رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التاريخ السرى.. خرافة ملوك الطوفان وأبو المصريين وطائر يصفر مرتين

جريدة الدستور

قسّم المؤرخون القدماء تاريخ مصر الخرافي مما جمعوه من قصص وحواديت إلى فترتين: قبل الطوفان وبعد الطوفان، حيث ادُعي أن مصر قبل الطوفان كانت تسمى على اسم شخص يدعى "مصرايم بن مراكيل بن داويل بن عرباق ابن ادم" وهو مصرايم الأول، الذى استقر هو أو ابنه "نقراوش بن مصرايم" في مصر مع سبعين من بني "عرياب" وكلهم كانوا جبابرة في الحجم، وفسروا كلمة نقرواش أي ملك قومه.

ومع استقرار مصرايم قام بحفر الترع وبناء الأبراج التي كتب على أسوارها أسرار الحكمة، وأكمل نقرواش عملية البناء والإعمار، فبنى الأعلام وأقام الأساطين وعمل المصانع واستخراج المعادن ووضع الطلسمات وأسس مدينة تسمى أمسوس.

ويتطرق المؤرخون إلى أعاجيب أقامها هذا الرجل في مدينته منها طائر يصفر كل يوم مع طلوع الشمس مرتين وعند غروبها مرتين، ومنها صنم من الحجر الأسود في وسط المدينة تجاهه صنم مثله، إذا دخل المدينة سارق لا يقدر أن يزول حتى يسلك بينهما فيطبقان عليه. وقسّم نقراوش مصر على ولاده، فمنح الغرب لنقاوش والشرق لشورب في حين منح لابنه الذى أسماه مصرايم - مصرايم بن نقراوش الجبار أو مصرايم الثانى- مدينه اسمها برسان، ولما مات عن عمر 180 سنه، حنطوا جسمه ووضعوه فى تابوت من الذهب ومعه كنوزه وتماثيله المذهبة مصحوبة بطلاسم لازمة لطرد الزواحف وكل من يحاول حاول ينبش تربته، وهنا نرى تأثرًا بفكرة التحنيط التي شاعت في مصر القديمة.

وجاء "فحصليم" ابن لوجيم بن نقاوش من بني نقراوش وكان أول ملك خرافي يبني مقياسًا للنيل حسب ما ذكره المقريزي في كتابه "مواعظ الاعتبار"، حيث نرى أن مقياس النيل ظل يلعب دورًا كبيرًا في مخيلة الناس رغم تناوله بشكل خيالي دون تقصٍ لحقيقة بناءه، فيذكر لنا قيام هذا الملك بجمع أرباب العلوم ليبنوا بيتًا من الرخام عند حافة النيل ووضع عند المقياس تمثالين من النحاس على شكل نسرين أحدهما ذكر والآخر انثى، ولمّا يبدأ فيضان النيل كان الملك فحصليم يذهب إلى المقياس بصحبة الكهنة الذين يتلون التعاويذ أمامه، فإذا أطلق النسر الذكر الصفير سيكون الفيضان على مستوى عال ويسود الرخاء أرض البلاد، لكن إذا انطلق الصفير من تمثال الأنثى، فسيأتي الفيضان بأقل مستوى وسينتج عنه القحط.

ملوك مصر بعد الطوفان

يعود لنا المقريزي في وصف حكم مصر ما بعد الطوفان، حيث ظهر سلسال جديد من ملوك مصر حسب ما سمع، أولهم كان يدعى مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح أو مصرايم الثالث. عندما مات أبوه بيصر تم دفنه في مكان وهمي يسمى دير بأبي هرميس غربي الأهرام، وادعى أنها أول مقبرة دفن فيها أحد بأرض مصر بعد الطوفان، وكان موته بعد 1806 سنين من الطوفان.

ويكمل المقريزي حواديته حول مصرايم بأنه بنى المدن وشق الأنهار وغرس الأشجار وبنى مدينة عظيمة اسمها درسان وهي العريش وتزوج من امرأة من أولاد الكهنة فولدت له ابنًا سماه قفطيم وبنى مدينة رقودة مكان الاسكندرية. ومات مصرايم بعد 2600 سنة من الطوفان، وقيل بعد 700 سنة. وتذكر لنا الخرافة أن مصرايم بن يبصر كان مع جد أبيه نوح عليه السلام في الفلك، فدعا له أن يسكنه الله الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل الأنهار، وحين كبر بيصر ساقه ولده مصرايم وجميع اخوته إلى تلك الأرض فنزلوها وبذلك سميت مصر.

وبعد وفاة مصرايم يظهر لنا ابنه قبطيم ويقال له "قفط" تولى عرش مصر بعدما تصارع مع اخوته وآل إليه الحكم وهو عن عمر 90 سنة وحكم طيلة 480 عامًا وعرف اللغة القبطية، وأنجب كل من "قفطريم" و"أشمون" و"أتريب" و"صا"، وبنوا مدينة مافا أو منف وهي أول مدينة عمرت بعد الطوفان، وصارت دار المملكة بعد غرق مدينة أمسوس في الطوفان، وهي بالطبع ليست منف أو ممفيس المعروفة والتي كانت عاصمة مصر الموحدة إبان عصر الملك نعرمر عام 3200 ق.م. ومن الملاحظ هنا أن أبناء قبطيم تسموا على أسماء مدن باقية حتى يومنا هذا.

ويسرد لنا المؤرخون وصفًا تفصيليًا خرافيًا لمدينة منف دون تحديد لمكانها أو موقعها حيث ذكروا أنها كانت تضم سبعين بابًا من الحديد وحيطانًا من الحديد وفيها كانت تجري الأنهار وبها قناطر وجسور.

وتذكر لنا المصادر القديمة أنه في عهد الملك قبطيم اكتشفت الشياطين أغلب الأوثان التى غرقها الطوفان وأعادتها إلى المعابد ليكيدوا للناس، وهي قصة مستوحاة مما ذكر في قصص العهد القديم حيث نسل الملك داوود من ملوك إسرائيل ويهوذا الذين تركوا عبادة الله ومالوا مرة أخرى لعبادة الأوثان، بالإضافة إلى قصص تفرق الناس في بابل وبُعدهم عن الإيمان بعد الطوفان وميلهم مرة أخرى لعبادة الأوثان. ثم يأتي أشمون بن قبطيم والذي يعتقد أنه حكم مصر لمدة 800 سنة، كما قيل أنه هو الذي بنى مدينتي البهنسا وعين شمس، وكان عالمًا بعلوم السحر والكهانة كأجداده.

وبعد نسل مصرايم تصف لنا القصص الخرافية حكم مصر على يد قوم عاد، حيث قام أحدهم ويدعى شداد بن هداد بن شداد بن عاد بالجلوس على عرشها وهدم مبانيها وذهب لموضع الاسكندرية فبناها، حيث غفل المؤرخون ذكر بناء الاسكندرية على يد الاسكندر المقدوني، بالاضافة إلى قيام شداد ببناء أهرام وهي إحدى الخرافات الشائعة والمرتبطة ببناء الهرم الأكبر والتي سنتحدث عنها بشكل موسع لاحقًا.

ويعود حكم بني مصرايم إلى مصر بعد أن خرج قوم عاد من مصر بعد أن مكثوا فيها 90 عامًا في تشبيه واضح بحكم الهكسوس لمصر لكنه بلغ نحو 200 عام، فيذكر المؤرخون حكم "ماليق البودشير" لمصر والملئ بالخزعبلات، حيث كان عالمًا في السحر وفك الطلاسم وظهرت له معجزات مثل صناعته لشجرة نحاسية تجمد ما يمر أمامها من طير أو حيوان مما يمكن الصيادين من قنصهم. وجاء من بعده حاكم يدعى ارقليمون الذي صعد للسماء وسكن فى السحاب، ثم ظهر مرة أخرى وأمر بتنصيب ابنه "عديم" ملكًا على مصر، وهو ما يمكن أن نقارنه بقصة كل من الأنبياء المسيح عيسى بن مريم أو إدريس او إلياس عليهم السلام في صعودهم إلى السماء.

وجاء حاكم آخر يسمى أتريب بن مصرايم، يذكر أنه كان لينًا على خلق وآمن بالتوحيد ونبذ عبادة الأصنام وعاش 500 سنة حكم منها 360 سنة، وفي عهده انقطع النيل 140 سنة حتى جفت الأرض وأُكلت كل البهائم على أرض مصر، وهو اقتباس لفكرة حكم أخناتون من حيث فكرة التوحيد مع حدوث تدهور اقتصادي نتيجة إهمال السياسة، حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه "أشهر خرافات الفراعنة"، والذي صدر عن دار ن للنشر والتوزيع.