رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وكان لكنيسة الإسكندرية السبق «2-2»


أول نظام فى العالم فى أسس الرتب الكنسية وضعته الكنيسة القبطية، وهو النظام المعمول به فى بقية الكنائس الأرثوذكسية، ففى الكنيسة ثلاث رتب كنسية: «١» رتبة الشموسية «بها سبع درجات هى: القيّم أى الذى يتولى إعداد القُربان، أبصلتس أى المُرتل، أناغنوستس أى القارئ، إيبوذياكون أى مساعد الشماس، تى ذياكون أى الشماسة المرأة، ذياكون أى الشماس الكامل، وهو الذى توضع عليه اليد، أى أنه صار مُخصصًا لهذه الخدمة، أرشيذياكون أى رئيس الشمامسة، وهى درجة إدارية لا توضع عليها اليد».
«٢» رتبة القسيسية «بها درجتان فقط هما القس، وهو الذى توضع عليه اليد، والقمص وهى درجة إدارية فقط».
«٣» رتبة الأسقفية بها درجتان فقط وليس ثلاثًا، هما درجة «الأسقف»، وهى درجة توضع عليها يد البابا البطريرك ومعه بقية الأساقفة عند إقامة الراهب فى هذه الدرجة، ويتم تغيير اسمه من اسمه الرهبانى إلى اسم آخر ويحمل عصا يُطلق عليها اسم «عصا الرعاية» رمز للسلطان الروحى الذى أخذه لرعاية شعبه بالأبوة والبر والعطف والحب، ولا يوجد ما يُسمى بالأسقف العام، والدرجة التالية هى درجة «المطران» وهى درجة إدارية بحتة لا توضع عليها اليد، إنما يقوم البابا البطريرك منفردًا بترقية أسقف مدينة كبيرة إلى درجة مطران فى نفس مكان إيبارشيته وليس فى مكان آخر، وفى هذه الترقية لا يشترك أى من الأساقفة الآخرين مع البابا البطريرك فى الترقية.. أما موضوع البطريرك، فهذه قصة أخرى.
عند اختيار أسقف لمدينة أو إيبارشية الإسكندرية يتم نفس الذى يتم إجراؤه عند إقامة أساقفة الإيبارشيات الأخرى، أى اختيار أحد الآباء الرهبان الأفاضل من أحد الأديرة المصرية، وهنا يشترك جميع أساقفة الكنيسة القبطية فى وضع أيديهم عليه ليقيموه أسقفًا للإسكندرية، وفى تلك اللحظة مباشرة يحمل لقب «بابا وبطريرك» لأن مدينة الإسكندرية لها كرامتها الخاصة، من هنا فإن أسقف الإسكندرية هو الوحيد الذى يحمل لقب بابا وبطريرك.
لذلك لا يمكن ترقية الأسقف ليكون بطريركًا، ولا ترقية مطران ليكون بطريركًا، فالبطريرك لقب وليس ترقية، ومن ثم لا يوجد ما يُسمى بلائحة انتخاب بطريرك، بل هى «لائحة انتخاب أسقف الإسكندرية». وحيث إن درجة المطران أعلى من درجة الأسقف، وحيث إن البابا البطريرك هو أسقف الإسكندرية فقط لا غير، فمن ثم لا يكون البابا البطريرك أعلى من المطران! والبابا البطريرك «الذى هو أسقف الإسكندرية» ليست له سلطة، وليس له أن يتدخل فى شئون أسقفية أخرى، وليس له أن يستقطع جزءًا من أى أسقفية طالما أسقفها الذى أقيم عليها ما زال حيًا.
ثم حدث مؤخرًا أن أحد الأشخاص فى الولايات المتحدة الأمريكية اخترع ماكينة لإعداد القربان، على الرغم من أن إعداد القربان هو عمل أول درجة من الرتب الشماسية، وهى درجة جليلة بكل الاحترام، ولا يمكن الاستغناء عنها. كما أن مرحلة إعداد القربان يلزمها حياة صلاة ويقظة روحية وليست «ثقافة» أو«فلسفة»، ولا ماكينة إعداد.
فى الكنيسة الأولى كانت الكنيسة منقادة بروح الله، فلا تحدث شاردة أو واردة إلا وكان روح الله المحرك لها، وهكذا كانت تُبنى الكنائس بروح الخدمة أولًا وأخيرًا.
لقد رأينا البابا كيرلس السادس الذى عاش بيننا ورأيناه كان يعيش على مبدأ: «إن عشنا فللرب نعيش، إن متنا فللرب نموت، إن عشنا وإن متنا فنحن للرب»، عاش فقيرًا ورحل غنيًا بالفضائل، كان رجال الدين بسطاء بالحقيقة لكنهم كانوا مملوئين بروح الله، فكانت الخدمة حسنة، انظروا مثلًا لما حدث فى انتخابات عام ٢٠١٢، عندما أقرت لجنة الانتخابات حتمية أن يجتاز المُرشح اختبارات فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وفى النهاية لم نرَ أيًا من اللغتين، لا الإنجليزية ولا الفرنسية، ولا حتى العربية.
أيضًا عندما أراد الرومان إصلاح تقويمهم واستبدال السنة القمرية بالسنة الشمسية استقدموا فلكيًا مصريًا من الإسكندرية يُدعى «سوسيجنس» ليُجرى لهم هذا الإصلاح، فأسس التقويم الشمسى، وقد أصدر الإمبراطور «يوليوس قيصر» فى سنة ٧٠٩ من تاريخ تأسيس روما، وهى السنة الموافقة لسنة ٤٦ قبل الميلاد، أمرًا بتعميم التقويم الشمسى فى جميع أنحاء الأمبراطورية الرومانية، وظل هذا التقويم معمولًا به سنوات طويلة تحت اسم «التقويم اليوليانى» نسبة إلى يوليوس قيصر.
جاء بعد ذلك الراهب الأنجلوسكسونى «بيد» «٦٧٣ – ٧٣٥م»، ووضع تاريخًا للكنيسة نسب جميع الأحداث إلى ميلاد السيد المسيح، ومن هنا شاع استعمال التقويم الميلادى فى القرن الثامن الميلادى وتعدلت جميع حوادث العالم وفقًا لميلاد السيد المسيح. فى سنة ٧٣٠م أعلن نفس الراهب عن أن السنة المدارية الشمسية تتكون من: «٣٦٥ يومًا، ٥ ساعات، ٤٨ دقيقة، ٤٦ ثانية» أى بنقص قدره: «١١ دقيقة، ١٤ ثانية» عن السنة اليوليانية، وأن تكرار هذا الخطأ بالزيادة يُنشئ يومًا كاملًا زائدًا كل ١٢٨ سنة، إلا أن أحدًا لم يلتفت إلى دعواه ليُجرى هذا التصحيح.
استمر هذا الحال ٨٠٠ سنة أخرى تجمع فى النهاية ١٠ أيام خطأ بالزيادة فى التقويم اليوليانى، إلى أن قام بابا روما «جريجورى الثالث عشر» فى سنة ١٥٨٢م وأصدر أمرًا بإسقاط عشرة أيام من النتيجة اليوليانية واعتبار يوم الجمعة الموافق ١٥ أكتوبر ١٥٨٢ هو اليوم التالى ليوم الخميس الموافق ٤ أكتوبر ١٥٨٢، أى أنه أسقط العشرة أيام الزائدة دون المساس بتسلسل الأيام الأسبوعية. ثم أوجد حلًا لتلافى تكرار وقوع هذا الخطأ مستقبلًا، ووفق فى هذا الحل أيضًا، حيث رأى أن خطأ ٣ أيام بالزيادة ينتج من توالى مرور ١٢٨ سنة ثلاث مرات، وفكّر فى إسقاط ٣ أيام كل ٤٠٠ سنة، وبذلك نجح فى استبعاد ٣ أيام فقط كل ٤٠٠ سنة، ويُسمى التقويم المُستحدث باسم «التقويم الجريجورى» نسبة إليه.
تمسكت الكنائس الشرقية بالتقويم اليوليانى، فنجد الكنيسة القبطية والكنيسة الروسية والكنيسة القبرصية والكنيسة اليونانية «وبالتحديد أديرة جبل آثوس التى تزيد على ٢٢ ديرًا» والكنيسة الأرمينية تحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح فى ٧ يناير. ثم بخصم ١٣ يومًا يكون ٢٥ ديسمبر وهو الذى تحتفل به الكنائس الغربية. فالاختلاف إذًا اختلاف فى التقاويم فقط وليس فى العقيدة.
وكل من الفريقين يعتز بالتقويم الذى يتبعه، لذلك الحديث عن توحيد العيد أمر مستبعد وبالأخص نحن فى الكنيسة القبطية العريقة يقع عيد الميلاد فى ٢٩ كيهك، طبقًا للتقويم القبطى، الذى نعتز به نحن الأقباط، وعندما أصر مطران لوس أنجلوس على الاحتفال بعيد الميلاد يومى ٢٥ ديسمبر و٧ يناير، وجد رفضًا من أقباط المهجر وفشلت المشورة الباطلة التى أوحى إليه بها أحد الأساقفة فى مصر، الكنيسة لها تقاليدها المقدسة.
أما موضوع عيد القيامة، فالأمر منتهٍ تمامًا، فقد تحددت طريقة حسابه منذ العصر الرسولى الأول، كما وضعه الآباء الرسل، ثم تثبت فى المجامع المسكونية فى القرن الرابع الميلادى، لذلك فالآراء الشخصية لتغيير هذا العيد أمر مستبعد، بل ومرفوض وعدم أمانة منا للآباء الأولين، بل هو تبعية مطلقة لكنيسة روما التى انحرفت عن النظام الذى وضعته المجامع المسكونية، فبالأولى أن نحث كنيسة روما على تصحيح نفسها وتتبع التقليد الصحيح وتعاليم الآباء.
هذه قصة كنيسة الإسكندرية التى تأسست عام ٦٤م، وما زالت باقية شامخة تؤدى رسالتها الروحية كما تسلمتها من الآباء الأولين بكل أمانة وصدق، رغم ما شاب بعض التقاليد الكنسية من انحرافات لن تدوم حتى يعود لكنيسة الإسكندرية مجدها التليد. الكنيسة القبطية بها حراس أمناء على التقاليد التى تثبتت على مدى العصور بإلهام من الروح القدس ومارسها الآباء والأبناء الأتقياء، لذلك من المستحيل أن يتم تغيير تقاليدها العريقة ونظمها الثابتة.