رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتخابات الحزب الحاكم بألمانيا ترسم ملامح المشهد السياسي القادم

انتخابات الحزب الحاكم
انتخابات الحزب الحاكم بألمانيا

أقل من ثلاثة أشهر تفصل ألمانيا عن انتخابات "الحزب الديموقراطي المسيحي" (الحاكم)، والتي تشكل محطة انتخابية هامة في إطار الاستعدادات للانتخابات التشريعية المقرر عقدها في خريف العام المقبل، والتي ستحدد خليفة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على رئاسة الوزراء بعد 16 عامًا من تربعها على رأس الحكومة الألمانية.

ويتنافس على رئاسة الحزب 3 مرشحين رئيسيين، وهم: رئيس وزراء ولاية "شمال الراين وستفاليا"، أرمن لاشيت، ورئيس الكتلة البرلمانية السابق للتحالف المسيحي، فريدريش ميرتس، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاتحادي "بوندستاج"، نوربرت روتجن. ويعد هذا الصراع الثلاثي على رئاسة الحزب الحاكم صراعا حاسما في تحديد مستقبل ألمانيا المرحلة المقبلة.

وأيًّا كان الفائز في السباق الانتخابي للحزب، في ديسمبر المقبل، فإنه على الأرجح سيكون مرشح التحالف المسيحي، الذي يضم "الحزب الديمقراطي المسيحي"، وحليفه الأصغر "الحزب الاجتماعي المسيحي"، في الانتخابات التشريعية القادمة، حيث يتحالف الحزبان سويًا على المستوى الفيدرالي منذ الحرب العالمية الثانية ويشكلان تحالفًا واحدًا دائمًا في البرلمان الفيدرالي "البوندتساج".

وتصدر مؤخرًا الحزب الديمقراطي المسيحي نتيجة انتخابات المحليات، التي جرت الأحد الماضي في ولاية "شمال الراين ويستفاليا"، الواقعة غربي ألمانيا، بعد حصوله على 34.3% من الأصوات بينما حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، على نسبة 24.3% من الأصوات. وتعزز هذه النتيجة من مكانة الحزب المسيحي الديمقراطي وتدعم فرصه خلال السباق الانتخابي العام المقبل.
أما بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، فقد استقر الرأي على ترشيح رئيسه، أولاف شولتز، لمنصب المستشارية والذي يشغل حاليًا منصب وزير المالية ونائب ميركل. واكتسب شولتز مؤخرًا تأييدًا كبيرًا في أوساط الناخبين نتيجة إدارته الجيدة لأزمة فيروس كورونا، ولكن مع ذلك يرى المراقبون أن فرصه ضئيلة للفوز بهذا المنصب أمام الديمقراطيين المسيحيين حيث لم يفز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالانتخابات في ألمانيا منذ عام 2002.

في هذا السياق، تتوقع استطلاعات الرأي أن يحقق تكتل الاتحاد المسيحي "يمين وسط"، أكثرية الأصوات في السباق الانتخابي العام المقبل بعد تصدره نوايا التصويت بنسبة 36%، وبالتالي يكون له الحق في تشكيل الحكومة المقبلة.

من هنا تبدو أهمية اختيار رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي في انتخابات ديسمبر المقبل، تمهيدًا للوصول لتوافق مع حليفه الأصغر "الحزب الاجتماعي المسيحي" بزعامة ماركوس زودر، حول من يقود التكتل في الانتخابات التشريعية المقبلة.

ويرى متخصصون في الشئون الأوروبية أن لاشيت يحظى بفرص قوية للفوز برئاسة الحزب، فهو يمثل الوجه الأكثر اعتدالا وانفتاحًا من حيث تبنيه لأفكار شديدة الليبرالية، وانفتاحه في ملف اللاجئين، وتأييده للمجتمع متعدد الثقافات والأعراق، كما يحظى لاشيت بدعم قوي من قبل الهيئة العليا للحزب، فضلًا عن أنه سيمثل- بدرجة كبيرة- امتدادًا للخط السياسي الوسطي الحالي الذي تتبناه ميركل.

وعلى خلاف روتجن، الذي يفتقد إلى الشعبية داخل الحزب، يبدو ميرتس الذي يتمتع بشعبية واسعة وكانت تبدو حظوظه أوفر قبل 6 أشهر، إلا أن فرصه تراجعت مؤخرا نتيجة معارضته الدائمة للخط السياسي الحالي للحزب وانتقاده المستمر لميركل، فضلًا عن تبنيه خطًّا سياسيًّا متشددًا حيال قضايا اللاجئين.

في ضوء ما سبق يرجح المراقبون فوز أرمن لاشيت برئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي في اقتراع ديسمبر المقبل وتعيينه لوزير الصحة الشاب، يانس شبان، نائبًا له كما أعلن من قبل، وهو ما سيعزز من مكانته داخل الحزب ويمهد له الطريق ليكون خليفة المستشارة الحالية.

وفي حالة وقوع هذا السيناريو، فإنه من المستبعد أن تشهد السياسة الألمانية تحولا أو تغييرًا بارزًا في ملامحها. فقيادة أرمين لاشيت المتوقعة للاتحاد المسيحي في الانتخابات القادمة ومن ثم تشكيله الحكومة المقبلة، في حال فاز الاتحاد بالأكثرية كما تتوقع استطلاعات الرأي، لن يدشن بداية عصر جديد في السياسة الألمانية، وإنما سيكون على الأرجح امتدادًا لحكم ميركل، حيث ستتركز أولوياته بدرجة كبيرة على ملفات الصحة والتعليم والأمن الداخلي، فضلا عن رفض التعاون مع حزب البديل لأجل ألمانيا الذي يمثل "يمين متطرف"، وهو ما قامت به ميركل من قبل.

ومن المتوقع أن تُقابل هذه القيادة الجديدة بارتياح عام سواء على الصعيد الداخلي في ألمانيا حيث تحظى ميركل بشعبية واسعة بعد نجاحها في قيادة البلاد في العديد من الأزمات كان آخرها وباء "كورونا"، أو على المستوى الخارجي سواء الأوروبي أو الدولي حيث لعبت ميركل لسنوات دورًا بارزًا كزعيمة للقارة الأوروبية تحظى باحترام وتقدير مختلف القوى على الساحة الدولية.