رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جهاد اللافاش كيرى


الأنصاف والمبتسرون غاضبون ومنزعجون، فقاموا برمي علب الجبن «فرنسي الاسم» والذي يُنتج ويُصنع في مصر وبأيادٍ مصرية في ماء الترعة الراكدة.

وسعد واطمأن بالهم لما سوف يفعله الماء المالح وما ستفعله تلك «الملاحة» من إفساد لذلك الطعام بغية مقاطعة وعقاب فرنسا بأكملها تقربًا للإله ونصرةً لرسوله ورسولهم!

أما الإله فقد دعانا جميعًا للتحدث عن نعمه قائلًا في النص القرآني المقدس «وأما بنعمة ربك فحدث»، واليوم لا يتحدَّث هؤلاء المقاطعون وهؤلاء الفتية وهؤلاء الغضبى من المبتسرين عن نعم الإله وخيراته التي يهبنا إياها والأموال التي يرزقنا بها ويجعل لنا دومًا المسببات التي من خلالها نحصل بها على المال ونشتري به تلك النعم والخيرات، ثم يأتي فتية ويلقون بها في الماء المالح ويدَّعون أنهم يتبعون تعاليم الإله وينصرون نبيه، بل ويتقربون للإله بإهدار نعمه.

ومن ثم حرمان المحرومين من تلك النعم بغلو وغبن لهؤلاء المحرومين والمساكين، فكان من الأجدى والأجدر التبرع بتلك النعم ومنحهم إياها بدلًا من التخلص منها وإعدامها حبًا في رسول الله.

فما رُمي عمدًا ومع سبق الإصرار في الماء الراكد كان من شأنه إطعام الجوعى وملء بطون من ينامون دون عشاء
ومن مَنّ الله عليه بِنعمِه قد حرم على نفسه نعمة العقل والإدراك، فأمام أفعال مثل تلك يكون على العقل السلام.
فعقلية مرتكبي ذلك الفعل تشبه عقلية من ذبح المدرس الفرنسي، تتشابك وتتلاقى تلك العقليات دومًا. فالذهنية واحدة والسلوك دومًا متشظٍ يتشابك ويتماهى مهما بدا مختلفًا، واعتقدنا أن هناك بونًا شاسعًا بين من رمى الطعام ومن ذبح، فمن يملك اليوم سكينًا ولديه ذهنية التعصب والغضب قتل بسكينه، ومن يملك المال ولديه ذات الذهنية اشترى الجبن وأهدره، والذهنية هنا واحدة والعقلية واحدة والعقيدة والفكر واحد.

كل منهما مارس الإهدار بمجانية «باهظة التكاليف». فمن يهدر الجبن اليوم يهدر الدم غدًا، ومن يملك السكين اليوم يذبح به، ومَن يملك المال اليوم يشتري الجبن ويهدره. وكما استطاع فعل ذلك في الطعام يستطيع غدًا شراء السكين والذبح به وإن لم يفعل -لأنه لا يستطيع -قد يمول ويكري من يستطيع الذبح ويظل شريكًا في القتل وفي الجرم بالتمويل أو التحريض، ومن يستطيع استخدام السكين اليوم سيصبح قاتلًا مأجورًا فيما بعد، فمن استخدم السكين اليوم حتمًا سيستخدمه غدًا وبعد غد. تكفي المرة الواحدة لجعله قاتلًا عتيد الإجرام.

ومَن يرى أن رمي الجبن فعلة بسيطة لا تقارن ولا ترقى لدرجة القتل، عليه أن يشتبك أولًا مع أحد هؤلاء الفتية الغيورين على دينهم ويحاول إقناعهم أو إثناءهم عن رمي الطعام ليرى عندئذ وجوههم الحقيقية، ولو أحدًا من هؤلاء لديه سكين في جيبه لاستخدمه حتمًا ضد من يحاول منعه أو إثناءه. فالعقيدة الخاطئة والفاسدة التي تتكئ دومًا على المقدس وتتذرع به تتملك من صاحبها فيصبح كمسلوبي الإرادة، ومسلوبو الإرادة مبرمجون على شيء يستحيل إثناؤهم عنه، وهنا تأتي خطورة الفكر والعقيدة لدى صاحبها، فتتربى لديه ذهنية يستحيل مواجهتها أو منعها من ممارسة العنف أو الإجرام، فالمتعصب مشروع مجرم والتعصف قنبلة موقوتة ومشروع جريمة.

الذهنية المتعصبة تجعل صاحبها مجرمًا، ويطفو ذلك على السطح على هيئة سلوك عندما تحين الفرصة وتسنح
ومهما بدا صاحب تلك العقيدة وتلك الذهنية هادئًا متزنًا مسالمًا، فاعلم أن ذلك السلم عليك اختباره عمليًا في موقف عملي وفي واقعة تعيشها لتتأكد أولًا، فالسلمية لا تستوي ولا تكمن في قلب متعصب، السلام يحتاج لقلب سليم، ولا يستوي حب النبي في قلب متعصب، القلب الغاضب لن يستطيع إدخال السلم لداخله، السلام الداخلي يحتاج لقلب سليم، قلب يخلو من الغضب وتملؤه المحبة وذهنية تخلو من العنف، ويستحيل أن تستقر محبة النبي إلا في قلب سليم، ولن يعرف المتعصب الله إلا بقلب سليم، وهؤلاء الغضبى المتعصبون لا يأتون الله حتمًا بقلب سليم.