رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أذربيجان وإسرائيل وبينهم روسيا .. عن علاقات موثقة في المخابرات الأمريكية


جاء إعلان وزارة الخارجية الأرمينية في الأول من هذا الشهر، بأنها استدعت سفيرها من إسرائيل للتشاور، لما توافر لديها بشأن بيع أسلحة إسرائيلية لأذربيجان، وبالطبع لم يكن هذا أمرًا مفاجئًا أو ردة فعل حول صفقة بعينها. لذلك مرت الأيام والأسابيع وتطورت عمليات القتال بين أرمينيا وأذربيجان، دون أن تشأ وزارة الخارجية الإسرائيلية التعليق على سحب السفير الأرمينى، فضلًا عن عدم الخوض بالطبع في تفاصيل مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان. فالأمر طبقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام المعروف اختصارًا باسم "سيبيري"، فإن إسرائيل مدت أذربيجان في الفترة من العام 2006 إلى عام 2019، بأسلحة قدرت قيمتها بـ(825 مليون دولار). شملت تلك الصادرات الإسرائيلية وفقًا لمعلومات المركز الدولي الأبرز في شئون التسلح، طائرات مسيرة وصواريخ مضادة للدبابات والدروع، وأنظمة صواريخ أرض – جو، فضلًا عن مجموعة متنوعة من الذخائر.

مؤخرًا نشر أكثر من 400 صحفى تقريبًا من 90 دولة حول العالم، تحقيقًا مشتركًا في معاملات مشبوهة، تجاوزت التريليون دولار عبر بنوك أمريكية. استند هذا التحقيق الموسع إلى الملفات السرية للاستخبارات المالية الأمريكية - شبكة مكافحة الجرائم المالية المعروفة اختصارا بـ(FinCEN). كشف فيها عن تفاصيل مالية سرية لشحنات أسلحة من إسرائيل إلى أذربيجان، مسجل الكثير من المعلومات عنها في أرشيف (FinCEN)، منها أن الشركات الإسرائيلية الخاصة بالدولة التي تزود أذربيجان بالسلاح، دفعت ملايين الدولارات لوسطاء في الخارج مرتبطين بنظام الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف"، حيث قام تجار الأسلحة الإسرائيليون بتحويل الأموال لوسطاء فى الخارج عبر بنك روسي، تملكه زوجة "سيرجي تشيميزوف" رئيس الشركة الخاصة للدولة "روستيك"، وزميل سابق لفلاديمير بوتين في المخابرات الروسية. ففي ديسمبر 2017 أرسل موظفو "بنك نيويورك" إلى (FinCEN)، تقريرًا عن غسيل أموال محتمل بأكثر من (100 مليون دولار)، عندما لفت انتباه موظفي البنك الأمريكي معاملات الشركة الإسرائيلية الخاصة بالدولة للصناعات العسكرية، وهي الشركة (IMI Systems Ltd) المحدودة إلى شركة (Jetfield Network)، حيث دفعت الشركة الإسرائيلية للشركة الأخرى (5 ملايين دولار) في ستة أشهر من عام 2017. وبالطبع ذكر بالتقرير البنكي أن الشركة الإسرائيلية مملوكة بالكامل للدولة، ومما اتضح لاحقًا أن هذه الشركة تزود أذربيجان بصواريخ لأنظمة إطلاق صواريخ متعددة، بما في ذلك "جراد" و "لينكس"، التي تستخدم بنشاط في المعارك في ناجورنو كاراباخ هذه الأيام. وجاء بالتحقيق الصحفي أن شركة (Jetfield Network) على الرغم من أنها مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، فإن الشركة كانت تتلقى خدماتها من البنك الروسي (International Financial CLUB)، والذي يتشارك فيه رجل الأعمال "ميخائيل بروخوروف" و"كاترينا إجناتوفا" زوجة رئيس شركة "روستيك" سيرجي تشيميزوف!
مما كشف النقاب عنه أيضا؛ أن مراسلي المركز الدولي لدراسة الفساد والجريمة المنظمة (OCCRP) اكتشفوا أن شركة (Jetfield Network) مرتبطة بشكل مباشر بالسلطات الأذربيجانية، واستخدمت من قبلهم لرشوة السياسيين الأوروبيين. في الوقت الذي توصل فيه مكتب المدعي العام الإيطالي، إلى أن الشركة في العام 2013 دفعت لمجموعة من الشركات تابعة لسياسيين إيطاليين، أبرزهم (Luca Volonte) الرئيس السابق لحزب الشعب الأوروبي. ففي الرسائل التي اعترضها مكتب المدعي العام الإيطالي، جاءت مدفوعات فولونتي وكذلك مدفوعات لسياسيين أوروبيين آخرين، ليكتشف المدعي الإيطالي أن القضية مع البرلماني الإيطالي السابق ليست الوحيدة، بل هي تمثل جزءا من خطة واسعة النطاق تسمى "أذربيجان 2020". حيث تهدف الخطة إلى تحسين صورة أذربيجان الدولية، التي تضررت بشدة من المضايقات المستمرة للصحفيين المستقلين والمعارضة، فيما يخص ملف انتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من القضايا الأخرى، لذلك كانت هذه الخطة بمبادرة شخصية من الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف. وفي وثائق ملفات المخابرات المالية الأمريكية، لم تتأكد تلك المعلومات فحسب، بل وثقت أيضا أن النظام الأذربيجاني لم يستخدم شركة (Jetfield Network) في رشوة السياسيين الأوروبيين فقط، بل أيضا للحصول على مدفوعات مشبوهة من مورد أسلحة إسرائيلي، ولعب في ذلك الدور المهم البنك الروسي المملوك من قبل زوجة تشيمزوف (International Financial CLUB).
وهنا يثور تساؤل هام؛ حول السبب الذي تحتاجه هذه السلسلة من تجار الأسلحة الإسرائيليين والوسطاء في الخارج، والسلطات الأذربيجانية، إلى بنك روسي؟ وقد أجاب التحقيق المطول عن هذا السؤال وفق خبراء دوليين، أشاروا إلى أن مثل هذه "المعاملات الدقيقة"، عندما يتعلق الأمر بشحنات الأسلحة والمدفوعات إلى الوسطاء في الخارج، من المهم أن يكون هناك علاقة تغطية وثقة مع المصرفيين، حتى لا يتم حظر المعاملات على الفور. وبهذا المعنى يكون البنك الروسي خيارا منطقيا، للشركات المشاركة في مخططات توريد الأسلحة، باعتبار ملكيته المقربة من شركة "روستيك" الروسية، وهي الشركة الحكومية القابضة التي تضم شركات سلاح روسية عديدة وشهيرة. فعلى سبيل المثال من عشرات الوقائع التي جاءت بالتحقيق، قامت الشركة الإسرائيلية (IAI) المملوكة للدولة، بدفع ما مجموعه (155 مليون دولار) لكلا من (Jetfield Network) و(International Financial CLUB)، وقد بدأت تلك المدفوعات المشبوهة فور توقيع الصناعات الجوية الإسرائيلية في عام 2012، عقدا مع أذربيجان لتوريد أسلحة بقيمة (1.6 مليار دولار)، وهذا مما كشفت عنه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" مؤخرا داخل طيات التحقيق المشار إليه. لذلك وباعتبار إسرائيل قد انضمت، إلى اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة للمسؤولين الأجانب في عام 2009، لذلك ففي حال تثبتت وكالات إنفاذ القانون الإسرائيلية أن المدفوعات من الشركات المملوكة للدولة، إلى الشركات الخارجية المرتبطة بنظام إلهام علييف، يمكن حينها أن تمثل عمولات غير شرعية على توريد الأسلحة، مما سيؤدي حتما إلى توجيه اتهامات جنائية لمسؤلين إسرائيليين يرقبون ما يجري حولهم بقلق بالغ، فكشف النقاب يجري بخطوات متسارعة على وقع انفجارات ناجورنو كرباخ، التي تظل هي الأعقد بتلك الشبكة الممتدة من الفساد والأموال السوداء.