رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضد الانصهار.. كيف تتعامل إسرائيل مع أزمة أحفاد اليهود فى العالم؟

احفاد اليهود
احفاد اليهود


سعت الحركة الصهيونية إلى استقدام اليهود من شتى أنحاء العالم إلى «أرض الميعاد»، للحفاظ على اليهود من الاندماج فى المجتمعات الأخرى، وحتى لا يضيعوا بين شعوب العالم، إلا أن الخلاف بين المتدينين والعلمانيين حول مَن هو اليهودى، والخلاف حول الموقف القانونى لأبناء وأحفاد العائلات اليهودية من غير اليهود، وموقف أبناء الزواج المختلط- ظل غير محسوم، رغم مرور عقود على هذه الخلافات.
ومع اندماج الأجيال الجديدة وأحفاد اليهود خارج إسرائيل فى ثقافات مجتمعاتهم، فى ظل سعى كثير من المجتمعات لاستيعاب الأقليات، عادت قضايا مثل «قانون العودة» و«تعريف اليهودى» إلى الواجهة فى الآونة الأخيرة، مع تساؤلات حول مستقبل أبناء وأحفاد اليهود فى العالم، أو ما يعرف بـ«بند الحفيد»، والموقف من دعوة هؤلاء للهجرة إلى إسرائيل.
«الدستور» تتناول فى السطور التالية طبيعة الخلافات داخل إسرائيل حول «قانون العودة»، على خلفية مناقشات الكنيست الإسرائيلى، مؤخرًا، مقترح إلغاء «بند الحفيد»، الذى قدمه أحد نواب حزب «اليمين»، وما واجههه من معارضة كبيرة أدت لسحب المشروع، مع التعهد بطرحه مجددًا فى وقت لاحق.


الخلاف على تعريف اليهودى يثير الجدل حول قانون «حق العودة»

يعد «قانون العودة» أحد أهم الأسس التى وضعتها الحركة الصهيونية لحل مشكلة الشعب اليهودى، فمن خلاله تمكن اليهود من القدوم إلى ما تسمى «أرض الميعاد»، وأصبح لهم حق الحصول الفورى على الجنسية الإسرائيلية.
ويسرى القانون على كل مَن ولد يهوديًا «أى أبناء اليهودية أو أحفاد اليهودية من طرف الأم»، ومَن هم من أصول يهودية «أى أبناء وأحفاد اليهودى»، بالإضافة إلى معتنقى اليهودية.
وبشكل عام، هناك تباين داخل إسرائيل حول تعريف «اليهودى»، وهو ما انعكس على الاعتراف بإدراج الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية بموجب «قانون العودة» كـ«يهود» فى تعداد السكان.
ووفقًا لتعريف الشريعة اليهودية «الهالاخاه»، فإن اليهودى هو ابن اليهودية أو من اعتنق اليهودية، لكنّ اليهود الأصوليين لا يعترفون باليهود من أصحاب المذاهب الإصلاحية أو المحافظة، رغم أن القانون ينص على حق أى يهودى، بغض النظر عن مذهبه، فى الهجرة إلى إسرائيل والحصول على المواطنة.
ورغم قدم المناداة به، ترجع نصوص «قانون العودة» إلى عام ١٩٥٢، حين أقر الكنيست قانونًا يعطى هذا الحق لليهود فقط، لكن تعديلات أجريت على القانون عام ١٩٧٠ أقرت حقوق القادمين الجدد، وأبناء وأحفاد اليهودى، وأزواج الأبناء والأحفاد.
وحتى الآن، لا يوجد تعريف واضح لمَن هو «اليهودى»، ومَن هو الذى يستحق «حق العودة»، لعدم تضمينه فى القانون، الذى يسمح باستثناء أى يهودى من حق المواطنة الإسرائيلية فى حال شكّل خطرًا على الدولة، بالإضافة إلى استثناء أصحاب السوابق الخطيرة، كالقتل، أو الهاربين من العدالة فى دول أخرى من هذا الحق، وكذلك حرمان اليهودى الذى غيّر دينه طواعية.
ويرفض التيار الدينى المتشدد فى إسرائيل الاعتراف بيهودية كثير من المهاجرين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بموجب «قانون العودة»، ويحول دون زواجهم على الطريقة اليهودية برعاية الحاخامات.
فيما يرحب التيار العلمانى بمنح حق العودة لأكبر عدد ممكن، فى ظل الرغبة فى زيادة معدلات الهجرة للحد من الخطر السكانى، الذى يشكله الوجود الفلسطينى ونموه، لذا يدعو إلى تعديل القانون لتوسيع قاعدة المؤهلين للسفر إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها.
وفى هذا الإطار، يستمر الجدل بين المتدينين والعلمانيين حول «قانون العودة»، ففى حين يرغب البعض فى الحفاظ على القانون فى صورته الحالية، يريد البعض الآخر تعديله، بينما يسعى آخرون إلى إلغائه، لأنه سمح بمنح الجنسية لكثيرين من غير اليهود.
وبين مؤيدى بقاء «قانون العودة»، يظهر جدل آخر حول صيغة القانون، بسبب تعريف اليهودى، وموقف يهود الشتات، واختلاف الآراء حول تعريف «الدولة اليهودية».
ويظهر قانون العودة باستمرار على الأجندات الخاصة والعامة فى إسرائيل، وسبق للكنيست أكثر من مرة مناقشة مقترحات بتعديله، كما وافق على بعض التعديلات استجابة للمتغيرات داخل المجتمع الإسرائيلى، والتحولات التى طرأت على الحوار السياسى فى إسرائيل، وطبيعة العلاقة مع «يهود الشتات».
وبالإضافة إلى الجدل حول القانون تشريعيًا، أبدى العديد من وزراء الداخلية فى إسرائيل ترددهم فى تطبيق قانون العودة، كما دعا البعض لتدخل القضاء للتعبير عن رأيه فى هذا القانون، فى ظل الجدل حول من يملك حق البت فى صحة تحول غير اليهود إلى اليهودية ومنحهم الجنسية، خاصة أن البعض يفعل ذلك لأسباب تتعلق بحصوله على الجنسية والسماح له بالمواطنة، وسط رفض العلمانيين تولى الحاخامات سلطة البت فى ذلك.

«بند الحفيد» وسيلة لاستيعاب «أبناء الشتات» ومواجهة «الزواج المختلط»

فى «قانون العودة»، يتيح ما يعرف بـ«بند الحفيد» عودة أحفاد اليهود إلى إسرائيل، بهدف مواجهة انصهار واختفاء الأقليات اليهودية فى «الشتات»، بعد انتشار الزواج المختلط مع غير اليهود.
ويسمح هذا البند لأحفاد اليهود من الجيل الثالث بأن «يصلحوا» انصهار آباء آبائهم فى المجتمعات الأخرى، عن طريق الاندماج فى اليهودية مرة أخرى، والهجرة إلى إسرائيل، والزواج من يهود إسرائيليين، لإصلاح المسار الخاطئ الذى اختارته الأجيال السابقة، ولمعالجة انفصالهم عن التجمعات اليهودية.
من جانبهم، يفضل اليهود المتشددون حصر الاندماج على من يعتبرونهم يهودًا حقيقيين وفق التعريف الأصولى، مع ترك كل من خرج عن المجتمعات والحدود اليهودية للاندماج فى مجتمعاتهم الجديدة.
ويعارض العلمانيون ذلك، مستشهدين بأن اليهود، رغم حرصهم على نقائهم العرقى، فإنهم سمحوا فى تاريخهم باندماج مجموعات عرقية أخرى فى اليهودية، سواء فى العصر الرومانى أو قبله، وهو ما حدث فى اليمن زمن ملوك حمير، وفى الأردن قديمًا، وفى إفريقيا والغرب أيضًا.
ويطالب العلمانيون بإجراء إصلاحات تتعلق بشروط انضمام غير اليهود لـ«الأمة اليهودية الإسرائيلية»، استنادًا إلى أطروحات المفكر الاجتماعى السياسى زئيف جابوتنسكى، الذى كان ناشطًا فى الحركة الصهيونية فى روسيا عام ١٩٠٦، وكتب مقالًا بعنوان «أهدافنا»، قال فيه: «الانتماء إلى الأمة اليهودية يجب أن يتقرر بواسطة تصريح شخصى، دون علاقة بالإيمان الدينى للمصرح».
كما يستند العلمانيون إلى مبدأ الفصل بين الدين والدولة، الذى يعتبرونه أحد أسس الحركة الصهيونية من أجل بناء دولة يهودية عادية، ينصهر فيها أبناء الأقليات الدينية المختلفة، داعين إلى إحيائه مجددًا لبلورة طريق سياسى يسهل الانضمام للشعب اليهودى فى إسرائيل.