رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منظمة غاز شرق المتوسط


بموجب «إعلان القاهرة»، الصادر فى يناير ٢٠١٩، الذى حمل توقيعات وزراء البترول والطاقة فى ٧ دول متوسطية، تأسس «منتدى غاز شرق المتوسط»، واليوم الثلاثاء، يقوم الوزراء السبعة بالتوقيع على ميثاق تحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة، بالتزامن مع انكسار السلم الخشبى الذى يقف عليه الرئيس التركى المخبول.
تركيا وصفت هذا المنتدى بأنه «معادٍ لأنقرة»، وزعمت أن تحويله إلى منظمة إقليمية «بعيد عن الواقع»، وقطعت، فى بيان أصدرته وزارة خارجيتها، بأن أى مبادرة تتم فى شرق المتوسط دون وجودها لن يُكتب لها النجاح، وتوّعدت بأنها «ستواصل بإصرار حماية حقوقها ومصالحها فى البحر المتوسط، إضافة لحقوق ومصالح القبارصة الأتراك».
ليس على المخبول حرج، خاصة بعد أن تبددت أوهامه فى أن تصبح دولته ممرًا للطاقة من المتوسط إلى أوروبا، وبعد أن فشلت محاولاته ومؤامراته فى فرض نفسه على التحالفات الإقليمية والدولية، التى تشكلت بين دول المنطقة، لتقاسم مواردها الطبيعية، سواء بتوقيعه اتفاقية مع «القبارصة الأتراك»، أو «جمهورية شمال قبرص»، المزعومة، غير المعترف بها دوليًا، أو عبر توقيع مذكرة تفاهم مع غير ذى صفة فى ليبيا، تخالف بديهيات الجغرافيا والقانون الدولى واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التى لم توقع عليها تركيا إلى الآن.
المهم، هو أن المنتدى، الذى صار منظمة إقليمية، عبارة عن منصة لإقامة حوار منتظم بين الدول الأعضاء، بشأن إدارة مواردها الطبيعية، ودعم جهودها فى الاستفادة من احتياطياتها، وصياغة سياسات إقليمية مشتركة، واستخدام البنية التحتية وبناء بنية جديدة، والعمل على إنشاء سوق غاز إقليمية لتأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل، وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية، ومساعدة الدول المستهلكة فى تأمين احتياجاتها وإتاحة مشاركتها، مع دول العبور، فى وضع سياسات الغاز فى المنطقة، ما يتيح إقامة شراكة مستدامة بين الأطراف الفاعلة فى جميع مراحل صناعة الغاز.
اختيار القاهرة مقرًا للمنتدى، ثم للمنظمة الإقليمية، يأتى تأكيدًا لدور مصر الفاعل، بصفتها لاعبًا رئيسيًا فى صناعة الغاز الطبيعى، وإثباتًا لإمساكها بمفاتيح مستقبل غاز شرق المتوسط، ونجاحها فى فرض اسمها على خريطة الطاقة الدولية، انطلاقًا من موقعها الاستراتيجى وثقلها السياسى، وتأسيسًا على جهودها طوال السنوات الست الماضية، فى تطوير هذا القطاع، واستنادًا إلى قواتها المسلحة، القادرة على قطع أيادى ورقاب كل من يحاول الاقتراب من ثروات شعبها ومقدراته.
المسح الجيولوجى أشار إلى وجود احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، تم تقديرها بنحو ١٢٢ تريليون قدم مكعب، وبسبب النجاحات، التى حققتها مصر فى الاكتشافات والإنتاج، اجتذبت كبرى الشركات العالمية. وغير عشرات الاتفاقيات، التى تم توقيعها، هناك ٨ اتفاقيات جديدة، قيد التوقيع، مع الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» بشرق وغرب البحر المتوسط، بالإضافة إلى ٣ اتفاقيات مع شركة جنوب الوادى القابضة للبترول بالبحر الأحمر، واتفاقية واحدة مع هيئة البترول بالصحراء الغربية.
بعد سنة من إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، تحديدًا فى ١٦ يناير الماضى، انعقد الاجتماع الوزارى الثالث، وفيه، قدمت فرنسا طلبًا رسميًا للانضمام إلى المنتدى، كما أعربت وزارة الطاقة الأمريكية عن رغبة بلادها فى الانضمام بصفة مراقب، وتكررت الطلبات من عدة دول وكيانات، وطبقًا لـ«إعلان القاهرة»، فإن الانضمام إلى المنتدى متاح لدول شرق المتوسط المنتجة أو المستهلكة للغاز، ودول العبور، التى تتفق مع المنتدى فى المصالح والأهداف.
اجتماع يناير الماضى انعقد برئاسة طارق الملا، وزير البترول، وشارك فيه وزراء الطاقة القبرصى واليونانى والإسرائيلى والمسئول الفلسطينى عن الطاقة، ووكيلة وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية، وممثل وزيرة الطاقة الأردنية، بصفتهم ممثلى الدول السبع المؤسسة للمنتدى، وكضيوف، شارك ممثلو الاتحاد الأوروبى، البنك الدولى، الولايات المتحدة وفرنسا.
فرنسا ليست طرفًا فى اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية، لكن وجودها فى المنظمة يمنحها الوضع القانونى للتحالف مع الدول الأعضاء، ومنع تركيا من الاعتداء على حقوق بعضها، خاصة اليونان وقبرص، كما أن دخول شركات أمريكية على خط التنقيب عن الغاز فى المنطقة، منطقة شرق المتوسط، يجعل الولايات المتحدة طرفًا فى أى نزاع، ويفسر زيارة الجنرال كينيث ماكينزى، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إلى مصر، فى يونيو ٢٠١٩، وعرضه التعاون مع القوات البحرية المصرية، لحماية حقول الغاز فى المنطقة.
أخيرًا، ومع انكسار السلم الخشبى، الذى يقف عليه رجب طيب أردوغان، وفى ظل عدم وجود أى احتمال لحصول ذلك المخبول على «الجزرة»، صارت «العصا» هى الصيغة المناسبة للتعامل مع ممارساته غير القانونية واستفزازاته المستمرة، وقطعًا، ستواصل قافلة «منظمة غاز شرق المتوسط» سيرها، دون التفات إلى العواء القادم من أنقرة أو غيرها.