رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ظروف تولى مبارك الحكم


لمْ يتنبهْ الرئيس مبارك لخطورةِ الجماعاتِ الإرهابيةِ التي قتلتْ الساداتْ، وشعرتْ أجهزةُ الأمنِ بالراحةِ بعد اختفاءِ تلكَ الجماعاتِ لسنواتٍ قليلةٍ، في اعقاب قتل السادات، في فترةِ كمونٍ لمْ تطولَ. وبدأتْ تلك الجماعات في الظهورِ العلنيِ في كلِ قرى مصرَ ونجوعها. ظهروا بملابسهمْ المعروفة. مارسوا الحكم في بعضَ القرى، واغتصبوا سلطات الحكومةِ والقضاءِ والشرطةِ.
لمْ يهتمْ الرئيسْ مباركْ بوجودِ خللٍ في أجهزةِ الأمنِ، عندما تعرضَ كلُ رجالهِ إلى محاولاتِ الاغتيالِ، ابتداء منْ الخفراءِ النظاميينَ إلى رئيسِ الوزراءِ، وتمَ اغتيالُ ومحاولةُ اغتيالِ كُتَّابٍ ومثقفين كبارٍ محسوبينَ على الدولةِ، أمامَ عينيهِ. ولمْ يفكرْ في محاولةٍ لإيقافِ الدماءِ، سوى اللجوءِ إلى المفاوضاتِ معَ الإرهابيينَ عنْ طريقِ وزيرِ داخليتهِ عبدَ الحليمْ موسى، ومحاولةُ هزيلةٌ لتصحيحِ مفاهيمِ بعضِ قادةِ الجماعاتِ.
ونعود الى ظروف تولى الرئيس مبارك الحكم.
وصل مبارك الى الحكم من منصب نائب الرئيس. يلاحظ أن التعيينات في منصب نائب الرئيس منذ عهد ثورة يوليو 1952 اقتصرت على أعضاء مجلس قيادة الثورة، فيما عدا فترة الوحدة مع سوريا.
في عهدِ الرئيسِ الراحلِ محمدْ أنورْ الساداتْ تم تعيين نائبينِ، أولهما النائبُ محمدْ فوزي فقدْ خدمَ في الفترةِ منْ ينايرَ 72 حتى سبتمبرَ 74. وفي 15 أبريلَ عامَ 1975، تمَ تعيينُ الرئيسِ الأسبقِ حسني مباركْ نائبًا للرئيسِ بعدَ عامٍ واحدٍ منْ تعيينهِ برتبةِ فريقِ أولِ طيارٍ. لدينا أربعة روايات عن كواليس تعيين الفريق حسني مبارك نائبا للرئيس.
الأولى. رواها الكاتبُ الصحفيُ محمدْ حسنينْ هيكلْ في كتابهِ مباركٍ وزمانهِ
حيثُ يحكي هيكل أنَ الرئيسَ حسني أنورْ الساداتْ سألهُ ذاتَ يومٍ: أجدُ نفسي حائرا بشأنَ منصبِ نائبِ الرئيسِ في العهدِ الجديدِ بعدَ أكتوبرَ 1973. وقتها كانَ السيدُ حسينْ الشافعي نائبا للرئيسِ وقتها، وكانَ الرئيسْ الساداتْ يرى أنَ جيلَ يوليو 1952 لمْ يعدْ يصلحُ، والدورُ الآنَ على جيلِ أكتوبرَ، ولا بد أنْ يكونَ اختياريٌ لنائبِ رئيسِ الجمهوريةِ، منهُ ومنْ قادتهِ.
في ذلكَ الوقتِ كانَ هناكَ خمسةَ منْ القياداتِ أولهمْ أحمدْ إسماعيلْ، وقدْ توفيَ، والثاني هوَ الجمسي والثالثَ هوَ محمدْ علي فهمي (قائدُ الدفاعِ الجويِ) والرابعِ محمدْ حسني مباركْ (قائدُ الطيرانِ) والخامسُ والأخيرُ هوَ الفريقُ فؤادْ ذكرى قائدِ البحريةِ.
يقولَ هيكلٌ إنهُ سألَ الساداتْ قائلاً: لماذا تحشرُ نفسكَ في هذهِ الدائرةِ الصغيرةِ، بمعنى أنكَ لماذا تتصورُ أنَ جيلَ أكتوبرَ هوَ فقطْ هؤلاءِ القادةِ العسكريونَ للمعركةِ؟. وهنا ردُ الساداتْ على هيكلٍ: أنتَ تعرفُ أنَ الرئيسَ في هذا البلدِ لخمسينَ سنةً لا بدَ منْ أنْ يكونَ عسكريا، وإذا كانَ كذلكَ، فقادةُ الحربِ لهمْ أسبقيةٌ على غيرهمْ.
حاولَ هيكلُ أنْ يشرحَ للساداتِ رأيهُ في القادةِ العسكريينَ ببعضِ السيناريوهاتِ المستقبليةِ في حالِ اختيارِ أحدهمْ نائبا للرئيسِ، فقالَ لهُ: أنَ أكتوبرَ كانتْ حربُ كلِ الشعبِ، ثمَ إنكَ قلتْ لليْ الآنِ عنْ اعتزامكَ تكليفَ وزيرِ الداخليةِ اللواءُ ممدوحْ سالمْ برئاسةِ الوزراءِ، وأخشى باختياركَ هذا أنكَ تكونُ قدْ جعلت الوزارةِ بوليسية، ثمَ إنكَ باختياركَ لمباركْ نائبا لكَ تكونُ قدْ عسكرتْ الرئاسةُ، وربما يصعبُ على الناسِ قبولَ الأمرينِ معا في نفسِ الوقتِ. اندهشَ الساداتْ منْ كلامِ هيكلٍ لعدمِ إدراكهِ بأهميةِ أنْ يكونَ رئيسُ مصرَ القادمِ عسكريا، ثمَ سألهُ: ألستُ تعرفُ أنَ ذلكَ كانَ رأيُ المعلمِ أيَ جمالْ عبدِ الناصرْ؟ فأجابهُ هيكلٌ: الظروفُ ربما تغيرتْ وليسَ لدى تحيزٍ ضدَ رئيسٍ عسكريٍ، لكنهُ معَ ضابطِ بوليسْ في رئاسةِ الوزراءِ، وضابطَ طيارٍ في رئاسةِ الجمهوريةِ، فإنَ الصورةَ ما بعدَ الحربِ سوفَ تبدو تركيزا على الضبطِ والربطِ لا تبررهُ الأحوالُ، أما فيما يتعلقُ برأيِ جمالْ عبدِالناصرْ فإنَ مسئولياتِ الحربِ ومنجزاتها، تغيرتْ كثيرا عندما التحقَ شبابُ المؤهلاتِ بجيشِ المليونِ على الجبهةِ.
يتبع