رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللقاح نزل فى صيدلية بطنطا


على هواء «تليفزيون الشعب» وتحديدًا فى برنامج «التاسعة مع الإبراشى»، تم إعلان الخبر السعيد، حيث تصدرت مشاهد أحد تقارير البرنامج صورة إعلان ورقى معلق على واجهة صيدلية قيل إنها بمدينة طنطا عروس الدلتا جاء فيه بالخط العريض «مفاجأة: يوجد لدينا لقاح كورونا».
وبغض النظر عن عبثية الإعلان، لكن أن يكتب صيدلانى ما جاء بالإعلان ويقوم بتثبيته على زجاج صيدليته بكل أريحية وبجاحة جاهلة ليراه الناس فى الشارع، وهو يعلم بالطبع زيف الخبر وخطورة تداعياته، فإننا بالقطع أمام مشهد مؤسف ينبغى التحقيق حول تفاصيله وألا يمر دون معاقبة.
وبقدر ذلك الفعل المستهتر، فإن البعض قد رأى على الجانب الآخر فى الفيروس والجائحة وبشكل مبالغ فيه ما يشى بحالة من الإحباط، ومنهم د. عبدالرحيم الكردى، مقرر لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة فى مصر، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات السردية، والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية، وصاحب رواية «اللوذعى»: إن أصغر كائن حى عرفته البشرية استطاع أن يكسر أنف الغرور البشرى، ويجعل القادة والجبابرة والعلماء والعباقرة يهرولون منكمشين فى منازلهم كالفئران المذعورة! فهل ستكشف لنا الأحداث المقبلة عن أن هذا لم يكن إلا جزءًا من الحرب البيولوجية الحديثة.. الحرب العالمية الثالثة؟!
ويضيف «الكردى»: عندئذ، سنصاب بحالة من الإحباط من جدوى التقدم العلمى والتكنولوجى، ونقتنع بأن هذا التقدم العلمى لم ولن يحقق السعادة للبشرية، بل يعمل على تدميرها وتعاستها، ومن ثم فسوف يصاب البشر جميعًا بحالة تشبه تلك الحالة التى أصابتهم بعد الخسائر البشرية البشعة خلال الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وسوف تظهر المذاهب الأدبية والفنية والفلسفية العدمية، التى تشبه السريالية والدادية والعبثية والوجودية، والهروب من الحياة عن طريق الانتحار المعنوى أو الحسى!.. أم أن الأيام المقبلة سوف تكشف عن أن هذا لم يكن بفعل فاعل بشرى، بل هو التوازن البيئى والضعف الإنسانى.
هى مجموعة من الأطروحات الغاضبة للتأمل والتحاور حولها واستخلاص العبر والنتائج، ولكن مخاصمة العلم والتفكير العلمى والبحث عن أخطاء الممارسات البحثية فقط أمر غير مطلوب، بل العكس هو المطلوب، حيث ضرورة المضى نحو بذل المزيد من الجهود ودعم أواصر التعاون العلمى بين مدارس وتطبيقات العلوم فى كل بلاد الدنيا كحتمية ضرورية لمواصلة الحياة.
ويعد البحث العلمى أهم أداة لمعرفة حقائق الكون والإنسان والحياة، فهو السبيل لاكتساب المعلومات، ومنحنا الفرص للاطلاع على مختلف المناهج واختيار الأفضل وتكوين قاعدة علمية تديرها كوادر علمية تتنوع مدارسها فى التفكير والسلوك والانضباط والحركة والإبداع والتعامل مع أحدث التقنيات.
ولعل فى تلبية الحاجات الإنسانية الأولية للبشر ما يؤكد أهمية دعم بنية البحث العلمى بالنسبة للدول. فبالعلوم ومراكز البحث المتقدمة يمكننا تطوير الزراعة، ومن ثمّ سد احتياجات الناس من الغذاء، وبنفس القناعة تحقيق نهضة صناعية وتجارية شاملة، ولنا فى تجارب وإنجازات الدول الكبرى المثل والدليل، فهى التى اتخذت من البحث العلمى قاعدة للانطلاق نحو تحقيق كل ما ترغب فيه.
وعبر العمل العلمى والبحثى تتحقق للشعوب الرفاهية، وتأتى تلك المرحلة كإنجاز لاحق بعد تحقيق أمنيات الشعوب فى سد الاحتياجات الرئيسية، حيث الوصول لاختراع وسائل نقل ذات سرعات هائلة على سبيل المثال، والتفكير فى بناء ناطحات السحاب التى يمكن الوصول إلى أدوارها عن طريق السيارات أو الطائرات الخاصة دون أى معاناة للإنسان، وكذلك الروبوتات التى تستطيع القيام بأى عمل، ولقد وصل الأمر إلى وجود تقنيات تستطيع أن تقرأ بصمة الصوت من أجل تصنيع الأطعمة، فأهمية البحث العلمى لا حدود لها، خاصة فى زماننا المتسارع الإنجازات العبقرية.
كما يعد التنبؤ بالأمور المستقبلية من بين عناصر أهمية البحث العلمى، وذلك ليس دربًا من دروب السحر والتنجيم، ولكن البحث العلمى ساعد فى التعرف على مكنون تطور الظواهر ومن ثم وضع التصورات المتعلقة بها عن طريق وضع أرقام واقعية، ومن أمثلة ذلك الأرصاد الجوية وما تسهم به من وضع درجات للحرارة فى المستقبل، وكذلك وصف أرقام اقتصادية للأوضاع المالية فى السنوات المقبلة، ويوجد منهج كامل فى البحث العلمى يعرف باسم المنهج الاستقرائى الذى يعتمد على دراسة الظواهر فى الماضى والحاضر، ومن ثم التعرف على ما سوف تكون عليه فى المستقبل، والتنبؤ يفيد العلماء والباحثين فى تجنب السلبيات المستقبلية.
لن نكفر بالعلم والعلوم والبحث العلمى، ولن تذهب بنا «كورونا» إلى أزمنة التراجع العلمى والحضارى، ولن تعود بنا إلى أزمنة التصاغر والاستسلام واليأس فى مواجهة الكوارث