رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السياسة الخارجية الأمريكية والشرق الأوسط



تساءل الكثيرون قبل وأثناء وبعد الانتخابات الأمريكية عن السياسات الأمريكية الخارجية بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، ومدى تغيير هذه السياسات بوصول الحزب الديمقراطى إلى الرئاسة، وذلك لأهمية هذه المنطقة بالنسبة للدول الرأسمالية الكبرى، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بجانب دول الاتحاد الأوروبى كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا. وبالطبع يقفز الاهتمام بهذه المنطقة من أولويات الدول الكبرى لأهمية الشرق الأوسط على مستوى الثروات التعدينية والبترولية والثروة البشرية، والتى تعتبر الأداة الاستهلاكية لمنتجات هذه الدول الكبرى هذا من جهة، ومن جهة أخرى أهمية تحكم دول الشرق الأوسط فى الممرات المائية المهمة «قناة السويس، وباب المندب، والخليج العربى»، وهى ممرات الطريق بين الشرق والغرب.
ومن الناحية العسكرية استطاعت الدول الاستعمارية الكبرى اللعب على تنوعات دول الشرق الأوسط العرقية والدينية، وأججت وأشعلت مزيدًا من الصراعات والحروب فيما بينها، لمزيد من إضعاف وإنهاك جيوشها وتقسيمها وتفتيتها لدويلات ضعيفة، واستفادة مصانع السلاح الكبرى فى أمريكا من صفقات بيع السلاح لهذه الدول المشتعلة، وتكدس الأرباح الفاحشة فى يد مؤسسات المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى.
ولم يغب عن عيون المتابعين تولى أمريكا حماية أمن وأمان طفلها المدلل «الكيان الصهيونى»، بدعم مخططاته الاستيطانية والتوسعية، ودعم انتهاكاته وجرائمه اليومية ضد الشعب الفلسطينى.
ومن المعروف كيفية استغلال أمريكا قوى الإسلام السياسى من الإخوان المسلمين وطموحاتهم من حكم العالم العربى، بزعم عودة الخلافة الإسلامية، هذا بجانب تشجيع حاكم تركيا، أردوغان، الحالم بعودة الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية باسم إعادة الخلافة الإسلامية.
ومع فشل قوى الإسلام السياسى فى مصر عقب الإطاحة بها من خلال ثورة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو، وفشلها فى الانفراد بالسلطة فى ليبيا وتونس، وهزيمة تنظيمى داعش والقاعدة المتشددَين، اللذين استغلتهما أمريكا فى لعب دور فى صراعات وحروب المنطقة العربية فى سوريا والعراق وليبيا واليمن- بدأت أمريكا فى الفترة الأخيرة من حكم ترامب فى سحب الآلاف من جنودها فى سوريا والعراق وأفغانستان.
وجدير بالذكر أنه أثناء كتابة هذا المقال، وبعد إعلان فوز جو بايدن كرئيس لأمريكا، ذهب وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، فى جولة للشرق الأوسط بارك فيها، فى قلب فلسطين المحتلة، المستوطنات الإسرائيلية وضم الجولان المحتلة لإسرائيل، من أجل الحفاظ على أمن كيان العدو.
يتساءل الباحثون والمفكرون والكتّاب فى العالم، ونتساءل معهم: هل ستتغير السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بعد مجىء رئيس من الحزب الديمقراطى؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال ينبغى التأكيد على وجهة نظرى ووجهة نظر الكثير من الكتّاب على أن السياسة الأمريكية الخارجية تنطلق من مؤسسات الدولة الأمريكية ومصالحها ومصالح أمن إسرائيل، وتكون للمجمع الصناعى العسكرى الأمريكى اليد الطولى فى وضع هذه السياسات، وأن ما يتغير هو الأسلوب والخطوات وصفات وسلوك الرئيس الجالس فى البيت الأبيض.
لذا قد يتغير الأسلوب فى عهد جو بايدن، ويتم الرجوع لسياسة حل الدولتين فى مشكلة الصراع العربى الصهيونى ونهج أسلوب المفاوضات.
وترتفع التخوفات من عودة سياسة الديمقراطيين بالاعتماد على جماعة الإخوان المسلمين، ودعم رجوعها للسلطة فى منطقة الشرق الأوسط، ولكننى أقول لكل المتصورين عودة الزمان والأحداث كما كانت، إنهم ينسون المتغيرات التى حدثت منذ انتفاضات وثورات يناير ٢٠١١ ما سُمى «الربيع العربى»، حيث جرى كشف جماعات الإسلام السياسى وسقط حكمها فى مصر، بعد فضح سياستها الخاصة بتحقيق مصلحتها الخاصة على حساب مصلحة الشعب والوطن، بجانب تبعيتها وارتباط مصالحها بمصالح الدول الاستعمارية الكبرى فى أمريكا وبريطانيا وألمانيا، وتغلغلها فى دول تقوم بتمويلها وتسليحها وتدريبها «قطر وتركيا».
هذا بجانب سياستها التى تعتمد على إقصاء الآخر وارتكاب الجرائم الإرهابية لتحقيق مصلحتها ومصالح الدول التابعة لها، وهذا معناه إعادة الحزب الديمقراطى للنظر فى سياساته الخاصة بدعم الإسلام السياسى، خاصة بعدما طالت أعماله الإرهابية الكثير من الدول الأوروبية فى الفترة الأخيرة، وبدأت بعض الدول تحظر جماعة الإخوان فى بلادها، وتعتبرها جماعة إرهابية.
يقول نيك ويتنى، مؤسس وكالة الدفاع الأوروبية وأول رئيس تنفيذى لها فى الفترة ما بين عامى ٢٠٠٤ و٢٠٠٧، فى رده على سؤال الصحفية منال لطفى، يوم الخميس ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٠ فى جريدة «الأهرام»، حول أن الأمن الأوروبى على المحك بسبب سياسات أمريكية فى دولتى سوريا والعراق وأزمة المهاجرين: «أعتقد أن السياسة الخارجية الأوروبية فى الفترة المقبلة ستكون دفاعية ووقائية، فالقلق يتزايد من الهجرة غير الشرعية وأيضًا من الإرهاب، ولكننى أعتقد أن الأوروبيين توصلوا لقناعة أن تدخلهم فى الشرق الأوسط سينتهى بكارثة، مثل تجارب التدخل الأمريكى فى العقدين أو العقود الثلاثة الماضية، وأن أفضل طريقة لمحاربة الإرهاب هى البقاء خارج منطقة الشرق الأوسط، والتركيز بشكل كامل على الأجهزة الأمنية، وأن أفضل طريقة لمكافحة الهجرة غير الشرعية ليس التدخل العسكرى، بل مساعدة المنطقة لمنع المهاجرين من المغادرة إلى أوروبا أصلًا». وأنهى ويتنى كلامه بأنه بسبب الموارد والثروات البشرية يعد الشرق الأوسط شريكًا مهمًا للتجارة والاستثمار، ومن المفيد تطوير العلاقات بين الدول العربية والاتحاد الأوروبى.
إن المتغيرات على كل المستويات فى دول العالم مع تصاعد خطر الإرهاب، وأيضًا مع مواجهة فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، ستكون سببًا أساسيًا فى تغيير السياسات الأمريكية المستقبلية.