رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف انتهك قرار البرلمان الأوروبي مبدأ استقلال السلطة القضائية وأضر بالشراكة المصرية الأوروبية؟

البرلمان الأوروبي
البرلمان الأوروبي

حينما وقعت مصر اتفاقات الشراكة المتعددة مع الاتحاد الأوروبي ووافقت على الإطار السياسي المرتبط بعملية برشلونة والذي ركز على حقوق الإنسان والديمقراطية كان الأساس فيها احترام السيادة الوطنية وسيادة القانون واستقلال السلطة القضائية كرافد مهم من روافد منظومة حقوق الإنسان التي أسسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وكانت الإشارة واضحة لانفتاح مصر على توسيع علاقتها بدول الاتحاد الأوروبي وتنمية علاقات الجوار الأورومتوسطية وفق ما أعلنه الاتحاد الأوروبي الذي كان يسعى إلى تعزيز الشراكة الأوروبية-المتوسطية (أو عملية برشلونة) والتي ظهرت في 1995 بمشاركة 15 من جيران أوروبا الجنوبيين، وكان غرضها خلق “منطقة سلام واستقرار وأمن في البحر المتوسط” وأن تُبنى سياسة الجوار على مبدأ السعي إلى تعاون أعمق مع البلدان التي تظهر قدرًا أكبر من الاستعداد للتحرك إلى الأمام بالإصلاحات الأساسية، وبذلك تخلق فعالية تنافسية بين من يريدون تلقي المزيد من المعونة والموارد الأوروبية.

وركزت خطط عمل “سياسة الجوار”، التي يتفق عليها ثنائيا بين الاتحاد الأوروبي وكل بلد معني في الجنوب، على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والعمل أن تكون مقبولة من الطرفين، إلا أن قضايا حقوق الإنسان تحولت مع زيادة نفوذ التيارات اليسارية وسيطرتها على الانتخابات الأوروبية إلى سبب رئيس في زيادة مساحات سوء التفاهم بين مصر وعدد من دول أوروبا التي لا تريد استيعاب اعتزاز الدولة المصرية بدستورها ومؤسساتها القضائية وسيادتها الوطنية، وزادت الفجوة مع اعتماد مؤسسات أوروبية مثل البرلمان الأوروبي على معلومات مؤسسات حقوقية مسيسة ومناوئة للدولة المصرية خلال رصدها لتطور أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

وانتهج البرلمان الأوروبي اتجاهًا معاكسًا لبعض دول الاتحاد التي بدأت في تفهم حقيقة الأوضاع في مصر، وآخرها حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أن دعم حقوق الإنسان في مصر لن يتم إلا بالحوار، ورفضه للغة الإملاء أو وقف توريد الأسلحة لدولة شريكة لأوروبا في مكافحة الارهاب وعمليات الهجرة غير الشرعية.

فيما توافق البرلمان الأوروبي مع دول أخرى لا تبذل أي جهد للاطلاع على حقيقة الأوضاع في مصر وظهر جهلها بحالة حقوق الإنسان في مصر خلال مداخلتها وتوصياتها خلال مناقشة ملف مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نوفمبر 2019، والذي ظهر فيه تأثر تلك الدول بالمعلومات المغلوطة التي تمررها بعض المنظمات الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية.

الموقف الفرنسي المتقدم والمغاير لتوجه البرلمان الأوروبي يؤكد أن التوجه السياسي للتيارات الممثلة في البرلمان الأوروبي أقوى من واقع الشراكة بين مصر ودول الاتحاد، بل يضعها في واقع الأمر في حرج شديد خلال التعامل مع القاهرة، خاصة مع تصاعد نبرة التهديد واستخدام مفردات الإملاء التي لا تتناسب مع التخاطب مع دولة مستقلة ذات سيادة، ويعيد للأذهان ذكريات الحقبة الاستعمارية المؤلمة والتي كانت مليئة بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قوات أوروبية ضد الشعب المصري.

لقد كشف قرار البرلمان الأوروبي ضعف المؤسسة التشريعية الأوروبية وتجاهل الحكومات الأوروبية لها؛ إذ رفضت غالبية الدول الأوروبية الربط بين التعاون الاقتصادي وحقوق الإنسان وفق المنظور الذي يطرحه البرلمان لأنه غير واقعي من ناحية، ومن ناحية ثانية لعدم رضاء تلك الحكومات عما يقوم به ذلك المجلس ذو الصفة الاستشارية غير الملزمة، والذي يبحث عن دور في السياسة الخارجية للاتحاد وحينما فشل قرر التحول إلى مؤسسة حقوقية مسيسة.

احتوى القرار على عدد من المغالطات في مخاطبة الدولة المصرية؛ فقد اعتدى على ثورة 30 يونيو بطعنه في شرعيتها والتهجم عليها، كما اعتدى على حق مصر في مكافحة الإرهاب وإصدار تشريعات تحاصر الكيانات الإرهابية وتجفف منابع تمويلها رغم أن مصر استرشدت بالمعايير الدولية عند وضعها لتلك القوانين التي انطلقت من مرجعية استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وملاحقة مموليه. وكذلك تحاول فرض الاعتراف بحقوق المثليين رغم أنها تعلم جيدًا أن مصر تحفظت على تلك الحقوق لأنها تتعارض بشكل قاطع مع الشريعة الإسلامية.

كما انتهك القرار استقلال السلطة القضائية في مطالبته للدولة المصرية بالإفراج عن عدد من المتهمين أو المحبوسين على ذمة قضايا، واعتدى على المادة 95 من الدستور المصري التي نصت على استقلال القضاء وحصانته وحيدته لضمانة أساسية هي حماية الحقوق والحريات، والمادة 100 التي تنص على أن الاحكام التي تصدر تنفذ باسم الشعب وتكفل الدولة وسائل تنفيذها ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيلها جريمة يعاقب عليها القانون. ووفق تلك النصوص الدستورية منع المشرع المصري السلطة التنفيذية من التغول على السلطة التشريعية أو التلاعب في احكام القضاء وسلطة النيابة العامة في توجيه الاتهام وتقديم المتهمين إلى المحكمة.

وتحدث التقرير في بند آخر عن وجود عمليات قمع للمعارضة، وهو أمر مجافٍ للحقيقة والواقع؛ فالمعارضة السياسية ممثلة في البرلمان القادم بنسبة معتبره، وهناك أحزاب وشخصيات معارضة كانت موجودة على القوائم الانتخابية الأخيرة، فضلا عن وجود شباب ينتمون إلى أحزاب المعارضة في تنسيقية شباب الأحزاب، وهي كيان سياسي جديد جامع لكل الشباب من كافة الأطياف السياسية والاجتماعية والمستقلين للمساهمة في تمكينهم سياسيًا.

أما إذا كان البرلمان الأوروبي يقصد المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية ويصنفهم على أنهم معارضة، فيكون بذلك قد أوقع نفسه في خطأ جسيم لأنه بذلك يخالف القانون المصري الذي صنفها جماعة إرهابية، فضلا عن أنه يناقض أيضًا إجراءات تتم لملاحقتهم في عدد من الدول الأوروبية باعتبارهم جماعة فاشية متطرفة خرجت من رحمها كل التنظيمات الإرهابية، وتدعمها دول متهمة بتمويل الإرهاب.

ومن المستغرب أن يتحدث القرار عن قيود على عمل الجمعيات الأهلية متجاهلًا عمل 55 ألف جمعية أهلية على الأرض في مصر وخاضعة لأحكام قانون الجمعيات رقم 149 لسنه 2019 والذي تم تعديله بمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدما اشتكى عدد من الجمعيات المصرية من القيود الموجودة في القانون السابق خلال مشاركتها في منتدى شباب العالم. كما أن انتقاده لاحتجاز عاملين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يعد تدخلًا في قرارات قضائية كانت مبنيه بالأساس على مخالفة تلك المؤسسة لقانون الجمعيات ثم تم الإفراج عنهم عقب تعهدهم بتوفيق أوضاعهم وفق القانون المصري.

وتغافل القرار عن القفزات الواسعة التي حققتها مصر في مجال تمكين المرأة ومكافحة التحرش وتقديم الجناة للمحاكمة الجنائية وختان الإناث. وكلها تطورات لافتة تمت بمبادرات رئاسية، وهو ما يشير إلى وجود إرادة سياسية قوية لتمكين المرأة. ونفس الأمر تحقق في ملف ترسيخ دولة المواطنة وصدور أول قانون لبناء الكنائس وتوفيق أوضاعها وتمكين المسيحيين من المناصب القيادية.

وتجاهل القرار بحديثه عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان الإعلان عن وضع مصر لاستراتيجية وطنية متكاملة وطويلة الأجل لحقوق الإنسان والتي تعكس وجود إرادة سياسية لإعطاء دفعة للجهود الوطنية؛ من خلال اعتماد مقاربة شاملة وجدية لتعزيز الحقوق والحريات الأساسية تتسم بوضوح الرؤية والتخطيط، وهي استراتيجية لا تبدأ من فراغ؛ لأن مصر لديها مؤسسات وطنية راسخة ودستور تقدمي وتراث قانوني فريد.

وتهدف الاستراتيجية الوطنية إلى دمج أهداف ومبادئ حقوق الإنسان في المشروع التنموي الطموح لمصر، عبر الاستعانة بالخبرات الوطنية المرموقة، والتشاور مع ممثلي المجتمع المدني بمفهومه الواسع. ولقد اعتمدت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان خطة عمل متكاملة لإعداد أول استراتيجية وطنية ل حقوق الإنسان، حيث قامت الأمانة الفنية للجنة بعمل 10 خطوات في المرحلة التحضيرية لإعداد الاستراتيجية وهي:

– مخاطبة كافة الوزارات والجهات المعنية لموافاتها بخططها وبرامجها المستقبلية ذات الصلة بملف حقوق الإنسان خلال 5 سنوات مقبلة.

– حصر كل ما يتعلق بحقوق الإنسان بوثيقة رؤية مصر 2030 وخطط العمل وتحقيق الترابط بينها وبين مسودة الاستراتيجية.

– حصر وتقييم شامل لاحتياجات الدولة في مجال إعمال حقوق الإنسان.

– الاطلاع على التجارب الدولية المقارنة.

– دراسة خطط العمل والاستراتيجيات الوطنية المعتمدة بالفعل ذات الصلة بموضوعات حقوق الإنسان لتحقيق التكامل بينها وبين الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

– دراسة كافة التوصيات الختامية الصادرة لمصر من مختلف الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وكذلك توصيات المجلس القومي لحقوق الإنسان، وتصنيفها ومتابعة موقف تنفيذها.

– بحث سبل تعزيز تنفيذ مصر لمختلف التزاماتها الدستورية والدولية في مجال حقوق الإنسان.

– إعداد مقترحات محددة بتعديلات تشريعية تهدف إلى تعزيز اتساق الإطار التشريعي مع الدستور والالتزامات الدولية لمصر بمجال حقوق الإنسان.

– تشكيل هيئة استشارية لإعداد الاستراتيجية تضم 25 من الخبراء المنتقين من المتخصصين في القانون والاقتصاد والسياسات العامة لحين عرض مسودة الاستراتيجية عليهم والاستماع إلى ملاحظاتهم.

– عقد جلسات استماع مع ممثلي المجتمع المدني لتلقي مقترحاتهم بشأن الاستراتيجية، وضمت الجلسات ممثلين من البرلمانيين والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، إضافة إلى جلسة استماع مع المجلس القومي لحقوق الإنسان.

وكان مجلس النواب المصري موفقًا في رده على قرار البرلمان الأوروبي واعتباره قرار غير مقبول ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية ‏المصرية-الأوروبية، ويعبر عن أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن، وتأكيده رفض المصريين أن ينصب البرلمان الأوروبي نفسه وصيًا على المصريين، ملمحا تجاه المؤسسة الاوربية إلى تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة ‏أغراض سياسية أو انتخابية، مطالبًا إياهم بالنظر بموضوعية لواقع الأمور في مصر، ‏والابتعاد عن ازدواجية المعايير، ومعربا عن استغرابه لتجاهل نجاح مصر في تحقيق طفرة تنموية أثناء مجابهة جائحة ‏كورونا.

إشارات مجلس النواب المصري لحالة المراهقة السياسية التي يعانى منها البرلمان الأوروبي تتفق مع ما نشره موقع بوليتيكو الأمريكي في أغسطس من العام الماضي والذى وصف أعضاء البرلمان الأوروبي بالمراهقين الذين يحاولون استعراض عضلاته دون أن يكون لديهم النضج الكافي، وأن محاولتهم تنصيب أنفسهم حراس للديمقراطية وضع أوروبا في حالة فوضى كبيرة.

المؤكد أن مصر دولة منفتحة على التعاون مع العالم، وليست منغلقة على نفسها وتتعامل في السياسة الدولية بندية مقبولة تحفظ بها اعتزازها بمؤسساتها التشريعية والقضائية، وتسير في مجال تحسين أوضاع حقوق الإنسان بخطى ثابته وطموحة ووفق مبادرات داخلية مصرية خالصة تتفق مع الواقع المصري والتحديات التي تواجهها الدولة المصرية التي لا تحتاج إلى توجيهات أو إملاءات من أي دولة أو مؤسسة لتحسين أوضاع شعبها.