التاريخ السرى| لماذا اعتقد العلماء أن الهرم الأكبر بناه الفضائيون؟
من الخرافات المنتشرة حول العالم فيما يخص بناء الهرم، والتي يصدقها الكثير دون عناء البحث العلمي أو الالتجاء لمصادر التاريخ، هي نفي قيام المصريين القدماء ببناء هذا المبنى الرهيب، ونسب هذا الإعجاز لأقوام ليس لهم أدنى علاقة بالهرم الأكبر أو الحضارة المصرية من الأساس.
انتشرت تلك الفرضية الكاذبة، والتي تدعي وصول أقوام من الفضاء أو أفراد من قارة أطلانتس المفقودة لبناء الحضارة المصرية القديمة وتشييد الأهرام، مستندين على عدم وجود أي برديات تؤكد تخطيط وهيكلة بناء الهرم. ولأن وزن الحجارة يزيد على طن، فيمكن لكائنات فضائية نظرًا لما توصلت إليه من تكنولوجيا فائقة أن تشارك في معجزة رفع تلك الأحجار الضخمة وبناء الهرم.
بالإضافة إلى أن التكوين الفلكي لهيكل الهرم وتماشيه مع نجوم أوريون أو "حزام الجبار الثلاثة"، والتي تمثل أساس التوازن في مجرة درب التبانة، يظن كثيرون أن الفضائيين وضعوا الأهرامات بهذا الترتيب، كما زاد هذا الافتراض ما أطلقه موقع "Mysterious Universe" العلمي، حيث أشار إلى معلومات جديدة تفيد بأن باحثين عثروا على حصى فريدة من نوعها وتعرف باسم حجر "هيباتيا"، وما يميز الحصى هو احتوائها على نسبة أكبر من الهيدروكربونات عكس مكونات الحصى على كوكبنا.
وأعاد عالم الجيولوجيا جورجي بيليانين من جامعة جوهانسبرج الحصى إلى أزمنة قبل ولادة الشمس، والتي تختلف قليلًا عن تركيب حصى النيازك والكواكب، مما يزيد من احتمالية قيام كائنات فضائية ببناء الهرم.
ولم يبخل علينا الهرم بكشف أسراره التي لا تنتهي، ففي عام 2017 تم الكشف عن تجويف فارغ داخل جسم الهرم بواسطة فريق فرنسي ياباني مشترك مستخدمين تقنية الميوجرافي Muography، والتي تستشعر تغيرات الكثافة داخل تركيبات الصخور الضخمة باستخدام الجزيئات الأولية، وهذا التجويف أعلى البهو الكبير بطول حوالي 30 م أي بحجم طائرة ركاب. ولكن هذا الكشف لم يمر مرور الكرام على مدعي علاقة الهرم بالفضائيين، حيث يرى البعض أن هذا الفراغ الضخم كان مخصصا لتصنيع عرش حديدي تمت هيكلته وصناعته من النيازك التي كانت تتساقط من السماء، وتم وضع هذا العرش الحديدي في الغرفة العملاقة السرية التي تم الكشف عنها، حيث يمكن لهذا العرش الحديدي أن يصعد بالملك إلى النجوم، مستندين على ما ذكر في النصوص الدينية برحلة الملك إلى النجوم الشمالية بالعالم السماوي.
وهناك اعتقاد آخر يربط بين الهرم وبين سكان قارة أطلانتس الخرافية، حيث يعتقد القدماء بوجود القارة المزعومة وأنها كانت مصدر القوة على الأرض وحكمت العالم لفترات طويلة، حيث إن أفراد تلك الحضارة الغائبة قد بنوا الهرم في عام 10500 ق.م وعاشوا نحو 10000 أو 15000 عام، قبل أن تختفي حضارتهم لأسباب غامضة.
وظلت تلك القصص تتناقلها الأجيال حتى حدثت الاكتشافات الأثرية الجديدة، وأهمها اكتشافات مدينة طروادة الأسطورية- التي انتشرت حولها كتابات هوميروس وتناولت الحروب وصراعات بعض أرباب الإغريق وأبطالهم- حيث وُجدت في أعماق البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، فبدأ الاعتقاد بأن أطلانتس هي الأخرى حقيقة، وأنها اندثرت بالفعل، إما بطوفان عارم أو زلزال مدمر، خاصة بعدما كتب عنها أفلاطون في محاورتيه "ألتيمايوس" و"كريتياس"، ووصفها بأنها "قارة كان يقطنها كثير من البشر، وكانوا يملكون من العلم ما لم يتوصل إليه أحد من البشر، وكانوا متقدمين في علوم الفلك وعلوم الهندسة والري وكان لا يضاهيهم فى تلك الفترة أحد من البشر"، وجاء ادعاء أفلاطون عن قارة أطلانتس مما ذكره جده الرابع سولون بأنه زار معبد سايس وتكلم مع كهنته وذكروا له أن رب الشمس قد أمر أنصاف المعبودات بمعبده بأطلانتس بمغادرة الجزيرة قبل أن تحل بها اللعنة وأشار لهم بالاتجاه شرقًا، حيث معبده في أرض مصر، وهي الأساطير التي أخذها من أستاذه سقراط أيضًا وأكدها صديقه أويدكسوس الذي رافقه خلال رحلته في مصر، حيث ذكر أن تلك القارة كان يطلق عليها اسم أرض المعبودات.
فيما احتوى بعض الخرائط القديمة التي وجدت ضمن مقتنيات بعض سلاطين الدولة العثمانية لجزيرة بمدخل البحر المتوسط عند مضيق جبل طارق ليس لها وجود في الخرائط الحديثة، ويعتقد أنها نفس الخرائط التي اعتمد عليها كل من الرحالة الشهير كريستوفر كولومبوس وفاسكو دي جاما في استكشاف العالم الجديد خلال القرن الخامس عشر حين سادت حركة الاستكشافات البحرية، واهتم خلالها رحالة إسبانيا وإيطاليا والبرتغال بما ذُكر من أساطير رددتها قبائل زعمت أنها جاءت من جزر غرقت في المحيط. وظلت تلك القارة الوهمية وعلاقتها بمصر القديمة تلهب خيال علماء العصور الوسطى ومنهم ما ذكره فرانسيس بيكون خلال القرن السادس عشر في كتابه "حقيقة أطلانتس"، حيث زعم أنه اعتمد في معلوماته على ما ذكره علماء وفلكيو مدينة الإسكندرية القديمة إلى وجود كارثة عنيفة حلت بالأرض وأدت إلى غرق القارة.
ويربط أنيس منصور في كتابه "الذين هبطوا من السماء" بين وجود كائنات فضائية هبطت على الأرض واستقرت في قارة أطلانتس وبين غرق تلك القارة، حيث ادعى هروب أفرادها ما بين المكسيك وبوليفيا غربًا ومصر شرقًا حاملين علومهم المتقدمة، مما جعل البعض يربط بين أهرام مصر وأهرام المكسيك. وقد قيل إنه بسبب الارتفاع الشاهق لقارة أطلانتس أدى هذا لنقص الأوكسجين مما جعل سكانها تميل بشرتهم للون الأزرق، وربما كان هذا سبب اهتمام مصر القديمة باللون الأزرق والبحث عن مكوناته وتلوين مناظرهم به وهو ما يعرف اللون الأزرق المصري Egyptian blue.
ولكن في الحقيقة هذا الادعاء يثير السخرية، حيث إنه لا علاقة لتلك القارة الوهمية بمصر القديمة، ولم يعثر على أي دليل أو أثر خرج لنا من قاع المحيط الأطلنطي يشير إلى وجود تلك القارة سوى كتابات أفلاطون الخيالية وما بني عليها من أساطير. ومن المثبت تاريخيًا أن الأمير والمهندس حم إيونو هو المشرف على عملية بناء الهرم الأكبر، فكان الأمير حم إيونو ابن أخ الملك خوفو وترك لنا ألقابه التي حملها ومنها المشرف على جميع أعمال الملك، حيث كان كبيرًا للمهندسين والمسئول عن جميع أوجه بناء الهرم. ويذكر المصريون القدماء أنفسهم علاقة الملك خوفو بهرمه ضمن ما يعرف بأسطورة خوفو والسحرة المكتوبة ببردية وستكار والمحفوظة بمتحف برلين، حيث تشير إحدى قصص البردية أن الملك خوفو كان معجبا بأقفال معبد الرب تحوت بهليوبوليس وأراد أن يصنع أقفالا مثلها لهرمه المعروف باسم "آخت خوفو" أي أفق خوفو.
وفي عام 1990 ظهر لدينا الدليل الدامغ والتأكيد القاطع على أن أهرام الجيزة هي صناعة مصرية خالصة، حين اكتشف زاهي حواس الحي السكني ومقابر العمال بناة الأهرام خلف منطقة حيط الغراب بهضبة الجيزة، وهي الدليل القاطع على أن الأهرام هي صناعة مصرية خالصة، حيث تم العثور على مقابر العمال الذين اشتركوا في بناء الأهرام وما خلفوه من جرار أكل وشراب وهياكل عظمية، بالإضافة إلى مقابر الفنانين والنحاتين والمشرفين الذين أشرفوا على عملية البناء تاركين لنا على جدرانها ألقابهم وأدوارهم في عملية البناء.
ولا تنتهي الأدلة الأثرية في إثبات ملكية المصريين للهرم عند هذا الحد، حيث اكتشفت البعثة الفرنسية مشتركة مع جامعة أسيوط عام 2013 بردية بساحل البحر الأحمر والمعروفة باسم "بردية وادى الجرف"، والتي توضح كيفية تقطيع الأحجار لاستكمال كسوة الأهرامات، فيذكر أحد رؤساء العمال في عهد الملك خوفو ويدعى "مرير" حينما كان يذهب إلى طرة لقطع الأحجار التي استخدمت في كسوة الهرم مع فريق عماله البالغ 40 عاملًا، حيث تم بناء سدود ضخمة لتحويل مجرى ماء النيل باتجاه قناة متجهة إلى موقع بناء الهرم لنقل كتل الأحجار عن طريق مراكب خشبية ترسو بموانئ بمنطقة الأهرام، كما ذكر أنه عاش في العام 25 من حكم الملك، مما يدل على أن خوفو قد حكم أكثر من ثلاثين عامًا، وذلك حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه "أشهر خرافات الفراعنة" والذي صدر عن دار "ن" للنشر والتوزيع.