التاريخ السري: خرافة بناء «قوم عاد» للهرم الأكبر
من الخرافات المنتشرة حول العالم فيما يخص بناء الهرم، والتي يصدقها الكثير دون عناء البحث العلمي أو الالتجاء لمصادر التاريخ، هي نفي قيام المصريين القدماء ببناء هذا المبنى الرهيب، ونسب هذا الإعجاز لأقوام ليس لهم أدنى علاقة بالهرم الأكبر أو الحضارة المصرية من الأساس.
انتشر ادعاء غريب مفاده أن بناة الأهرام هم قوم عاد وليسوا المصريين القدماء، وهو الادعاء الذي تبناه أحد الباحثين ويدعى محمد سمير عطا في كتابه "الفراعنة لصوص حضارة"، وهو عنوان مهين للحضارة المصرية القديمة، حيث اعتمد في ادعائه على كبر حجم أحجار بناء الهرم والتي تتطلب أشخاصًا بأحجام غير عادية وهو ما يتمثل في قوم عاد من ضخامة أجسادهم وقوة بنيانهم، وأن الآثار المصرية بشكل عام والأهرام بالأخص كانت مدفونة في الرمال وهو أمر شبيه بمصير قوم عاد الذين هلكوا بريح عاتية دفنتهم، مستندًا على ما ذُكر من أقوال المؤرخين العرب والمسلمين كما ذكرنا سلفًا، بينما جاء الاعتماد الأكبر بالقرآن الكريم باعتباره مرجعًا تاريخيًا وخاصة من آيات سورة الفجر: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ۞ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ۞ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ۞ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْررَ بِالْوَادِ﴾ ومن سورة الشعراء ﴿أتَبنونَ بكلِ ريعٍ آية تَعبَثُون﴾ والريع هو المكان المرتفع من الأرض، حيث أن النبي هود عليه السلام قد عارض قومه بتركهم الإيمان بالله وانشغالهم ببناء أبنية ضخمة كالجبال على المرتفعات لمجرد التفاخر، حيث تنطبق هذه الأوصاف على الأهرام باعتبارها بناءً ضخما كالجبل مبنيا على مرتفع نطلق عليه الآن هضبة الأهرام، ويتجه إلى تفسير كلمة "إرم" بأنها تحريف لكلمة "هِرم" في العربية الفصحى وتحولت إلى "هَرم" في العربية العامية، وبالتالي يصبح تفسيره للآية الكريمة بأن عاد بناة الأهرام ذات القمم المدببة.
ويدَّعي سمير عطا أن حضارة قوم عاد قد سبقت الحضارة المصرية القديمة وهي التي خلفت لنا الأهرام والمسلات والمعابد الضخمة، بينما اعتادت الحضارة المصرية القديمة "سرقة" ما قبلها من حضارات ومحو كتاباتها، حيث أضاف المصريون القدماء من بعدهم صناعة التوابيت والحلي والأبنية المتواضعة بالإضافة إلى بعض الإضافات على منشآت قوم عاد التي سرقوها منهم ونسبوها لأنفسهم مثلما فعل المسيحيون الأوائل من محو العلامات الهيروغليفية من معبد إدفو أثناء اختبائهم فيه إبَّان الاضطهاد الروماني.
ويتسائل سمير عطا وغيره من أفراد هذا الاعتقاد بأنه لا يوجد أي اسم لملك داخل الهرم وهل يُعقل أن الفراعنة الذين نقشوا وزخرفوا أحجار كل المعابد ولم يتركوا حجرا إلا ونقشوا عليه ونسبوه إلى ملوكهم، نسوا أن ينقشوا داخل الأهرام معجزة العمارة المصرية القديمة والعالم أجمع اسم صاحبه؟ وما يزيد من اعتقادهم هو أنه لم يعثر على أية مومياء لملك داخل الهرم.
ولكن مع فحص الهرم من الداخل والخارج، يتأكد لنا بطلان هذا الاعتقاد الفاسد بشكل قاطع، فإذا ما ادعينا بأن أفراد قوم عاد البالغ طولهم أكثر من 10 أمتار هم بناة الهرم، فكيف لهم أن يسيروا بداخل البهو العظيم وهو أكبر ممرات الهرم من الداخل وارتفاعه لا يزيد عن 8 أمتار فقط، بينما يبلغ ارتفاع حجرة دفن الملك حوالي 6 أمتار.
وقد عثر زاهي حواس على اسم الملك خوفو مرسوم بالحبر الأحمر داخل الهرم الأكبر على أحجار الحجرات الخمس التي تعلو حجرة الدفن الرئيسية مسجلًا إما أسفل أو خلف الحجر حتى بطريقة معكوسة وهو ما يعني أنها كتبت قبل استخدام الأحجار في البناء أي في المحاجر نفسها، كما ترك عمال بناء الهرم أسماء جماعاتهم التي شاركت في البناء على أحجار الحجرات الخمس مثل جماعة "أصدقاء خوفو.
أما عن عدم العثور على مومياء داخل الهرم، فإنه رغم قيام الملك بهذا العمل المعماري المهول لحماية موميائه وكنوزه من السرقة والنهب، إلا أن اللصوص عبر فترات الاضطراب بمصر القديمة نفسها تمكنوا من دخول الهرم وسرقته واحتمال سرقة أو تلف مومياء الملك خوفو، حيث تذكر لنا بردية الحكيم إيبور ما حدث من كوارث خلال ثورة الشعب إبَّان عصر الانتقال الأول بسبب انتشار الفقر وضعف سيطرة الدولة والتي استمرت نحو 125 سنة) 2181- 2055 ق.م): "فقد انتزعت مومياوات علية القوم من مقابرهم وألقيت في الطريق العام.. واغتصب الفقراء القبر الملكي.. وأصبح الملك الذي دُفن كصقر يرقد على نعش مكشوف.. وما خبأته الأهرام قد خلى.. وأظهر الناس العداء للملك الذي جعل الأرضين في سلام.. وأفشيت الأسرار الملكية وصار مقر الملك رأسا على عقب.
وحين نرجع لقوم عاد، نجد أنهم قوم سكنوا الجزيرة العربية تحديدًا في المنطقة الواقعة بين اليمن وعُمان، حيث يذكر الله في آياته من سورة العنكبوت ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ووَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ وهو ما يدل على وجود مساكنهم بالقرب من أهل الحجاز كي يتم الاستدلال عليهم وقت نزول القرآن، وليس مصر التي لم تكن مساكنها الدنيوية آثارًا باقية مثل معابدها ومقابر ملوكها، وذلك حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه" أشهر خرافات الفراعنة" والذي صدر عن دار "ن" للنشر والتوزيع".