رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر الشيخ محمود البجيرمى



الشيخ محمود البجيرمى «١٤ أكتوبر ١٩٣٣- ١٠ مايو ١٩٩٢»، من مواليد قرية بجيرم، مركز قويسنا، محافظة المنوفية، قارئ قرآن مصرى، ويُعد أحد أعلام هذا المجال البارزين.
نشأ فى أسرة تحب القرآن الكريم، وفى بيت والده الحاج «عزب السيد» وهبه والده للقرآن بعد أن توفى أربعة من إخوته فى سن مبكرة قبل قدومه للدنيا!!.
التحق الشيخ محمود بكُتّاب القرية الموجود فى مسجد «سيدى جمعة» البجيرمى، وأتم حفظ القرآن وهو لم يتجاوز التاسعة من عمره، قبل أن يتعلم أحكام التلاوة على يد الشيخ «مصطفى العنوسى» بقرية «شبرا بخوم»، وعلى يده أتقن التلاوة، وقبل أن يكمل الرابعة عشرة من عمره أرسله والده للالتحاق بمعهد القراءات فى شبرا، ولم يستمر طويلًا فى معهد القراءات، إذ إن شهرته التى بدأت تتسع حالت بينه وبين استكمال الدراسة فى المعهد، وأصبح ذلك الشاب العشرينى يجالس كبار قراء القرآن الكريم، كما أنه تفرغ لإحياء المناسبات الدينية والمآتم.
ومنذ حضوره القاهرة ذاع صيته حتى اختير قارئًا فى مسجد «عين الحياة» الشهير بمسجد «كشك» بكوبرى القبة بالقاهرة، ولفت انتباه المسئولين بالإذاعة.
فى عام ١٩٦٨ تم اعتماده بالإذاعة ثم انتقل إلى مسجد «الفتح» برمسيس قارئًا، وظل به حتى وفاته.
كانت تربطه علاقة روحية بالإمام الأكبر د. عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، وأيضًا بوزير البترول السعودى، د. عبدالله اليمانى.
طلبته دولة إيران لإحياء ليالى رمضان، وقضى عيد الفطر مع الشعب الإيرانى، وفى صلاة العيد قرأ أمام أكثر من مليونين ونصف المليون مسلم، وعُرف ذلك اليوم لدى الشعب الإيرانى بـ«اليوم التاريخى»، ونال إعجاب الكثير من الملوك والرؤساء فى البلاد التى زارها، وقرأ فيها القرآن الكريم.
أثناء تواجد الشيخ محمود البجيرمى يقرأ فى مسجد «عمر بن عبدالعزيز» بمصر الجديدة عام ١٩٦٦ مرتديًا طربوشًا أحمر لا يفارقه أبدًا، وكان يقرأ من سورة «إبراهيم»، دخل الملك سعود بن عبدالعزيز فسمعه يقرأ قوله تعالى: «رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ»، وأخذ يكررها، فبكى الملك سعود لما سمعه من صوت شجى حزين، وقال له وهو يودعه أمام الحضور: «حقًا إن القرآن نزل بمكة ودوّن فى إسطنبول وقُرأ فى مصر»، وبعد يومين تلقى الشيخ محمود البجيرمى اتصالًا تليفونيًا من رئاسة الجمهورية لمقابلة الملك سعود، الذى طلب منه أن يكون قارئًا للملك إلا أن الملك سعود توفى قبل أن يتم له ذلك.
أنجب الشيخ محمود البجيرمى من الأبناء أربعة، اثنان ذكور هما أشرف ومصطفى، وابنتان.
سُئل الإمام الأكبر الراحل د. عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، عن رأيه فى القارئ الشيخ «محمود البجيرمى»؟ فقال: «الشيخ البجيرمى لديه القدرة الرهيبة فى الغوص فى معانى القرآن الكريم، وكأنه يقوم بتأويل بعض آيات القرآن الكريم».
أيضًا قال نقيب القراء السابق، الشيخ أبوالعينين شعيشع: «الشيخ البجيرمى قارئ قلما يوجد مثله، لأن قراءاته من السماء». سمعه الملحن والموسيقار محمد القصبجى، فقال له: «إن صوتك مميز جدًا لولا أن حرصك الشديد على التلاوة جعل لديك بطئًا فى بعض الحروف»، فأرسل له عازف الكمان والملحن عبدالمنعم الحريرى، لكى يدربه على المقامات الموسيقية فى منزله بمصر الجديدة.
كما سمعه الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وكان يتلو «البجيرمى» من سورة الضحى، فقال له: «إننى لحنت أنشودة الشرق من الموسيقى الضمنية للقرآن الكريم فى سورة الضحى، كما تقرأها أنت».
فى العاشر من شهر مايو عام ١٩٩٢م توفى الشيخ محمود البجيرمى، وأثناء دفنه وقف الشيخ كشك خطيبًا قائلًا: «ماذا أُلقنك يا محمود؟ عندما يأتيك الملكان سوف يجدان القرآن عن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك. يا محمود كنا رفقاء فى الدنيا وسنكون إن شاء الله رفقاء فى الآخرة»، وبالفعل لحقه الشيخ كشك.
وفى ذكرى وفاة الشيخ «على حُزّين»، وكان بحضور كبار قراء القرآن الكريم، سأل أحد القراء الشيخ مصطفى إسماعيل، عمن يحب الاستماع للقرآن الكريم منه، فقال: «محمود أبوطربوش.. بس لو يبطل خوف ورهبة من الميكروفون هيبقى غول».
ويقول أشرف محمود البجيرمى، نجل الشيخ، إنه حينما كان يسأله عن إحساسه أثناء تلاوته القرآن الكريم، كان يقول: «أكون فى غيبوبة، ومع نفحات القرآن الكريم».