رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى ميلاد شوقى.. شاعر الأمراء


نظمت الجهات الثقافية الرسمية مساء الأربعاء، ٧ أكتوبر الحالى، أمسيات فى ذكرى رحيل أحمد شوقى الذى توفى فى ١٤ أكتوبر ١٩٣٢.. وقد قضى شوقى حياته كلها موظفًا فى بلاط الخديو توفيق الذى أعاده الإنجليز إلى العرش على أسنة الرماح، وموظفًا عند ابنه الخديو عباس حلمى الثانى.
وفى ٢٨ أبريل ١٩٢٧ تمت مبايعة شوقى أميرًا للشعراء، لكن عباس العقاد رفض الحضور اعتراضًا على المبايعة، ووصف الأدباء العرب الذين بايعوا شوقى بأنهم «جهلة بحقيقة الشعر والشعراء»! وكان العقاد بالاشتراك مع عبدالقادر المازنى قد أصدر كتابه «الديوان فى الأدب والنقد» عام ١٩٢١، وقال فيه إن شوقى «أشبه بملحق أدبى فى بلاط الأمير»، وإن «خياله كليل»، و«فكره عقيم»، وقال عن شعر شوقى إنه «شعر لا يتأبه صاحبه أن ينزل به منزلة الإعلانات التجارية.. وهو قريب نسب ممن ينادى فى قوارع الطرقات: يا جواهر يا عنب»! وكتب أن شعر شوقى إجمالًا لا جديد فيه ولا روح.. وكان أساس نقد العقاد شوقى أدبيًا صرفًا، استشهد خلاله بقصائد شوقى، وبيّن مدى ضعفها بوضوح، وسقم الخيال فيها، وأنها فى معظمها مجرد نظم وليس شعرًا.
ولم تكن تلك هى وحدها ما يأخذه الكثيرون على أحمد شوقى الذى أصبح «أمير الشعراء» بقدر ما كان شاعر الأمراء والبلاط وعائلة الخديو، وكانت ولادة شوقى فى قصر الخديو إسماعيل فى أكتوبر ١٨٦٨، فظل طول العمر وفيًا لجدران القصر، ينظم قصائد المديح فى خديو إثر خديو بلا توقف، وينقض بقصائده على خصوم القصر ليظل يثبت وفاءه وإخلاصه.. وقد كانت سقطة شوقى التى لا تغتفر حين هجا زعيم الفلاحين أحمد عرابى بقصيدتين.. «عرابى وماجنى»، التى نشرها دون توقيع عام ١٩٠١ فى جريدة «اللواء»، وفيها انقض شوقى على عرابى الثائر، وفيها امتدح المحتلين الإنجليز: «فَمُرَّ بإنكلترا تُزجى فيالِقَها.. وبالأساطيل تَدْوى فى موانيها»! أما القصيدة الأسوأ فكانت «عاد لها عرابى» بعد رجوع الفلاح الثائر من المنفى إلى مصر، وفيها يقول أمير الشعراء: «صغار فى الذهاب وفى الإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابى؟».. وفى مذكراته رد الزعيم الثائر على شوقى بقوله: «كبار فى الذهاب وفى الإياب.. برغم أنف أولاد الكلاب».. إلا أن الزمن سرعان ما يضع كل شىء فى مكانه الصحيح، ويخرج فى مصر شاعر من أبنائها هو فؤاد حداد لينصف عرابى من شعراء الأمراء، وليكتب عن عرابى: «أحمد عرابى ربط فوق الليالى خيول.. ساعة ما تشب يلقاها القمر مذهول».
أما صلاح جاهين فى قصيدته «على اسم مصر» فيقول: «وحصان عرابى صهل صحى جميع الجيش.. على اسم مصر.. حصان عرابى جميل.. حصان عرابى أصيل.. يقف فى عابدين وياخد زاوية البروفيل.. للرسامين يرسموه ونشوفه جيل ورا جيل.. ويعدى كالريح على المجاريح ويسلم.. وحافره على الصخر فى التل الكبير علّم.. ولما صابه انفجار القنبلة اتألم.. على اسم مصر».. بقى عرابى رغم قصائد أحمد شوقى، أما ما الذى سيبقى من شوقى؟ فلا يدرى أحد.. إلا أن بعض الأبحاث التى قُدمت فى أمسيات الاحتفال بذكرى رحيل شوقى تحدثت عن «الشعر الإسلامى عند أحمد شوقى»، وهكذا ما زلنا ندور فى نفس الدائرة، ونكرر أنه لا يوجد شعر أو أدب إسلامى أصلًا، لأن الأدب لا يعرف بالدين، ولو كان تعريف الأدب بالدين لكان علينا أن نتحدث بعد ذلك عن «الأدب الشيعى» و«الأدب السنى» و«أدب البهائيين»، وهلم جرًا، وأن نتحدث فى المسيحية عن «الأدب البروتستانتى»، و«الأدب الكاثوليكى» إلى آخره.
أما أن يكون شوقى متأثرًا بالدين الإسلامى فهذا أمر بديهى وطبيعى، لكن ذلك التأثر لا يخلق «أدبًا إسلاميًا»، فقد كان سيرجى بوشكين، أعظم شعراء روسيا، متأثرًا بالقرآن الكريم بعد أن درسه فى ترجمته الروسية الصادرة عام ١٧٩٠، ثم كتب بعد ذلك قصيدته الطويلة «قبسات من القرآن» المؤلفة من نحو مائة وثمانين شطرة فى خريف ١٨٢٤، فهل يعد بوشكين «شاعرًا إسلاميًا» لمجرد أنه تأثر بالإسلام؟