رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى رثاء الذكورية السامة



ما إن يثار أمر يكون للنساء شأن به، سواء ما يخص تعديل المواريث، تعدد الزوجات، زواج المسلمة من أهل الكتاب، حتى تنتفخ أوداج ذكور القبيلة ويتمركزون خلف نصوص يعلمون جيدًا أن تأويلها أو إعادة تفسيرها، بما يتناسب مع متطلبات العصر وتغير الحال، لن يضر الله أو الإسلام فى شىء، لأن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان بالتمسك بقيمه ومبادئه الأساسية وليس التمسك بنصوصه الحرفية، ومن هنا فباب الاجتهاد مفتوح لقيام الساعة. لكن فقهاء السلطة الذكورية يغلقونه حتى يأتى ما يجبرهم على الخضوع للواقع، ولنا فى تاريخ تحرير العبيد والإماء وموقف شيوخ الإسلام ورفضهم له قصة وعظة، والكتب والمقولات المعلبة مليئة برفض كروية الأرض واستحالة دورانها حول الشمس، لأنه يتعارض مع نص قرآنى، وآمن المسلمون بما أثبته العلم، ولم ينهدم الإسلام أو يحدث له شىء.
يزداد العنت عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاجتماعية، خاصة العلاقة الزوجية، فأى محاولة لتقديم رؤية أو تأويل يحقق مفهوم العدالة الكلية، يُقابل بالرفض الشديد الذى يسىء إلى إنسانية هؤلاء الشيوخ، ويجعلهم مجرد قطيع خاضع لتفسيرات أُخذت بظروف عصرها واجتهدت فى وقتها بما يلائم مقتضيات الحال فى وقتهم. وماذا يفعل معظم علماء الإسلام؟ لا شىء سوى حفظ المحفوظ ونقل المنقول، وأعتقد أن أى جهاز كمبيوتر يمكنه أن يقوم بهذا الدور بسرعة ومهارة أكبر.. فإذا كان دور شيوخ الأزهر ترديد ما قاله الإمام ابن حنبل، أو الإمام الشافعى، أو غيرهما من الأئمة، وإذا كان رجال الدين يرون أن الدين قد اكتمل بما أوجده الفقهاء من إجماع، وأنه لا مجال للتجديد ولا اجتهاد مع النص، فلماذا لا نسجل هذه الآراء الفقهية ونضعها فى الفضاء الإلكترونى، ونوفر على أنفسنا ملايين الجنيهات التى تُنفق سنويًا على جامعة الأزهر وما تتبعها من كليات دينية ومعاهد دينية؟ ما الذى سيقدمه أى أستاذ فى جامعة الأزهر إذا كان يؤمن بأن الشريعة والفقه قد اكتملا بما وافق عليه علماء الإسلام من ألف عام؟ وأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان.
إن فتح كتب التراث والقراءة منها لا يستلزم سوى معرفة حروف اللغة العربية، ولا يحتاج ترديد ما قاله الفقهاء السابقون لدرجة الأستاذية أو الدكتوراه أو البكالوريوس، يكفى فقط أن يعرف الإنسان مجرد فك الخط.
لقد تسبب وجود الأزهر ودعم الدولة له فى تكلس وتخشب العقل المسلم، وأوجد مناخ من طلب الفتوى غير الضرورى، وجعل الاستسهال والكسل يصيبان الناس، فلا يفكرون فى أمور دينهم، ولا يتدبرون أمرهم بما يحقق غاية وجود الدين على الأرض وهو تحقيق العدالة وإتمام مكارم الأخلاق، وأن كل نفس بما كسبت رهينة، وأننا لن نحاسب أمام الله كإجماع، ولكن سنحاسب فردًا فردًا، وإنما جاءت الأديان كى تجعل العبودية لله، وأن كل ما فيه صالح الإنسان بما لا يضر إنسان آخر هو من الله.
كل هذه القيم يهدرها وجود مؤسسة كهنوتية تختص بالتفكير، كما يدعون، لكنه فى الحقيقة مجرد نقل اجتهادات سابقة نيابة عن عموم المسلمين، مما قتل روح الإسلام وأساء إلى الله ورسوله وحوّل المسلمين لقطيع يعبدون ما قال الفقهاء من دون الله.
ما الذى قدمه الأزهر للإسلام؟ إن معظم الاجتهادات التى يتمركز خلفها هى اجتهادات تمت قبل أن يتأسس، فإذا به يأتى ويحاصر الاجتهاد والتفكير ويُحصّن علماءه بحصانة ما أنزل الله بها من سلطان، ويطرد من إجماعه كل من يحاول أن يفكر وأن يشير إلى مخرج أو تأويل أو تفسير مختلف، حتى وإن كان لصالح عباد الله.
إن الطريقة التى تحدث بها الدكتور أحمد كريمة، وهو أستاذ بجامعة الأزهر، مع الأستاذة الدكتورة آمنة نصير، وهى زميلة لا تقل درجة علمية عنه إن لم تكن أعلى، لمجرد أنها قدمت رأيًا مخالفًا لما يقولون إنه اجماع، وقالت إنه لا يوجد نص يحرم زواج المسلمة من كتابى، لهى دليل على سيطرة الذكورية السامة على الأزهر وعلمائه.
فإذا كانت أستاذة للفلسفة الإسلامية لا تستطيع أن تجتهد، وأن تختلف كما اختلف ابن حنبل مع الشافعى أو غيرهما، وأن تعبر عن هذا الاجتهاد وتصرح به دون أن يتم إرهابها وتجريحها، مع وجود نص حديث من اجتهد وأخطأ فله أجر، ومن اجتهد فأصاب فله أجران.. فماذا يفعل عموم المسلمين، وكيف يعطل الأزهر بكهنوته نصوصًا صريحة تدعو المسلمين للتفكير والتدبر؟ وليته جعل التفكير حكرًا على علمائه، لكنه جعلهم مجرد سدنة وحفظة لأقوال الفقهاء القدماء.
لقد صادرت مؤسسة الأزهر الاجتهاد، فلم يعد للمسلمين أجر فى الدنيا أو فى الآخرة.
وللحديث بقية.