رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيرة الكتابة الساخرة.. من الحضور إلى الغياب

سيد محمود
سيد محمود

الكتابة الساخرة أحد أهم فنون الكتابة الصحفية، وأحد أعمدتها على مدار تاريخ الصحافة في مصر، ولا شك أن الكتابة الساخرة حظيت باهتمام الصحافة المصرية لدرجة أن هناك صحف نشأت على هذا الأساس، منها مثلا صحيفة الكاريكارتير والتي جاءت مزيج بين فن الكاريكاتير والكتابة الساخرة.. عن ندرة وصلت لحد الغياب في وجود كتاب وكتاب ساخرين يدور هذا التقرير.

يقول الكاتب الصحفي سيد محمود: في السنوات الأخيرة لحكم مبارك، كانت هناك طفرة حقيقية في مسار الكتابة الساخرة، نتج عنها ظهور أسماء كثيرة منها عمر طاهر وأسامة غريب ومحمد فتحي وغيرهم، وكانت هذه الكتابات وقتها بمثابة طفرة، جزء من أسباب ما نسميه بالغياب ناتج عن غياب مساحة لهؤلاء الكتاب عبر الصحف، ووجودهم أصبح متعلق بوسائل التواصل الاجتماعي.

ويلفت سيد محمود إلى أنه لا شك أن الكتابة الساخرة جاءت عبر أعمدة راسخة في الكتابة منها محمد عفيفي، ومحمود السعدني، وأحمد رجب، ومحمود معوض وغيرهم.

ومن جانبه، يشير الكاتب الروائي محمد مستجاب إلى ان أحد وأبرز أسباب تلك الندرة والغياب يرجع إلى غياب التجربة ومحدوديتها، كثير يعتقد أن الكتابة الساخرة مجرد نكت، ولكنها من أصعب درجات الكتابة، فمثلا، ابن جلال عامر فتح له زاوية مكان والده، ولم يقدم بها شيء، وسوف نرى أن بجوار التجربة.. فلسفة عميقة للأشياء حولنا.. وبالتالي فإن ظهور كتابة ساخرة صعب الآن.. فلجأ الكثير للانترنت أو للفيديو لتقديم مواقف ساخرة معتمدين على الشكل والصوت، وكل ذلك بعيد عن أرض الكتابة الساخرة.. مثلا محمود السعدني أو محمد عفيفي، كان لهم تجربة وفوق تجربتهم صعدوا لرؤية الحياة، انظر لقمة السخرية أنه لم يتذكر أحد محمود السعدني، في ذكراه، انظر له الآن أو لتعليق حفيدة على صفحته.. بأن أحدا لم يتذكر جده.

يقول الكاتب والروائي صبحي موسى: "قد يكون من المدهش أن يخبرك أحد أن مصر الساخرة على مدى التاريخ لم يعد بها كتابة ساخرة.. ويذكرك بأسماء كبيرة وبارزة في هذا الفن.. بدءا من بابيات ابن دنيال وصولا إلى كتاب الشعر الحلمنتيشي.. مرورا بالبؤساء المشاهير أمثال عبد الحميد الديب.. فضلا عن محمد مستجاب ومحمود السعدني وغيرهما.

وبعد تفكير قد تقول نعم.. بالفعل الكتابة الساخرة الآن لم تعد موجودة.. لأن السخرية تحتاج إلى بلاغة ومعرفة ورؤية فلسفية وقدر كبير من الحكمة.. السخرية هي زبدة الفن.. ونهاية الأرب من الحكمة.. وما مرت به مصر خلال سنوات كان كفيلا بإنتاج أطنان من الكتابات الساخرة.. لكن هذه الطاقة العظيمة تم إهدارها في فن الكوميكس الذي ساعدت السوشيال ميديا على انتشاره.. ولك أن تتذكر ما حدث مع مبارك ثم المجلس العسكري من بعده ثم مرسي.. أتذكر شعارا كان مكتوبا على جدار قصر الاتحادية (نون النسوة هتكسركيا مرسي).. وكان هذا الشعار قمة التحدي من جانب وقمة البلاغة في الدلالة من جانب آخر.. حيث يكشف أن أزمة الفكر الديني بوضوح مع المرأة.. وان العالم الحديث ينتصر لها.. ومن ثم فمصير هذا الفكر هو الانكسار بالطبع."

ويوضح موسى: "هكذا يمكن للسخرية في كلمة واحدة أن تفجر الاف الدلالات والأفكار والفلسفات.. وتستدعي عشرات المراجع والأسماء... فما بالك أن يكون لدينا كاتب ساخر حقيقي.

الكتاب الساخرون في العالم بوجه عام قليلون.. نظرا لصعوبة هذا النوع من الكتابة.. ولاحتياج صاحبه إلى معاناة حقيقية في الحياة تجعل له موقفا مختلفا.. لنا أن نتذكر الساخر العظيم جلال عامر.. وكيف كانت كل كلمة لدية ذات معنى باطن وظاهر.. ودائما كنا نضحك ونبكي في نفس اللحظة من أنفسنا وما نحن فيه.

ويختم موسى: ما حدث أن مجموعة كبيرة من الصحفيين الشباب انتبهوا إلى أن الكتابة الساخرة لها جمهور عريض.. فتحولوا جميعا لكتابة أعمال من قبيل (مصر مش اميدي مرات ابويا)، (مصر من البلكونة) وغيرها.. وهي كتابة صحفية خفيفة وليس رؤية ساخرة.. يمكن القول أن بها استظراف لكن أصحابها ليسوا ظرفاء، يمكن القول انها تتحدث عن البؤس لكن أصحابها ليسوا بؤساء.. وليس لديهم حكمة البؤس ولا قلة الحيلة التي تجعل صاحبها يقلب الأمر الى سخرية سوداء او ساركيزم... وما أكثر السخرية السوداء في ميراثنا.

من جانبها تقول الكاتبة والروائية نهلة عبد السلام.. معروف عنى حس الفكاهة وفى "الشيخ مقولكش" ورغم نصائح الاتجاه للكتابة الساخرة لم أنجح فى إخراج عمل كامل بشكل يرضينى.. ولكن تلونت بعض كتابتى بصبغة الكوميدى خاصة وإن حوار العامية يمنحنى مساحة جيدة لإظهار خفة دم الشعب المصرى والمتمثلة فى كم هائل من الأمثال الشعبية.. إضافة لكون الضحك هو المضاد الحيوي الأنجح مع كل ما يكابده فى يومياته.

وتضيف عبد السلام صناعة ضحك بتلقائية أمر صعب جدا".. وربما هو ما يجعل عدد نجوم كتابة الساخر قليلين.. رغم إن مريدين هذا اللون كثر.. ولك أن تذكر اسم محمود السعدنى حتى تتأكد من أن البحث عن ابتسامة ولو على مواجعنا أصيل فينا.

تشير نهلة عبد السلام إلى أن "بعض أسماء الشباب حين ارتبطت بالساخر لمعت وكانت بدايتهم صفحاتهم الشخصية على فيسبوك.. عدد المتابعين بالآلاف.. وبمجرد نزول كتاب يجمعها وصلوا لعدد طبعات لا يتسنى لكتاب الألوان الأخرى.. لا أقصد التعميم بالطبع.

وتختم عبد السلام بالإشارة إلى أن "ندرة الكتابات الساخرة أظنه بسبب عدم التقدير للعمل بدليل عدم تقدم أى عمل ساخر لمسابقة أو وصوله لقائمة قصيرة أو حتى طويلة على خلاف الرعب والذى لأول مرة يظهر فى قوائم الجوائز".