رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلينتون إخوان جيت


الوثائق التى سربتها الإدارة الأمريكية عن رسائل هيلارى كلينتون لـ«الإخوان» قبل وصولها الحكم وأثناء وجودها فى سدة الحكم تكشف عن عمالة هذه الجماعة، وأنها تعمل لمصلحة قوى أجنبية شريرة تريد تدمير البلاد.
وقد حسم الرئيس عبدالفتاح السيسى ما يثار عن إمكانية التصالح مع أدوات الشر فى المنطقة، فقال فى الندوة التثقيفية الأخيرة إنه لا تصالح مع من يعمل على تدمير بلادنا، إذ كيف نتصالح معهم وهذا هو أثر فأسهم، وقد ظهر من خلال الوثائق المسربة أن أمريكا كانت ترتب لتوثيق العلاقة بين الإخوان وإسرائيل، والغريب أن هذه العلاقة المشبوهة كانت قائمة منذ زمن، والأغرب أن الغافلين ظلوا فى غفلتهم سنوات وسنوات، رغم أن آثار هذه العلاقة لم تكن تخفى على أحد.
نعم هناك علاقات بين إسرائيل والإخوان ونحن نملك الأدلة عليها، ولكن الجهلاء يغلقون عقولهم، والأغبياء لا يصدقون، مع أن شمس الحقيقة لا تخفى إلا على من فى عينيه قذى، ولا يظن أحد أننى أخفى الأدلة فى بيتى، ولكنها كلها جاءت على لسان الإخوان، أو فى أوراقهم، وقد أصبح معروفًا للكل أن الإسرائيلى «حاييم سابان»، الذى يعتبر أحد ملوك الإعلام فى العالم، هو أحد شركاء يوسف ندا، بل إنه كان شريكًا له ومؤسسًا فى بنك التقوى، وهو الذى كان صاحب الدور الأكبر فى إلغاء قرار مجلس الأمن بحظر شركات يوسف ندا، ومن خلال شركة يوسف ندا «التقوى للتجارة والمقاولات» التى كانت إحدى شركات بنك التقوى، ووفقًا للسجلات التى كشفت عنها سويسرا عن نشاط هذه الشركة كتبت صحيفة «لوتون» السويسرية مُبرئة يوسف ندا وبنك التقوى من دعم الإرهاب، وفقًا لما وقع تحت يدها من بيانات الغرفة التجارية الدولية السويسرية: إن شركة يوسف ندا هى أكبر شركة داعمة لبناء المستوطنات لإسرائيل، وإنها أكبر مورد للأسمنت لشركات المقاولات الإسرائيلية، ويعرف كل قادة الإخوان هذه الحقيقة، ويعرفون أيضًا أنه عندما اعترض بعض قادة الإخوان على ذلك قال لهم يوسف ندا: «المال ليس له دين ولا وطن»!
ولذلك فإنه فى عالم السياسة وفى العوالم الأخرى أيضًا لا تنخدع بالظاهر، لكن تمهل وانظر واستبصر وحلل واجمع المعلومات ما استطعت، وقتها ستعرف أن الظاهر ليس هو الحقيقة دائمًا، وكم خَدعت المظاهر البراقة عيون وعقول الدهاة، ولكنها لا بد أن تنكشف يومًا ما، فالظاهر الخادع يعيش دهرًا ثم يتبدد بددًا فتنكشف الحقائق من خلف دخانه.
وندخل إلى البيانات التى لا يستطيع أى أحد من الإخوان أن ينكرها، فقد سمعنا من هؤلاء الإخوان لسنوات طويلة، ورأينا أيضًا مظاهراتهم الطلابية وغير الطلابية فى مصر وفى غير مصر تخرج بهتافات صاخبة حماسية: «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود»، و«يا أقصانا لا تهتم راح نفديك بالروح والدم»، وشاهدنا آلاف الإخوان عند انتخابات الرئاسة، التى نجح فيها مرسى فى غفلة من الشعب، أقول شاهدناهم وهم يهتفون «على القدس رايحين شهداء بالملايين»! وعبر سنوات مضت عاش شباب الإخوان المغيب، الذى شوهوا عقله ومشاعره، وهو غاضب وحانق على هذه الأنظمة العربية أو المصرية الكفرية التى لا تحب الإسلام ولا تهتم بفلسطين ولا تحفل بالمسجد الأقصى، وحين كان غضب هؤلاء الشباب يشتد يزداد حنقهم على هذا النظام المهادن لإسرائيل، والذى يسير طوعًا لأمريكا فلا يفتح باب الجهاد.
وحين قام شاب إسرائيلى إرهابى متعصب بقتل عدد من المصلين فى المسجد الإبراهيمى بالقدس عند صلاة الفجر عام ١٩٩٤ خرجت مظاهرات الإخوان فى كل مكان، وهى تصب جام غضبها على مبارك العميل الذى لا يسمح لهم بالجهاد والدفاع عن أولى القبلتين، حينها كنت فى الإخوان، وكنت أشاهد شبابًا يبكون وفى ذات الوقت يلتمسون العذر لقيادات الجماعة، الذين لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا لفلسطين والأقصى إلا جمع التبرعات، لأنهم ليسوا فى الحكم، أما لو وصلوا إلى الحكم فإنهم سيزحفون الزحف المقدس لتحرير القدس.
وظل الإخوان يتناقلون الخرافات عن أن موشى دايان بعد حرب ١٩٦٧ دخل بنفسه إلى غزة، ثم أجرى تحقيقًا مع القيادات الشعبية الفلسطينية من أجل أن يسألهم عن «أين الإخوان»، فقالوا له «لقد قضى عليهم عبدالناصر وحبسهم»، فقال لهم موشى دايان «الحمد لله أنه فعل ذلك، لأنه لو كان تركهم ما كنا نستطيع أن ننتصر على مصر وفيها الإخوان»!! ولك أن تعتبر أن هذه الفقرة من مقالى هى فقرة كوميدية، أما الكوميديا الأكبر فهى أن شباب الإخوان يتناقلون تلك الطرائف الخرافية على أنها حقيقة، وماذا نفعل لهم وقد أغلق الله عقولهم؟!
وراحت الأيام وجاءت الأيام، وأصبح الإخوان حكامًا ونظامًا ورئيسًا، ولنعد بذاكرتنا إلى الوراء قليلًا، حين كتب «مرسيهم» رسالة حب مفعمة بالمشاعر لصديقه الحميم شيمون بيريز، فلا يستنكر أحد من شبابهم المغيب هذا الفعل القبيح ويلتمس الأعذار لمن قدم فروض الطاعة والصداقة لإسرائيل، بل إن البعض اعتبرها حنكة سياسية، بمعنى أنها حين كانت تصدر من مبارك كانوا يعدونها خيانة، وإذ تصدر من مرسيهم فهى الذكاء والألمعية، هكذا هى العقول الممسوخة تصدق كل ما يقال لها ولا تعمل عقلها لأنها فقدته من الأصل.
ويخرج عصام العريان على الهواء ليطالب يهود مصر الذين هاجروا لإسرائيل بالعودة مرة أخرى، ويقول كلامًا كارثيًا بأن هؤلاء الإسرائيليين لهم ثروات فى مصر يجب أن يستردوها!، لم يقل العريان هذا الكلام بحسبه ناشطًا سياسيًا، ولكنه قاله باعتباره أحد الذين يحكمون مصر، ونتذكر من هذا العريان أنه قال ذات يوم لصحيفة «الحياة» اللندنية فى حوار شهير له عام ٢٠٠٦ بأن الإخوان لو وصلوا لحكم مصر سيحافظون على أمن إسرائيل، وأنهم سينفذون اتفاقية كامب ديفيد، لأنهم سيكونون دولة آنذاك وهم يحفظون عهود الدولة المصرية.
ومع ذلك وفى كل المواقف تجد الشباب الغر الذى شوهوه ومسخوه يعيش فى عالم التبريرات، ويظن أنه يعيش فى حالة مقدسة للدفاع عن الإسلام ضد أعداء الإسلام، هؤلاء الشباب لا يعرفون أن الجماعة ستلقى بهم فى الشارع وستضحى بهم، وهم يعيشون فى وهم «إسلامية إسلامية» وجماعتهم لا تعرف من الإسلام إلا التجارة به فقط، ومع ذلك فأنا واثق تمام الثقة بأن هؤلاء الشباب سيتمادون فى الوهم والخيال وسيظنون أنهم يقفون على ثغر من ثغور الإسلام، وذات يوم سيحكى التاريخ عن جماعة باعت الوهم لمجموعات ساذجة من الشباب، ولرجال بلداء من أغمار الناس لا قيمة لهم ولا وزن، عاشوا يظنون أنهم يقفون ضد إسرائيل جهرًا، وقياداتهم كانوا يضعون يدهم فى يد إسرائيل سرًا، ثم قاموا بالوساطة بينها وبين حماس وقبلت إسرائيل وساطة الإخوان، وما خفى كان أعظم.
فهل يصدق أحد أن هتافات «على القدس رايحين شهداء بالملايين» كانت عبارة عن تجارة بأهم قضية للعرب عبر التاريخ، ورغم شعارات الإخوان ضد أمريكا وإسرائيل، إلا أن هذه الشعارات الكاذبة لم تُخف علاقاتها المحظورة بأمريكا وإسرائيل، فالكل يعرف أن الجماعة عقدت صلات قوية مع أمريكا وإسرائيل، ووصلت للحكم عن طريق أمريكا ومن خلال تعهدها بالحفاظ على مصالح إسرائيل، لم نقل نحن ذلك، ولكن قالته هيلارى كلينتون فى رسائلها المسربة، والتى كشفت الأيام عنها، ومن قبل قالها عصام العريان فى ٢٠٠٦ فى تصريحات أبداها لبعض الصحف العربية التى تصدر من لندن، ثم بعد يناير ٢٠١١ ظهرت تلك العلاقة وانكشفت أسرارها حينما قابل الوزير محمد العرابى، وزير خارجية مصر، السيد هنرى كيسنجر، فسأله الوزير العرابى: هل سيخوض الإخوان انتخابات الرئاسة؟، فقال له كيسنجر: نعم وسيصبح واحد منهم رئيسًا لمصر. والداهية كيسنجر يعرف ما يقول، وينقل خبرًا لم يكن الإخوان قد باحوا به بعد، فسأله «العرابى» وهل ستمانع أمريكا؟، فقال كيسنجر: لا لأنهم تعهدوا بالحفاظ على أمن إسرائيل، وتفاهمنا معهم بشأن قناة السويس وسيناء، ووصل الإخوان للحكم برعاية جون ماكين، وكيرى، ووليم بيريز الصهيونى الأكبر فى حكومة أوباما، وصديقة إسرائيل الحميمة هيلارى كلينتون، ثم شاء الله أن تنكشف جماعة الإخوان وينزل الستار على المسرحية التى كانت تقودها ضد إسرائيل، كانت مجرد حرب كلامية ومسرحية خادعة، وخلف الكواليس كانوا يتبادلون القبلات، وما خفى كان أعظم.