رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

لويس جريس وسناء جميل
لويس جريس وسناء جميل

لم يعانِ لويس جريس في حياته مثلما عانى في 18 ديسمبر 2002، وهو يوم رحيل زوجته ورفيقة دربه وسنوات صعوده سناء جميل، يومها هوى القدر على ظهر لويس بضربة قاسية، فانحنى ومع أنه يعلم تمامًا أنها ماتت للجميع، لكنها لم تمت في داخله، ظلت كما هى متوهجة بنفس حركاتها القديمة التي ألفها، وكلما اشتد به الوجع يمسك قلمه ويكتب لها الرسائل، الرسالة تلو الأخرى وهو على يقين أنها تسمع وترى الكثير من الرسائل كتبها لويس جريس وحصلت «الدستور» على هذه الرسائل التي تنبض بالمحبة لرفيقة الرحلة.

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

البداية
لم تكن سناء جميل أول من أحبها لويس جريس، لكنها كانت الأعظم والأجمل والأوفى، ولم تكن الثانية ايضًا، كانت الثالثة، أما أول مرة نبض فيها قلبه للحب عندما قابل زميلته نادية في الجامعة الأمريكية، كانت بنت مسلمة، لكن هذا لم يمنع لويس من محبتها، كانت لديه قناعة كاملة ان الأديان لم تخلق لتكون حواجز أو سدود بين البشر، وانتظر لويس لنادية بعد تخرجهما والتحق هو بالصحافة والتحقت هي بإحدى شركات البترول، وتقدم لأهلها لطلب يدها وأبلغهم بأنه سيغير دينه وسيكون مسلمًا، لكن نادية تغيرت بعد التحاقها بشركة البترول، وكانت تقبض مرتب يماثل خمس أضعاف ما يتقاضاه حين عمل بصباح الخير، وهنا راجع لويس نفسه وترك نادية ومحبته لها لأنه أدرك تمامًا أن مستواها أصبح أكبر منه، وضحى بمحبته مضطرًا ومرغمًا.
«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل


سفره إلى أمريكا
أما المرة الثانية التي خفق فيها قلبه فكانت حين سافر إلى أمريكا ورأى بنتًا أمريكية خفق لها قلبه المعطل عن الحب، فهام بها، ومن أجلها كاد أن يستقر في منفاه الاختياري مكتفيًا بها، ولكن خطاب من احمد بهاء الدين أرسله إليه قال فيه "ارجع يا لويس.. مكتبك في صباح الخير ينتظرك" جعلت الأخير يقفز مثل طفل ويلبي النداء ويضحي بمحبته للبنت من احل عمله وبيته الأول، مجلة صباح الخير، وبالفعل تسلم عمله وبدأ في كتابة صفحة جديدة لم يعرف ما الذي سوف يسطر فيها.

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

ألعاب قدرية
كان القدر يرتب لجريس مصيرًا عجيبًا، كان قد تلقى دعوة للاحتفال بتخريج زميلة سودانية متدربة لدى روز اليوسف، وعرف انها كانت تود ان تقوم بعمل الاحتفال في أحد الفنادق وأن صديقتها الفنانة سناء جميل أقنعتها بان يكون الحفل في بيتها القديم بالمنيل، وبالفعل تأنق لويس وذهب لبيت سناء جميل، وهناك قكان رسول الحب مهيئًا نفسه ليضرب قلبيهما، ظلا يحكيان كثيرًا وكانت تقول له يا يوسف فيقول لها أنا لست يوسف انما انا لويس، ويوسف جريس ليس شقيقي، وكان لويس يضحك حين تكرر عليه سناء جميل الاسم وتقول له يا يوسف.

في نهاية الحفل كانت سناء قد أعطت لويس رقم تليفونها وقالت له كلمني يا يوسف، واتصل بها لويس وهو المسيحي وهي المسيحية حددا لعضهما موعدًا على مقهى الفيشاوي، وتوطدت علاقتهما وقال لها "أنا معجب بيكي يا سناء"، وكأنها القشة التي قصمت ظهر البعير فغابت سناء وغاب كلامها وغابت لحظات حلوة عن لويس.

3 شهور كاملة ولويس ينتظر سناء، تسعين يومًا لم تهاتفه وابتعد هو أيضًا وراح يلوم نفسه لأن أحب مسلمة، وبعدها جاءه صوتها يقول له" انت متأكد من انك عاوز تتجوزني يا لويس"، فضحك لويس وقال وابصم بالعشرة، وهنا قالت له "انا مسافرة اتكرم روسيا بعد اربع أيام عن فيلم بداية ونهاية" وطلبت منه الوزاج في الحال فقال لها سأذهب للأزهر لكي أعلن إسلامي وهذا سيأخذ وقت طويل، وبالتالي لن تصح هذه المدة، فقالت لها انا مسيحية زيك يا لويس مش مسلمة، وفرح لويس، فقالت له معاك كام فقال لها سبعة صاغ، فقالت لها نشتري دبلتين، وهنا عرف لويس ان اسمها ثريا يوسف عطالله، وأن زكي طليمات هو من أطلق عليها سناء جميل بعد عرض مسرحي معه، وذهب لويس وسناء ليتمما مراسم الإكليل في إحدى الكنائس ولكن الكاهن قال لهما:"لا يصح ويمكن تأجيل الأمر" فلم يوافقا فدلهما على كاهن آخر يوافق طائفته، فراحا إليه فطلب منهما ان يحضرا جمهور يشهد زواجهما، فقام لويس وأحضر وردية الليل في مجلة صباح الخير، وشهد على الزواج فايق جريس شقيق لويس، وصموئيل حنين والذي أصبح فيما بعد الفنان آدم حنين، وعمال وردية ليل صباح الخير.

وبعدها قاما بعمل حفل صغير دعوا إليه بعض الأصدقاء مثل إحسان عبد القدوس وغيرهم، وخاطت فيه سناء جميل ثوب زفافها بيدها، وأصبحت سناء وأصبح لويس في بيت واحد، وكانت وصية إحسان عبد القدوس له حين قال:" يا لويس سناء ممثلة رائعة وقيامها بدور نفيسة في بداية ونهاية يثبت ذلك، فإن ازدهرت فهو منك أنت، وإن انطفأت فهو منك انت أيضًا"، وسمع لويس النصيحة وأدرك أنه مكلف من قبل الحياة برعاية موهبة سناء جميل.

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

صباح الخير
كانت سناء جميل تقوم بدور سمية في فيلم الرسالة حين اتصلت بلويس جريس وقالت له" لازم أكون مسلمة عشان اكمل الدور زي المخرج ما قال"، وكان للصدفة في مكتب لويس يوجد الدكتور مصطفى محمود وجمال كامل الفنان التشكيلي الذي كان مسيحيًا وأسلم أيضًا، فنظر إليهما لويس وقال لهما أريد أن أدخل في الإسلام ونطق الشهادتين في حضورهما، وقال لسناء "انا مسلم كملي الفيلم"، وراحت سناء للمخرج واكملت الفيلم وعرفت انهما كانا يضحكان.

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

المضروبون بالفن
اقترح لويس جريس على رئيس التحرير فتحي غانم أن يبحثا عن المبدعين في صعيد مصر ودلتاها، وذهب لويس لصعيد مصر وقابل ولدا يلبس جلبابا له بفتحة صدر تمتد حتى السرة، وأرشده الولد لعبد الرحمن الابنودي ويحيي الطاهر عبدالله وامل دنقل ومكث عنده لويس اربعة ايام في بيته، ثم نووى السفر فدس الولد في جيب لويس بعض مما كتب من شعر وقال له:" أقرا دول يا استاذ لويس"، وكان هذا الولد عبد الرحيم منصور الشاعر الكبير فيما بعد، وفي القطار قرأ لويس الشعر وقال بعد ذلك انه كان يتمنى ان يرجع بالقطار ليخبر الولد كم هو موهوب، وذكر جريس ذلك في مقاله الذي كتبه عن رحلته تحت عنوان "المضروبين بالفن".

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

وفاة سناء
ماتت سناء، وراحت الدنيا تسود أمام لويس ماتت يوم 18 ديسمبر 2002، وفي ثلاجة الموتى كانت ترقد في انتظار أحد من ذويها، وكتب لويس إعلانات في كل الصحف العربية أملا ان يقرأ أحدا من أهلها ما كتب ويأتي ليفرحه ويشعر أنه غير مقصر في حقها، لكن خابت رؤيته ولم يأت أحد، فدفنها يوم 22 ديسمبر، ولأول مرة يذهب إلى البيت ولا يجد سناء.

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

مي منصور
عملت مي منصور في صحيفة صباح الخير، وحين تعرض الأبنودي لوعكة صحية طلبوا منها حوارا مع لويس جريس فكلمته وحدد لها موعدا من السابعة وحتى الثامنة مساء، وكانت مي في تمام السابعة أمام بيت لويس، لكنه تأخر حتى الثامنة إلا ثلث، وقتها تضايقت مي وتذمرت من تاخره، وحين خرج على كرسيه المتحرك تضايقت من تذمرها، وأثناء الحوار كلمها كثيرا عن عبد الرحيم منصور، فقالت له:" البيت الذي أقمت فيه هو بيت جدي"، وحكت له عن البيت، وسافر لويس إلى ألمانيا وراح يكلم مي يوميا، وبعد رجوعه قال لها"أنا عاوز اتبناكي يا مي"، تقول منصور:" لا أعرف هل كان يعوض رحيل جميل بأحد يشبهها ويتفق تاريخ ميلاده مع تاريخ وفاتها، أم أنه كان يعاني من تلك الوحدة وأحس أن هناك احدا من الممكن أن يعوض رحيل سناء أو يعزي نفسه بأحد بعد الرحيل الأليم"، لكن مي أحبت لويس ووافقت على تبنيه لها، فغيرت منه تمامًا وصنعت منه لويس جديدا قبل رحيل سناء جميل.

في البداية أجبرته على عدم الاعتماد على كرسيه المتحرك، وأن قدميه بخير، واجرت له العديد من الفحوصات، ولم يعد يحتاج للكرسي المتحرك والذي أجلسه عليه فراق سناء جميل، كان يقول لها:" وفيم أحتاج الأقدام ولا أحد أذهب إليه؟"، وأعادت مي لويس جريس مرة أخرى، وكأن مجيئها بعث روحه من جديد، لكن وجع فراق سناء كان يشده شدًا إلى الحزن، فيجلس ويكتب لها الرسائل، ويقول لها:" يا سناء، أنا ومي نجهز للاحتفال بعيد ميلادك في المسرح القومي، يا ترى إيه رأيك؟، مي شايفة إنها فكرة حلوة، هيكون يوم جميل كالعادة.. لويس جريس"..

كان لويس يطمئن سناء أن مي معه، يقول لها ذلك، مثلما حكى في رسالة يقول فيها:" حلمت بيكي امبارح بتوصيني على مي، فرحت اني شوفتك، وحشتيني يا سناء".. لويس جريس".

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

الرسائل
كل يوم يكتب لها الرسائل في كل الأوقات، كأنه يخبرها أنها تعيشن ولويس كان يفكر كثيرا في قضية الموت، كيف مثلا يمكنه أن يقول ان سناء ماتت، سناء اختفت لكنها حية، تراه في نومه وحزنه وفرحه، تراه وهو يضحك ويبكي وربما تربت على ظهره حين يتألم، وإلا كيف يفسر لماذا وقف وأهدى الكرسي المتحرك الخاص به للمحتاجين، كيف استقام عوده بعد أزمات، ما هي إلا سناء، يكتب ويقول:":"الحياة أسخف بكثير مما كنت أظن، الحياة بدونك سخيفة يا سناء".

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

رسائل لويس لسناء
كل رسالة كان يكتبها إنما كان ينظر إليها على ان سناء جميل تقراها، ربما هي مختفية في مكان ما لكنها حتما تقرا الرسالة، وحين يذهب إليها سيذكرها بما كتب، وبانه كان يحبها، يكتب ويقول:" " لازلت أحكي للناس عن أول لقاء بيننا، وأول كلمة حب وأول رقم تليفون هاتفتك عليه لأول مرة، ما زلت أحكي عن عشقي لك"، لويس جريس".

وفي رسالة أخرى يقول" لا شيء أصدق منك، لا شيء أبقى منك"، لويس".
وفي رسالة أخرى يقول" لا زلت هنا يا سناء".. لويس.

وفي رسالة أخرى يقول" علمتني الصداقة أنها أجمل علاقة، وعلمني الحب ألا أكره من أحب، وعلمني الزمن أن المشاعر لا تقدر بثمن، أن هناك انسان لا يمكن نسيانه، لأنه لا يستحق النسيان.. لويس جريس".

«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل

الصعود إلى سناء !
ظلت مي منصور مع لويس جريس في العناية المركزية لوقت طويل، كانت جالسة عند قدمه، وفتح لويس عينيه، فجاءه منظر مي وهي جالسة نفس جلسته عند قدمي سناء جميل، فضحك لويس وقال:" فعلتها ولم أكن اتخيل ان هناك من البشر على وجه الأرض سيفعلها، وفعلتها مي.. ونظرت إليه وقالت "هو خير قديم فعلته يا بابا لويس ولم يضيعه الله"، هو فعل جميل فعله مع سناء فقيض الله له من يفعله معه.. وتذكرت مي كيف كانت ترسل النقود كل شهر لعدد من الأسر يرعاها لويس، لم يكن يهمه ان يكون هذا الرجل مسيحي أو مسلم، كان يهمه انه انسان في المقام الأول، ففرح لويس قبل موته.. وكان آخر ما سمعه، وكان آخر ما ارتسم على محياه هو ابتسامة هادئة وجميلة..
«لازلت هنا».. رسائل بخط يد لويس جريس إلى محبوبته سناء جميل


أما عن موته موت فلم يكن موتًا واحدا مثلما حدث مع سناء، ماتت أقدامه، وبعدها مات كبده، وبعدها ماتت كليته، وفي الأخير توقف قلبه، مات موتًا كثيرًا، موت متعاقب بكت له مي منصور بكاءًا كبيرًا، ومثلما حدث للويس مع سناء، حدث لمي ما حدث مع لويس، لم تصدق موته، هو هنا في مكان ما يقول لها يا ابنتي، هو ينظر إليها، يراها، تكتب له الرسائل وتقول يا أبي.. يا لويس.