رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما وراء الإعراب عن القلق



القلق حالة نفسية مَرَضية ناتجة عن مؤثر خارجى مجهول، بحسب توصيف علم النفس، وفى اللغة الدبلوماسية، يجرى استخدام تعبير «الإعراب عن القلق» فى المخاطبات بين الحكومات والمنظمات الدولية، لتوجيه رسالة لوم، امتعاض أو نقد، وبالتدريج، تحول هذا التعبير إلى أداة لابتزاز الدول، ومعول هدم لجدار السيادة الوطنية، الذى يحميه القانون الدولى.
نتفهم أن تقوم إحدى الدول بابتزاز أخرى أو الضغط عليها، لهدف أو لآخر، وطبيعى أن تستخدم تلك الدولة وزاراتها ومؤسساتها ومنظمات تقوم بتمويلها، لتحقيق هذا الهدف، لكن دخول مسئولى وموظفى الأمم المتحدة، على الخط، لا يمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى ملفات الفساد المالى والسياسى المرتبطة بالمنظمة الدولية، والتى تتضمن انحرافات فاضحة وسلوكيات مشينة لعدد كبير من موظفيها، وتعكس ما يدور فى الدهاليز المظلمة من صفقات مشبوهة، وتطرح الكثير من الأسئلة حول مصداقية تلك المنظمة، وعن حقيقة الأدوار التى يقوم بها مسئولوها وموظفوها.
لا توجد هيئات منتخبة أو جهات مسئولة تحاسب الأمم المتحدة أو موظفيها، وتقتصر المراقبة أو المحاسبة على ما يوصف بـ«التدقيق الداخلى»، ولأن المال السائب يغرى بالسرقة، لم يكن مستغربًا أن يستفحل فيها الفساد بأبعاده السياسية والمالية والإدارية، وأن يلازم بعثاتها وموظفيها فى مختلف أنحاء العالم، وأن تتحول هيئات تلك المنظمة الدولية إلى أوكار يديرها لصوص، فاسدون، مرتشون ومتحرشون جنسيًا، ويقومون بتوزيع الوظائف وعقود العمل على الأصدقاء والصديقات، أو العشيقات، والمحاسيب، ولأن مصالح دول بعينها هى التى تحكم أداء المنظمة، وتتحكم فيه، يتم تجاهل تلك الجرائم، غالبًا، أو الاكتفاء بعقوبات شكلية.
جون آش، الذى ترأس الدورة ٦٨ للجمعية العامة للأمم المتحدة بين سبتمبر ٢٠١٣ وسبتمبر ٢٠١٤، تلقى رشاوى بلغت قيمتها ١.٣ مليون دولار من رجال أعمال صينيين، وابن أمين عام راحل تورط فى صفقة نفط مقابل غذاء مع حكومة العراق فى زمن صدام حسين. وهناك تقارير، بلاد عدد، عن الدور المشبوه الذى لعبه مبعوثو الأمم المتحدة وموظفوها فى تغذية الحروب وإطالة أمد الصراعات فى سوريا، ليبيا واليمن، عبر دعمهم الإرهابيين. كانوا ينادون بإيقاف الحرب ويعملون على استمرارها ويشاركون الإرهابيين فى طعن الشعوب وسرقة قوتها.
موظفون أرسلتهم الأمم المتحدة للتعامل مع أزمات إنسانية، فاستغلوا وظائفهم لتحقيق مكاسب شخصية لهم ولآخرين، وباعوا أنفسهم للإرهابيين، ووضعوا مقراتهم وسياراتهم وكل إمكاناتهم رهن إشارتهم، مقابل اقتسام المساعدات والتبرعات المتدفقة على البلاد، وحرموا الضحايا من الأغذية والأدوية ومليارات الدولارات التى جرى التبرع بها لصالحهم، ولعلك تتذكر أننا سبق أن تناولنا، فى فبراير ٢٠١٨، تقارير، شهادات، وشكاوى موثقة عن تعرض نساء وفتيات، فى سوريا، للاستغلال والاعتداء الجنسى، مقابل الحصول على مساعدات إنسانية، وإلى الآن، لم تتخذ الأمم المتحدة أى خطوات جدية للتعامل معها، بل حاولت، وقتها، تبريرها بزعمها أن اللجوء إلى أطراف ثالثة هو الطريقة الوحيدة لتوصيل المساعدات فى المناطق الخطرة.
حدثت غالبية تلك الفضائح أو الجرائم، خلال تولى المدعو ستيفان دوجاريك منصب المتحدث الرسمى باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ومع كل فضيحة أو جريمة كان يكتفى بالحديث، إن تحدث، عن صدور تعليمات بتعزيز الإجراءات الصحيحة، وعن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع الاتهامات، وعن احتمال اتخاذ إجراءات تأديبية!.
يحصل موظفو الأمم المتحدة على مرتبات ضخمة وبدلات سكن وعلاج وتعليم للأولاد بالغة السخاء، وإجازات سنوية يقترب عدد أيامها من عدد أيام العمل، و... و... امتيازات مالية أخرى كثيرة من جيوب دافعى ضرائب الدول المانحة، ومن هؤلاء ستيفان دوجاريك دو لاريفيير، المولود فى ٢٠ أغسطس ١٩٦٥، فى العاصمة الفرنسية باريس.
لازم الفشل دوجاريك طوال فترة عمله فى هيئة الإذاعة الأمريكية، «إيه بى سى». ولأسباب يمكنك استنتاجها، التحق بالأمم المتحدة سنة ٢٠٠٠ متحدثًا مساعدًا باسم أمينها العام، وبين عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٦ شغل منصب المتحدث الرسمى باسم كوفى عنان، الأمين العام الأسبق، ثم نائب مدير مكتب بان كى مون، الأمين العام السابق، لشئون الاتصالات بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، ثم رئيس إدارة الاتصالات فى برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، و... و... وفى فبراير ٢٠١٤ اختاره بان كى مون متحدثًا باسم المنظمة، وواصل عمله مع أنطونيو جوتيريش، الأمين العام الحالى.
عشرة طوابق من مبنى الأمانة العامة للأمم المتحدة، ينبغى إغلاقها أو إزالتها، وتسريح شاغليها، الذين لا نعرف معايير اختيارهم، وبات دورهم يتلخص فى إطلاق تصريحات أو إصدار بيانات، لا هدف لها غير ابتزاز هذه الدولة أو تلك، بينما يتعامون عن جرائم حقيقية حدثت، وتحدث، تحت سمعهم وبصرهم. إنهم، باختصار، لا يتحركون إلا بـالـ«ريموت كنترول» ولا ينطقون إلا بما تمليه عليهم العصابة الإجرامية، التى وضعتهم فى مواقعهم.