رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعتذار واجب للنيابة العامة



القضية جنائية وليست حقوقية، ولم يكن خافيًا على أحد، حقوقيًا كان أو سياسيًا، أن شركة «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، الهادفة للربح، تمارس العمل الأهلى، أو الحقوقى، بشكل غير شرعى، بالمخالفة للقانون رقم ١٤٩ لسنة ٢٠١٩، الذى يفرض إخضاع هذا النشاط لولايته، كما أنه ليس سرًا أن قرار إخلاء سبيل موظفى الشركة الثلاثة، على ذمة القضية، جاء استجابة لالتماس تقدموا به إلى النائب العام، بعد تقديمهم ما يفيد اتخاذ إجراءات تقنين وضع الشركة وتحويلها إلى جمعية أهلية وفقًا للقانون المشار إليه: قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى.
النيابة العامة، هى جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية، وهى الممثلة للمجتمع والنائبة عنه، والغاية الأساسية لوجودها العمل على التطبيق الصحيح للقانون، سواء كان ذلك عبر التمسك بإدانة المتهم أو التمسك ببراءته، ما يعنى أنها ليست بالضرورة خصمًا للمتهم، كما هو شائع، بل على العكس، نرى أن انحيازها للمواطن فى مواجهة السلطة التنفيذية هو القاعدة، وأن الاستثناء يخالف الدستور، وطبيعة دورها. وعليه، نرى أن الذين أرجعوا، عن جهل أو بسوء نية، قرار إخلاء سبيل موظفى الشركة، أو المبادرة، إلى وجود ضغوط، داخلية أو خارجية، ارتكبوا جريمة أخلاقية، إضافة إلى عدة جرائم جنائية، أبسطها التشكيك فى نزاهة القضاء.
التحقيقات فى القضية لا تزال مستمرة، وقرار التحفظ على أموال تلك الشركة لا يزال ساريًا، ومن المقرر أن تنظر محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بطرة، غدًا الأحد، طلب النائب العام بتأييد أمر التحفظ، وقد تؤيده أو تلغيه، لأن النيابة العامة كانت قد أصدرت أمرًا وقتيًا بالتحفظ على أموال الشركة، أو المبادرة، استنادًا للمادة ٢٠٨ مكررًا (أ) من قانون الإجراءات الجنائية، التى تجيز للنائب العام، عند الضرورة أو فى حالة الاستعجال، أن يأمر مؤقتًا بذلك.
بمنتهى الوضوح، أعلنت الدولة المصرية، عبر وزارة خارجيتها، عن رفضها أى محاولة للتأثير على التحقيقات، وأكدت أنها تحترم مبدأى سيادة القانون والمساواة أمامه، وأن حرية العمل الأهلى مكفولة فى مصر بموجب الدستور والقوانين المصرية، وأن العمل فى أى من المجالات يجب أن يكون على النحو الذى تُنظمه القوانين ذات الصلة ومُحاسبة من يخالفها، كما أكدت على عدم تمتع أى فئة بحصانة لعملها فى مجال مُحدد، وشدّدت على ضرورة احترام مبدأى السيادة الوطنية وعدم التدخل فى الشئون الداخلية اللذين نص عليهما القانون الدولى.
إخلاء سبيل متهمين، أى متهمين، على ذمة قضية، لا يعنى براءتهم من الاتهامات الموجهة إليهم، كما لا يعنى، قطعًا، أن القضية انتهت، ومع أن تلك معلومة بديهية، ولا يمكن أن تغيب على صحفى صغير أو على مَن يزعمون أنهم مهتمّون بالشأن العام، إلا أننا فوجئنا بعدد من وسائل الإعلام، المحلية والدولية، يزعم أن ملف القضية تم إغلاقه، وأرجع ذلك إلى ضغوط دولية، أو إلى مقطع فيديو لنجمة هوليوود الصغيرة سكارليت جوهانسون، أما أغرب، أو أغبى، ما قرأناه، فكان ما كتبه المدعو هشام قاسم، متوهمًا أن هناك معركة أو خناقة، انتهت بهزيمة الدولة، وبشَّر متابعيه بأن تشهد الأيام المقبلة «هجمة جامدة على السيسى فى الإعلام الدولى والإعلام الاجتماعى». ولا نعرف على أى أساس اعتقد المذكور، الذى لا نعرف له عملًا، أو شغلانة، أن المعركة، لو جاز وصفها بذلك، انتهت لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، بينما التحقيقات لا تزال مستمرة!
يمكنك أن تضيف تلك الهلاوس، إلى شلال المعلومات المغلوطة والاستنتاجات الخاطئة والشائعات، معلومة أو مجهولة المصدر، التى تم تداولها فى وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعى، لكن ما يؤسف، حقًا، أن الدكتور زياد بهاء الدين، زعم أن هناك «أسئلة كثيرة» لا تزال باقية، لم يذكر منها غير الآتى: «لماذا أُلقى القبض عليهم أصلًا؟ وما ملابسات الإفراج عنهم؟ وهل أُغلق الملف أم لا يزال مفتوحًا فى انتظار لحظة أخرى مواتية؟ وهل من تغير فى التعامل مع النشاط الأهلى؟ والأهم من ذلك.. ما مصير باقى سجناء الرأى؟»،. وبغض النظر عن أكذوبة «سجناء الرأى»، فلا نعتقد أن طرح مثل هذه الأسئلة الساذجة يليق برجل كان يوصف، ولا يزال، بأنه محامٍ وخبير قانونى، قبل أن يكون وزيرًا ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء!
.. وأخيرًا، نرى أن بعض وسائل الإعلام، المحلية والدولية، وعددًا ممّن يزعمون أنهم مهتمون بالشأن العام، مدينون بالاعتذار للنيابة العامة المصرية، ولعقول المصريين إجمالًا، عن سيل الافتراءات والأكاذيب، التى تم تداولها بشأن تلك القضية، التى لا يزال التحقيق فيها مستمرًا، والتى يمكنك، أن ترى المتهمين فيها، إن أحسنت الظن بهم، ضحايا لمن استعملوهم، استعموهم، وأوهموهم أن بإمكانهم ممارسة نشاط غير قانونى، دون حساب أو عقاب.