشاركة فى مراقبة عملية الاستفتاء على الدستور، وقد حصل أكثر من خمسة آلاف منهم، حتى الآن، على تصاريح، ومازالوا.. هؤلاء قد يسعون إلى استغلال أى ثغرة للترويج بشكل سلبى داخل اللجان لرفض الدستور، وإقناع البسطاء من الناس بضرورة رفضهم له.. ناهيكم عن أى أعمال عنف محتملة داخل اللجان، فى إطار ما تسعى إليه الجماعة من خطة لتعطيل الاستفتاء.. اللهم احفظ مصر.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.