رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد اغتيال أبو البرنامج النووى الإيرانى فخرى زاده

جريدة الدستور


عام ٢٠٢٠ الذى بدأ باغتيال قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى، انتهى باغتيال العالم محسن فخرى زاده، أبو البرنامج النووى الإيرانى، وبينما تبنت الولايات المتحدة العملية الأولى بشكل معلن، لم تعلن أى جهة مسئوليتها عن العملية الثانية، وإن أكدت طهران صراحة أنها إسرائيل.
وفى ظل القيمة الكبيرة لأحد أهم خبراء البرنامج النووى الإيرانى، تدرس إسرائيل تداعيات تنفيذ عملية الاغتيال ضد العالم الإيرانى الكبير، والردود المحتملة لانتقام طهران على هذه العملية، وتوقيتها، بالإضافة إلى الآفاق المتوقعة لتطور البرنامج النووى الإيرانى دون فخرى زاده.

قتله خسارة كبرى لإيران لخبراته فى عملية تطوير الصواريخ الباليستية

بحسب القناة الإسرائيلية الـ١٢، فإن العالم الإيرانى، الذى كان يتولى رئاسة منظمة البحث والتطوير الإيرانية، كان خبيرًا فى مجال الصواريخ الباليستية، وشارك عن كثب فى تطوير الصواريخ الإيرانية، وقاد برنامج «آماد»، أو «الأمل»، الذى تضمن العمل على إنتاج مواد لازمة لتفجير قنبلة نووية.
وقالت القناة العبرية إن إسرائيل والدول الغربية تعتقد أن برنامج «آماد» الإيرانى هو عملية عسكرية تهدف لبناء سلاح نووى فى إيران، رغم تأكيدات طهران على أن برنامجها النووى سلمى، مشيرة إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت، فى تقرير لها، إن إيران نفذت أنشطة ذات صلة بتطوير جهاز متفجر نووى، فى برنامج منظم «آماد» حتى نهاية عام ٢٠٠٣.
وأضافت أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على فخرى زاده فى عام ٢٠٠٨، بسبب الانخراط فى أنشطة ومعاملات ساهمت فى تطوير البرنامج النووى الإيرانى، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وصف «زاده» بأنه «أبو برنامج الأسلحة النووية الإيرانى»، وقال إنه كان مصممًا على ضمان تسليم القنبلة النووية لنظام آيات الله فى طهران.
ولفتت إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سعت، منذ سنوات، إلى استجواب «زاده» بشأن أنشطته، لكن طهران رفضت ذلك مرارًا.
وحول أهمية العالم الإيرانى، قال عاموس يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية «آمان» بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠١٠، والرئيس الحالى لمعهد أبحاث الأمن القومى: «سيكون من شبه المستحيل لإيران أن تجد بديلًا لمحسن فخرى زاده، لأنه لعب دورًا مركزيًا فى جهود النظام الاستراتيجية، مثل قاسم سليمانى».
وأضاف «يادلين»: «البرنامج النووى الإيرانى له مساران، أحدهما علنى، وينتج مواد انشطارية تدّعى طهران أنها للاستخدام المدنى، رغم إمكانية استخدامها فى صنع أسلحة نووية، والآخر سرى، وهو مخصص للتسليح».
وواصل: «لم يحدث ضرر لمسار التخصيب والمواد الانشطارية من البرنامج بمقتل فخرى زاده، لكن الضرر الذى لحق ببرنامج التسليح السرى هائل، وإن كان لا يمكن قياسه، لأن أحدًا لا يعرف بالضبط نطاق البرنامج وعمقه، وما الذى يفعله الإيرانيون سرًا».
وأشار «يادلين» إلى وجود اختلافات فى المدارس الفكرية داخل وزارة الدفاع الإسرائيلية حول جدوى الاغتيالات، ففى حين يرى البعض أن الاغتيالات مهمة لقطع رأس بعض النظم يرى آخرون أن هناك دائمًا بديلًا لأى شخص.
ونوه بأن قتل العلماء الإيرانيين يمكن أن يسبب ضررًا أكثر مما ينفع، لأنه يولد الغضب والرغبة فى الانتقام، وقد يدفع الإيرانيين إلى العمل بجدية أكبر، حتى يثبتوا للعالم أن الاغتيال فشل فى تحقيق هدفه، وهو وقف البرنامج النووى.

طهران تنتظر إدارة بايدن.. وتوقعات باستهدف إيلات بطائرات مسيرة

حول الانتقام الإيرانى للرد على اغتيال «زاده»، رأى المراقبون فى إسرائيل أن الضربة التى تلقتها طهران باغتيال عالمها النووى خطيرة، بحيث لا يمكن السكوت عنها، خاصة أنها جاءت بعد عمليتين محرجتين جدًا، هما اغتيال الجنرال قاسم سليمانى فى يناير، وقصف المنشأة النووية فى نطنز فى يوليو الماضى.
وأشار عدد من المراقبين، فى تقارير نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، إلى أن الإيرانيين تحركوا بعد أيام قليلة من اغتيال «سليمانى» ضد الولايات المتحدة التى أعلنت مسئوليتها عن الاغتيال، وأطلقوا عشرات الصواريخ على قاعدة أمريكية فى العراق. وذكروا أن الرئيس الإيرانى اتهم إسرائيل صراحة بالمسئولية عن اغتيال «زاده»، ما يعنى أن طهران تدرس الانتقام بطريقة مشابهة لما حدث بعد اغتيال «سليمانى».
ورجحت التقديرات فى إسرائيل أن يتأخر الرد الإيرانى على العملية، انتظارًا لتولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حتى يتمكنوا من الشروع فى مفاوضات مع إدارته، لاسترداد أموالهم المجمدة فى أنحاء العالم، مع الإشارة إلى أنه من الصعب جدًا الافتراض أن الإيرانيين سيتخلون عن أهدافهم فى هذه المرحلة مع الإدارة الأمريكية الجديدة من أجل الرغبة فى الثأر والانتقام. وأشارت التقديرات إلى أن الإيرانيين سيكونون حذرين جدًا من رد يؤدى إلى سقوط كثير من المصابين، أو يوفر ذريعة لهجوم أمريكى على المنشآت النووية الإيرانية، خاصة أن هذا الاحتمال سبقت لإدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، دراسته مع المستشارين مؤخرًا. وأوضح بعض المراقبين أن إيران تبدو «مقيدة اليدين» فى الرد على عملية الاغتيال، لأن الوضع الاستراتيجى الدولى يتطلب حساب الخطوات بعناية، خاصة أن إسرائيل لا تعمل فقط على تعطيل البرنامج النووى لطهران، وإنما إلحاق الضرر بفرص الإيرانيين فى فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة بمجىء إدارة «بايدن».
وذكروا أن تخطيط هجوم انتقامى يتطلب استعدادًا دقيقًا، لأنه يجب ألا يفشل، خاصة أن إيران تريد ردع إسرائيل وإعادة هيبة النظام، وإشباع الرغبة فى الانتقام، وهو أمر يحتاج تخطيطه وتنفيذه لوقت غير قصير.
وذكرت تقارير إسرائيلية أن تل أبيب تضع فى اعتبارها أن الرد على اغتيال «زاده» قد يكون ممكنًا من خلال وكلاء إيران فى المنطقة، وتكليفهم فى لبنان وسوريا والعراق واليمن بالهجوم على أهداف إسرائيلية.
وأشارت إلى أن «حزب الله» اللبنانى، رغم إعرابه عن الحزن لموت العالم الإيرانى، إلا أنه من غير المرجح أن يقدِم على الانتقام له، أو يتطوع لذلك، خاصة أن عددًا من قادة التنظيم يعتقدون أن تصفية الحسابات حول هذا الحادث هى مسألة إيرانية.
ولفتت إلى أنه من الممكن أن يحاول الإيرانيون الاستفادة من ترسانتهم من صواريخ كروز والطائرات المسيرة، لتنفيذ هجوم يشبه ضرب منشآت إنتاج النفط السعودية فى سبتمبر ٢٠١٩، مع ترجيحات بأن تتجه الضربة إلى ميناء إيلات، ما يلحق الضرر بالسفن التجارية الإسرائيلية التى تبحر فى البحر الأحمر، أو استبدال ذلك بتفجير سفارات أو تنفيذ هجمات إلكترونية على مواقع مهمة فى إسرائيل.