رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدير برنامج التطرف فى جامعة جورج واشنطن: الأجهزة الأمنية الأوروبية تنظر لـ«الإخوان» بشكل سلبى

 لورينزو فيدينو
لورينزو فيدينو


قال الكاتب والأكاديمى الإيطالى الأمريكى، لورينزو فيدينو، مدير برنامج التطرف فى جامعة جورج واشنطن الخبير فى شئون الإسلام السياسى، إن جماعة الإخوان استغلت حريات الغرب فى التسلل إلى المجتمعات وبسط نفوذها، مشيرًا إلى أن قيادات الجماعة عرفوا طريقهم إلى أوروبا وأمريكا الشمالية منذ خمسينيات القرن الماضى ونقلوا «هيكل التنظيم» من دولهم العربية إلى الغرب.
وأضاف، فى حواره مع «الدستور»، حول كتابه الأخير «الدائرة المغلقة: الانضمام والانشقاق عن جماعة الإخوان»، الذى صدر مؤخرًا لدار نشر جامعة كولومبيا الأمريكية- أن المنشقين عن الجماعة اكتشفوا خواء التنظيم من الداخل وفساده واعتماد المحسوبية فى الترقى إلى المناصب، كاشفًا عن أن المنظمات الإسلامية التركية تعمل بطريقة تكافلية مع كيانات الإخوان فى جميع أنحاء أوروبا، بتمويل من الحكومة التركية.

■ ما الفكرة الرئيسية لكتابك الأخير «الدائرة المغلقة»؟
- الفكرة الرئيسية هى كيف وصلت عناصر جماعة الإخوان للغرب وأمريكا وأهمية الغرب لديهم، ومن خلال دراستى للجماعة لأكثر من ٢٠ عامًا، فقد وصل أعضاؤها الأوائل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى من مصر ودول عربية أخرى.
كان بعضهم من قادة الإخوان البارزين، مثل سعيد رمضان والد طارق رمضان وهانى رمضان وصهر مؤسس الجماعة حسن البنا، وكان معظمهم من الطلاب الشباب الذين جاءوا إلى الغرب لمتابعة دراستهم الجامعية وتمتعوا بالحريات، فأعادوا على الفور نفس الهياكل التى أنشأوها فى العالم العربى، وبدأوا فى إنشاء شبكات وتنظيمات صغيرة توسعت بمرور الوقت بشكل كبير، وأعادوا بشكل لافت إنتاج نفس بنية الجماعة فى العالم العربى، وكانوا مكونين بالأساس من العائلات الإخوانية والهيكل الهرمى وهيكل الشورى، لكن بنطاق أصغر وبأعداد أصغر من الجماعة الرئيسية فى العالمين العربى والإسلامى.
■ تحدثت فى كتابك الأخير إلى كثير من عناصر الجماعة المنشقين.. لماذا ينشق أعضاء الجماعة؟
- كشف جميع الأعضاء السابقين بجماعة الإخوان الذين التقيتهم من أجل الكتاب، عن الإحباط من كل الأمور التنظيمية والأيديولوجية، مما يدل على مزيج من خيبة الأمل فى كيفية عمل الجماعة والأفكار التى تتبناها.
وفيما يتعلق بالتنظيم الدولى للإخوان، فالشكوى الشائعة هى افتقار الإخوان إلى الديمقراطية الداخلية، على حد تعبير محمد لويزى، عضو سابق للجماعة فى فرنسا، حيث يُلقنون الأوامر من خلال مكالمة هاتفية، وتُجاهل الأصوات والإجراءات والقوانين والآراء والشورى داخل الجماعة.
أيضًا العناصر المنشقة عن الجماعة كانت محبطة من الفساد الداخلى والمحسوبية ونقص الجدارة، وهى قضايا ذات صلة، يذكرها المنشقون بشكل متكرر.
■ على ذكرك الفساد داخل الجماعة.. ما أبرز مظاهر الفساد من خلال شهادات المنشقين؟
- هناك العديد من المظاهر التى تؤكد الفساد الداخلى للجماعة، منها دفع العديد من رواد الجيل الأول زوجاتهم وأطفالهم وأصهارهم إلى بعض المناصب العليا داخل التنظيم، مما خلق عددًا صغيرًا من النشطاء المترابطين «النخبة الأرستقراطية» التى تسيطر على كل شىء. فهناك عناصر إخوانية تُعرف باسم العائلة، مثل عائلات الزيات، والحداد وغيرهما، ومن ثم أحبطت هذه الديناميكية العديد من عناصر الإخوان الذين لا ينتمون إلى أى عائلات بارزة ورأوا فى أنفسهم القدرة على القيادة، لكن تم تجاوزهم بشكل غير عادل، وأعلم أن هذه الظاهرة موجودة بشكل كبير فى جماعة الإخوان بمصر.
■ لماذا يشعر أعضاء الجماعة بخيبة أمل بعد انضمامهم لها؟
- الشعور بخيبة الأمل عرض شائع للمنشقين عن الجماعة، وذلك بسبب السرية المفرطة، ويتحسرون جميعًا على السرية التى تحيط بجميع جوانب حياة الجماعة، ويشعر الأعضاء السابقون بخيبة الأمل الشديدة بسبب إنكار وجود الإخوان فى الغرب.
ويجادل الكثيرون بأن الإخوان سوف يتمتعون فى الواقع بمزيد من النجاح فى جهودهم للمشاركة إذا قدموا أنفسهم كما هم، حيث يُنظر إلى السرية على أنها تشير إلى الخزى أو محاولة إخفاء أجندات مظلمة ومشبوهة، ويتفق الجميع على أنها نقطة ضعف استراتيجية رئيسية وسلوك يؤخرهم ويسهم بشكل كبير فى فك الارتباط عن التنظيم.
وغالبًا ما تتولد خيبة الأمل بشأن الأعمال الداخلية للتنظيم، فتكون البذرة الأولى للشك فى نفوس عناصر الجماعة المنشقين، التى دفعت الأفراد بعد ذلك إلى البحث بشأن القضايا الأساسية للجماعة وحقيقة عقيدة الإخوان، وهو ما دفعهم للانشقاق فور معرفة حقيقة عملها.
■ كيف خدعت جماعة الإخوان الغرب وظلت كيانًا غامضًا؟
- ظلت جماعة الإخوان فى الغرب كيانًا غامضًا، لأن عناصرها أخفوا هذا الأمر وأخفوا هويتهم. فقد كانوا يعملون بسرية، ونفى البعض وجودها بشدة، فالطريقة التى تقدم بها جماعة الإخوان نفسها للمجتمع الغربى تكون من خلال المنظمات العامة التى لها أسماء لا تشير بأى شكل من الأشكال إلى الجماعة، لكنها تسعى بدلًا عن ذلك إلى نقل الانطباع بتمثيل المجتمع الإسلامى بأكمله، مثلًا تحت مسميات «المجتمع الإسلامى لـX، جمعية المسلمين Y وهكذا»، وتنفى هذه المنظمات وجود أى صلة بجماعة الإخوان، على الرغم من أنها واضحة للعيان.
■ ما أهمية الغرب لجماعة الإخوان ولماذا تتسلل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية؟
- أهمية الغرب بالنسبة لجماعة الإخوان أمر لا يعرفه سوى قلة من الناس، ولا ينبغى التقليل من شأن تسلل الجماعة إلى دول الغرب، وهو نفس الشىء ونفس الأهمية بالنسبة لفروع جماعة الإخوان فى جميع أنحاء العالم العربى.
كان عناصر الجماعة فى مصر أول من عرف أهمية التغلغل فى دول أوروبا وأمريكا، وعمل سعيد رمضان ويوسف ندا من أوروبا منذ عقود، وموّلا أنشطة سياسية رفيعة المستوى للجماعة، وانضم محمد مرسى إلى جماعة الإخوان فى لوس أنجلوس، وعاش العديد من مرشدى الإخوان، بمن فيهم مهدى عاكف، لسنوات فى ميونيخ، وإبراهيم منير وغيره من كبار قادة الإخوان المصريين عملوا منذ فترة طويلة من لندن، هذه حقائق معبرة وذات مغزى عن أهمية الغرب للجماعة وجعله مقرًا لفروعها.
■ ما أهداف الإخوان من خلال وجودهم فى الغرب؟
- الأيديولوجية العامة للإخوان فى الغرب مطابقة لأيديولوجيتهم بالعالم العربى، لكن جماعة براجماتية مثل جماعة الإخوان تصمم أهدافها دائمًا مع البيئة التى تعمل فيها، وتحاول الانخراط فيها. وأهدافهم فى الغرب ثلاثة:
الأول: جلب المسلمين الغربيين إلى نظرتهم السياسية والدينية للعالم والحصول على دعمهم، وكما قال يوسف القرضاوى، الزعيم الروحى للجماعة الآن، فإن الغرب هو صفحة إسلامية يمكن للإخوان أن «يلعبوا فيها دور القيادة المفقودة للأمة الإسلامية بكل تياراتها وجماعاتها».
الثانى: وثيق الصلة بالأول، حيث تعمل الجماعة على تعيين عناصرها كممثلين رسميين أو بحكم الواقع للجالية المسلمة فى البلد الأوروبى الموجودين به.
وهناك من يصل من عناصر الإخوان إلى أن تكلفهم بعض الحكومات الغربية بإعداد المناهج واختيار المعلمين للتربية الإسلامية فى المدارس العامة، وتعيين الأئمة فى المؤسسات العامة مثل الجيش والشرطة أو فى السجون، وتلقى الإعانات لإدارة الخدمات الاجتماعية المختلفة.
ومن ثم سيسمح لهم هذا الموقف أيضًا بأن يكونوا الصوت الإسلامى الرسمى بحكم الأمر الواقع فى المناقشات العامة وفى وسائل الإعلام، والتفوق على القوى المتنافسة، فالسلطات الشرعية التى منحتها لهم الحكومات الغربية ستسمح لهم بممارسة تأثير متزايد بشكل كبير على المجتمع الإسلامى.
وأخيرًا، سيسمح تغلغل ممثلى الإخوان فى تلك المؤسسات المهمة والحيوية بالتأثير فى صنع السياسة الغربية فى جميع القضايا المتعلقة بالإسلام، سواء الداخلية أو الخارجية ذات الصلة.
■ لماذا تسمح الحكومات الغربية لجماعة الإخوان بالعمل على أراضيها؟
- إنها مسألة معقدة للغاية، وأنا أعلم أنها تحير الكثيرين فى العالم العربى، وهناك عدة أسباب متداخلة، والسبب الرئيسى أن الغالبية العظمى من أنشطة جماعة الإخوان فى الغرب ليست غير قانونية، فهم يستغلون قوانين الحرية فى تلك الدول لإنشاء تنظيماتهم والحصول على تمويلات من الدولة ذاتها، وفى جميع الدول الغربية، يُسمح قانونًا للجماعات التى تعمل ضمن القانون حتى لو كانت أجندتها وأهدافها النهائية بها إشكالية للغاية.
ثانيًا، أعتقد أن القليل من الناس فى العالم العربى يفهمون مدى ضآلة استيعاب صانعى السياسة الغربيين للإسلام السياسى، وهناك بالطبع استثناءات مهمة، لكن العديد من الأفراد فى موقع السلطة فى الأمور المتعلقة بالإسلام والحركة الإسلامية «سواء كانت سياسة خارجية أو داخلية» لديهم فهم محدود للغاية لأساسيات جماعة الإخوان والإسلام السياسى، وأيضًا سياسة الشرق الأوسط بشكل عام، والمجتمعات الإسلامية فى الغرب، لذلك من السهل على قادة الإخوان، الذين لديهم من ناحية أخرى فهم متطور تمامًا للثقافة السياسية للدول الغربية، أن يقدموا أنفسهم كممثلين معتدلين للمجتمع الإسلامى، ومن ثم اكتساب ثقة النخب الغربية.
■ هل تحاول دول الغرب الآن فهم الجماعة وحقيقة الخطر الذى تمثله؟
- هناك نوعان من المعسكرات فى دول الغرب التى تجادل وتعارض بعضها فى الفكر، حيث يجادل المتفائلون بأن الإخوان هم ببساطة قوة محافظة اجتماعيًا، على عكس الحركات الأخرى، تشجع اندماج المجتمعات المسلمة الغربية وتقدم نموذجًا يمكن للمسلمين أن يعيشوا إيمانهم فيه بشكل كامل ويحافظوا على هوية إسلامية قوية، بينما يصبحون مواطنين مشاركين بنشاط.
ومن ناحية أخرى، يجادل المتشائمون بأنه بفضل مواردهم والتسهيلات المتاحة للحصول على إعانات لتلك الجماعات وسذاجة معظم الغربيين، فإن الإخوان منخرطون فى برنامج هندسة اجتماعية بطىء لكنه ثابت، يهدف إلى أسلمة السكان المسلمين الغربيين، وفى النهاية، التنافس مع الحكومات الغربية على ولائهم، وفى كلا المعسكرين يقف معظم السياسيين والمسئولين فى مكان ما فى منتصف هذا النقاش.
أحد الاستثناءات الكبيرة التى تعرف خطورة الإخوان هى المؤسسات الأمنية، التى يرى معظمها فى جميع أنحاء أوروبا الإخوان من منظور سلبى للغاية، حيث تنص أجهزة الأمن الألمانية، على سبيل المثال، على أن التهديد الذى تشكله جماعات مثل جماعة الإخوان على الديمقراطية على المدى الطويل أكبر من التهديد الجهادى، فهم يعرفون أن الإخوان يتطلعون إلى نظام إسلامى، لكنهم على استعداد للسماح بعناصر ديمقراطية معينة ضمن هذا الإطار.
لهذا السبب، غالبًا ما يصعب التعرف على تطرفهم للوهلة الأولى فى الدول الغربية، والسياسيون، للأسف، لا يستمعون دائمًا لهذه التحذيرات الصادرة عن الاستخبارات والمؤسسات الأمنية.
■ ما الدور الذى تلعبه تركيا وقطر فى تمويل وتوطين عناصر الإخوان فى الخارج؟
- تسبب الربيع العربى فى اضطرابات جيوسياسية هائلة للإخوان، وكان من أكبرها انتهاء الدعم المالى من معظم دول الخليج العربى، وكان يساعدها على إنشاء مثل هذه الشبكة الواسعة من النفوذ فى جميع أنحاء العالم وفى الغرب.
اليوم لا يزال بإمكان الإخوان الاعتماد على بعض المؤيدين الأثرياء فى الخليج، لكن عندما يتعلق الأمر بالدول، فهى قطر فقط الداعمة للإخوان، وهى كريمة بشدة فى مسألة الدعم المالى لعناصر الجماعة فى الغرب. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تدخلت تركيا أيضًا بدعم مالى، وربما أكثر أهمية، الدعم السياسى، حيث تعمل المنظمات الإسلامية التركية اليوم بطريقة تكافلية مع كيانات الإخوان فى جميع أنحاء أوروبا، بتمويل من الحكومة التركية، وأؤكد أن مستوى الدعم الذى تقدمه تركيا لجماعة الإخوان غير مسبوق.