رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيكولوجية الاستصعاب والاستسهال «4»



ماذا لو أنك تعيش فى راحة كبيرة، بحيث يغمرك شعور بالسعادة والطمأنينة ويملؤك الرضا عن نفسك، معلوماتك، مهاراتك، وحتى عن الأشخاص الذين تتعامل معهم، والمكان الذى تتواجد فيه؟
هل يمكن لك أن تترك كل هذا وتبحث عن مغامرة؟
هل يمكن أن نترك منطقة الراحة حيث لا يوجد أى جديد أو متغير؟
هل يمكن لمنطقة الراحة التى نسكنها أن تأخذ منّا أكثر مما تعطينا؟ هل خلو حياتنا من التحديات والمصاعب يقلل لدينا المهارات المعرفية والحياتية، وبالتالى لا تحقق لنا النجاح والسعادة اللذين ننشدهما؟
الحكمة تقول: تحديات أقل، مهارات أقل.. وفى المقابل، تحديات أكثر، مهارات أكثر وأقوى.
ولأن التطوّر من سمات الإنسان الناجح، فهو لا يقبل بحالة الركود هذه والتى تُعطى انطباعًا خدّاعًا بالرضا، ويبدأ فى البحث عن تحديات جديدة، وتتحول حياته إلى سباق مع الزمن كى يُثرى معلوماته ويزيد من مهاراته.
ففى المقابل لمنطقة الراحة التى تمدنا بحالة من الرضا عن النفس، توجد منطقة الذعر: حيث ينتبه الإنسان إلى أن الحياة تمضى وخبراته على حالها، فلا جديد بها، حتى على مستوى علاقاته بالأفراد من حوله، فالوجوه هى ذاتها بصفة يومية، والأماكن التى يتواجد بها محددة وتكرر نفسها، بل وربما تقتصر حياة بعض الأشخاص على العمل والمنزل فقط، فيتنبّه عقله حينها إلى أن النجاح والسعادة باتا بعيدين عنه، فهل يستمر إنسان فى هذه الحالة من عدم الإشباع وعدم التحقق أو عدم الرضا؟
يمكن للبعض أن يركن لحالة الشقاء تلك إذا لم يأخذ بيد نفسه، وأخذ فى البحث عن تحديات جديدة فى الحياة، ويستنفر كل قدراته لتعلّم كل ما هو جديد ونافع له ومن شأنه زيادة قدراته ورفع كفاءته، فيعود إلى منطقة التعلم.. وفى هذه المنطقة يتم فرز الأشخاص الناجحين عن غيرهم من الفاشلين، فهذه المنطقة مليئة بالتحديات محفوفة بالتحديات المصحوبة فى كثير من الأحيان بالآلام، والناجح فحسب هو من يخوض التحديات، أما الفاشل فيستسلم عند أول تحدٍ، عند أول فشل، عند أول إخفاق.
والإنسان الناجح يتنقل بين الحالات الثلاث مرارًا وتكرارًا.. فهو يستقر فى منطقة الراحة بعد تحقيقه نجاحًا ما، ولكن سرعان ما ينبهه عقله الواعى إلى خطورة الاستكانة والدعة والجمود، فينتقل لحالة الذعر التى تدفعه للبحث والكشف، فيبدأ فى التعلم وتطوير نفسه ويُزيد من مهاراته ومعلوماته التى تكون سلاحه فى رحلة وصوله إلى النجاح.. فالناجح يكون فى حالة تعلم مستمرة، ولا يكتفى أبدًا بما حقق، ولا يركن للراحة، مما يقوده من نجاح إلى نجاح.
وهناك أمثلة عديدة لشخصيات عالمية غيرت من حياتها ولم تتمسك بمنطقة الراحة والمألوف. ولم تتحجج بالسن أو الخوف من الفشل، وحققت النجاح فى تجارب خاضتها فى مجالات جديدة عن خبراتها السابقة: منهم: الرئيس الأمريكى رونالد ريجان الذى انتقل من عالم التمثيل إلى عالم السياسة، ليصبح رئيسًا لأمريكا وهو فى التاسعة والستين.
والت ديزنى: صاحب مدينة «ديزنى لاند»، كان يعمل فى بداياته رسامًا فى إحدى الصحف، ولكن رسوماته لم تكن تعجب مدير الصحيفة، فأخذ خطوة إيجابية وبذل الكثير من الجهد والوقت حتى أصبح رائد فن التحريك فى العالم.
جيف بيزوس: كان «جيف» يعمل فى مهنة مربحة فى علوم الكمبيوتر فى «وول ستريت»، كما تولى مناصب قيادية فى مختلف الشركات المالية قبل الانتقال إلى عالم التجارة الإلكترونية وإطلاق موقع «أمازون» الشهير وهو فى الـ٣١ من العمر. يتصدر «بيزوس» حاليًا قائمة أغنى ٥٠ شخصية فى العالم، بعد أن تخطت ثرواته حاجز الـ١٠٠ مليار دولار.
مارتا ستيوارت: نجمة قنوات الطبخ العالمية، بدأت حياتها المهنية كعارضة أزياء، إلا أنها عندما أصبحت أمًا فى سن الـ٢٥ وجدت صعوبة فى مواصلة عملها، فاتجهت للعمل كوسيط مالى فى وول ستريت، وبعد ٥ سنوات أسست شركتها الإعلامية الخاصة.
فيرا وانج: مصممة الأزياء، كانت «وانج» تعمل صحفية حتى بلغت الأربعين لتغير مسارها المهنى وتعمل فى صناعة الأزياء لتصبح أحد أهم مصممى الأزياء فى العالم.
سارة بلاكلى: أصغر مليارديرة فى العالم، كانت تعمل موظفة مبيعات حتى سن الثلاثين عندما قررت تأسيس شركتها «سبانكس» المتخصصة فى الملابس الداخلية عام ٢٠٠٠.
وفى عالمنا العربى، أذكر الممثل أحمد حلمى الذى تحول من تقديم برامج الأطفال، وكان مقدمًا متميزًا، إلى عالم التمثيل.
الحديث عن مناطق الراحة والذعر والتعلم.. ومدى تقبلك لهذه الحالات الثلاث يعكس الكثير عن قدراتك، ويختم الحديث الذى لا ينتهى عن سيكولوجية الاستصعاب والاستسهال.