رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تطهير مجمع الخالدين



بهدوء، ولن نقول بميوعة أو ببرود، تعامل الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، مع مجمع اللغة العربية، المعروف باسم مجمع الخالدين، ولأسباب إجرائية، لا سياسية أو فكرية أو جنائية، رفض اعتماد نتيجة انتخابات رئيس المجمع الصورية، وقرر تعيين الدكتور صلاح فضل، قائمًا بالأعمال، حتى يتم تغيير قانون المجمع ولائحته وإجراء انتخابات جديدة.
يجمع رئيس المجمع، بحسب قانون إنشائه، بين سلطتين تنفيذيتين: الاختصاصات والسلطات المُخَوَّلة لدرجة وزير، فيما يتعلق بالعاملين الإداريين بالمجمع.. والاختصاصات والسلطات المُخَوَّلة لرئيس الجامعة، فيما يتعلق بالعاملين الفنيين، ونصت المادة العاشرة من قانون إعادة تنظيمه: القانون رقم ١٤ لسنة ١٩٨٢، على أن يصدر باعتماد انتخاب الرئيس- رئيس المجمع- قرار من رئيس الجمهورية، بناء على عرض وزير التعليم العالى.
منذ تأسس مجمع الخالدين، فى ١٣ ديسمبر ١٩٣٢، تتابع على رئاسته ست قامات: محمد توفيق رفعت، أحمد لطفى السيد، طه حسين، إبراهيم مدكور، شوقى ضيف، ومحمود حافظ، لكن حين اختطفت جماعة الإخوان الدولة، اختير حسن الشافعى رئيسًا للمجمع، فى نوفمبر ٢٠١٢، واستمر فى موقعه بعد أن كنسنا الإخوان فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأعيد انتخابه، فى فبراير ٢٠١٦، ثم فى فبراير الماضى، لأن أعضاء الجماعة كانوا قد تسللوا تباعًا إلى المجمع، وصاروا أكثر من نصف أعضائه.
قضى حسن الشافعى ٧٥ سنة من عمره، الذى تجاوز التسعين، فى صفوف الجماعة الإرهابية، وأدين، سنة ١٩٥٤، فى قضية محاولة اغتيال جمال عبدالناصر، المعروفة باسم «حادث المنشية»، وقضى فى السجن ٦ سنوات، وأدين أيضًا سنة ١٩٦٦ فى قضية «تنظيم ٦٥»، وتم سجنه ٤ سنوات، وبمجرد أن وارب «السادات» الباب للجماعة، أرسلته إلى بريطانيا، بلد المنشأ، فحصل على الدكتوراه من جامعة لندن، سنة ١٩٧٧، وبعدها ظل يتنقل بين السودان، باكستان وماليزيا، ولم يستقر بالقاهرة إلا سنة ٢٠٠٤، أى بعد بلوغه الرابعة والسبعين.
لو تشككت فى ذلك، يمكنك الرجوع إلى موقع «إخوان ويكى»، ويكيبيديا الإخوان المسلمين، وستجد سيرة ومسيرة المذكور، منذ أن التحق بالجماعة وتربى على يدى مؤسسها حسن البنا، كما ستجد الدكتور محمود الربيعى، يحكى أنه كان طالبًا بالصف الأول الثانوى بالمعهد الدينى بالقاهرة، حين كان الشافعى طالبًا فى الفرقة الثالثة وقائد «كتيبة» المعهد، التى تحولت «من حشد الفرق للمباريات الرياضية إلى جمع السلاح للأغراض الجهادية»، والربيعى المولود سنة ١٩٣٢، حصل على درجة الدكتوراه من لندن أيضًا، وصار فى ٢٠١٦ نائبًا لرئيس المجمع.
خلال مشواره الطويل، الطويل جدًا، شارك الشافعى فى تأسيس ما يوصف بـ«الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، اتحاد موزة والقرضاوى، وصار عضوًا فى مجلس أمناء ذلك الكيان، الذى أدرجته دول الرباعى العربى الداعية لمكافحة الإرهاب: مصر، الإمارات، السعودية والبحرين، على قوائم الكيانات الإرهابية، فى نوفمبر ٢٠١٧، وتصادف أن تظهر فى الشهر نفسه وثائق تثبت أن أسامة بن لادن، زعيم «تنظيم القاعدة»، كان صاحب فكرة إنشاء ذلك الكيان.
هنا، فى هذا العمود، توقفنا عند حسن الشافعى ثلاث مرات، الأولى: تحت عنوان «تفاحة آدم.. وموزة القرضاوى»، فى ١٢ يونيو ٢٠١٧. والثانية: فى ٢٥ نوفمبر من السنة نفسها، وكان عنوان المقال «هروب رباعى من اتحاد القرضاوى». وتحت عنوان «إرهابى بدرجة وزير»، طالبنا رئيس الجمهورية، فى ١٨ فبراير الماضى، بألا يعتمد نتيجة تلك الانتخابات، وبأن يوجه وزير التعليم إلى ضرورة إعادة هيكلة المجمع واستبعاد الأعضاء المنتمين إلى جماعة الإخوان الإرهابية، ونعتقد أنك ستضرب كفًا بكف، لو عرفت أن المجمع، الذى كان من بين أعضائه عباس محمود العقاد، محمد حسين هيكل، أحمد حسن الزيات، على الجارم، توفيق الحكيم، و... و... وغيرهم من كبار المفكرين والمثقفين، لا يضم الآن شاعرًا واحدًا ولا روائيًا واحدًا!
بالفعل، لم يتم اعتماد النتيجة، ليس للأسباب التى ذكرناها، ولكن لأن رئيس هيئة مستشارى مجلس الوزراء اكتشف أن عدد الأسماء المثبتة فى محضر جلسة التصويت كان أقل من عدد المصوّتين. وعليه، تقررت إعادة الانتخابات بحضور ممثلين عن وزارة التعليم العالى، للتأكد من سلامة الإجراءات، وهو ما لم يلتزم به مجلس المجمع فى الانتخابات التى أجريت فى ١٩ أكتوبر الماضى، وبالتالى لم يعتمد الوزير نتيجتها أيضًا.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الدكتور صلاح فضل، الذى صار قائمًا بأعمال رئيس مجمع الخالدين، مفكر وناقد كبير وكان عميدًا لمعهد النقد الفنى التابع لأكاديمية الفنون، ورئيسًا لقسم اللغة العربية بآداب عين شمس، وله دراسات نقدية وفكرية مهمة، حصل عنها على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب سنة ٢٠٠٠ وجائزة النيل سنة ٢٠١٨، وتم انتخابه عضوًا بالمجمع سنة ٢٠٠٣، وخاض معركة كبيرة لتطويره وتطهيره وتغيير قانونه ولائحته وإعادة هيكلته، لكى يؤدى رسالته.