رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يكون الموت خلقًا من خلق الله؟


من أسماء الله الحسنى اسم الله «الحى»، معناه: الذى له كمال الحياة، والذى لا يموت، وهو الحى بذاته: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ»، لا باقى إلا الله.. والإنسان لا يحيا بذاته.. بل بإمداد الله له.. فإذا قطع الله الإمداد عنه صار جثة هامدة.
حياة الله تعالى ليست مستمدة من جهة أخرى، بينما حياتنا نحن البشر نستمدها منه.. هناك ألف سبب تسلب حياة الإنسان.. فعمر الإنسان بعمر شرايينه.. عمره متعلق بقلبه وشرايينه.. وقلبه متعلق بجهازه العصبى.
الحى هو الله وحده، ولا يطلق الحى إلّا على الله وحده، وقال بعضهم: «الحى هو الباقى من أزل الأزل إلى أبد الأبد».. يقول تعالى: «وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَىءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».
وقد ورد اسم الله الحى فى آيات كثيرة.. آية الكرسى: «اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ»،(البقرة)، «الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ» (آل عمران)، «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا» (طه)، «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا» (الفرقان)، «هُوَ الْحَىُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (غافر).
فكرة الذى خلق الموت والحياة:
لن ترتقى إلى الله بكل قوتك وروحك حتى تفهم حقيقة الموت والحياة، أناس كثيرون يسألون عن معنى قول الله تعالى فى سورة الملك: «الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ»، كيف يكون الموت خلقًا من خلق الله؟، هناك ردان على ذلك.. رد علماء المسلمين، ورد علماء البيولوجى.. علماء المسلمين قالوا: الموت مخلوق مثله مثل الحياة بالضبط، لأن الأصل فى الكون كله قبل الحياة والموت أنه كله عدم إلا بالله، أما الحياة بمعناها المطلق لله وحده.. معنى لا إله إلا الله.. لا وجود إلّا بالله.. كله عدم إلا بالله.. «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»، كله عدم والله هو الحى الذى لا يموت.. إذن الموت والحياة من خلق الله.
أما علماء البيولوجى فيقولون: الإنسان فى حالة هدم وبناء يومى.. كل يوم ملايين الخلايا تموت فى جسم الإنسان وملايين الخلايا تفنى.. الموت جزء من حياة الإنسان.. كل يوم ٦٠ ألف خلية تموت وينمو مثلها.. فى الطفولة يكون البناء أكثر من الهدم.. فى متوسط العمر يكون توازنًا.. فى الكبر يكون الهدم أكثر من البناء، يقل مع الرياضة، كل يوم جسمك فيه هدم وبناء.. الموت جزء من الحياة «الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا».
لكن الأهم والأخطر أن كل واحد حتى نفسيته فيها هدم وبناء.. موت وحياة.. جانب الهدم فى نفسك: اليأس.. التشاؤم.. القنوط.. الإحباط.. الاكتئاب.. أما جانب البناء فى نفسك: الأمل.. التفاؤل.. الهمة.. الإيجابية.. كل إنسان فيه الاثنان.
الصلاة والذكر والتفكر فى الله يجعلك تتصل بالحى سبحانه الذى لا يموت.. فيمدك بمعانى الحياة.. فى نفسيتك فيعينك على مواجهة المعانى السلبية للهدم.. اتصل بالحى تحيا نفسك بمعانى البناء على معانى الهدم.. الاتصال اليومى بذكر الله هو الحبل السرى لحياتك ولنفسيتك.
هناك فرق كبير بين قلب حى يذكر الله وقلب ميت.. النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَىِّ وَالمَيِّتِ».. ويقول تعالى: «وَمَا يَسْتَوِى الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ * إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ * وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِى الْقُبُورِ»، وقال تعالى: «أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا».
يحيا القلب بذكر الله ويطمئن بذكر الله.. والإنسان المعاصر يفقد شيئًا ثمينًا جدًا وهو الطمأنينة.. الحياة فرصة واحدة.. لا تغامر فى الفرصة الواحدة.. لا تضع كل البيض فى سلة واحدة.. سلة الدنيا.. وزع قدراتك بين الدنيا والآخرة.
بعد الموت تتحرر الأرواح من الجسد، تنطلق فى السماء، لو كنت معتادًا على ذكر الله فى الدنيا تنطلق روحك بعد موتك تذكر الله. تخيل ذكر الأرواح فى السماء.. تخيل أفراح الروح وهى ترى الملكوت والملائكة.. فمن عاش بذكر الله يموت وتظل روحه تذكر الله.