رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اسحبوا الجنسية من الإخوان


يقينى أنه ليس أشق على النفس من طغمة مفسدة ينتسبون بالاسم لمصر وهم فى الحقيقة لا علاقة لهم بها، لا يؤمنون بالوطن ولم يكن الوطن فى يوم من الأيام من أولوياتهم، يجمعون أمرهم ويدبرون خططهم لتدمير مصر وإسقاطها، يقتلون ويحركون أذنابهم لشن حملات من الشائعات والأكاذيب تستهدف الروح المعنوية للمصريين، يتحالفون مع مخابرات تركيا وقطر ومخابرات غربية لتنفيذ مخطط استعمارى ولفرض حصار اقتصادى على مصر! ثم نقف أمام هؤلاء المتآمرين الهاربين فى تركيا وقطر وأوروبا موقف العاجز بينما نملك سحب الجنسية من هؤلاء الإخوان المجرمين، الذين يهددون الأمن القومى للبلاد.
ولكى يكون الأمر واضحًا للجميع، فإن قانون الجنسية ينص فى إحدى مواده على أنه: يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتمتع بها فى أى حال من الأحوال الآتية:
«إذا كانت إقامته العادية فى الخارج وصدر حكم بإدانته فى جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج»، وهذه الحالة تنطبق على جمال حشمت ويحيى موسى ووجدى غنيم وعشرات غيرهم، من الذين ارتكبوا ولا يزالون يرتكبون جرائم مضرة بأمن مصر من جهة الخارج.
وحالات سحب الجنسية أيضًا تتحقق فى حالة «إذا كانت إقامته العادية فى الخارج وانضم إلى هيئة أجنبية، من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتمـاعى أو الاقتصادى للدولة بالقوة أو بأى وسيلة من الوسائل غير المشروعة»، وهذه الحالة تنطبق على كل الإخوان الذين فروا من مصر، وذهبوا إلى قطر وتركيا واتفقوا مع حكامها ضد مصر، وفتحت لهم تلك الدول قنوات فضائية يحاربون بها البلاد كل دقيقة، ويخططون فيها لارتكاب عمليات اغتيال كشفت عنها أجهزة الأمن.
الأمر إذن شديد الوضوح ولا يحتاج إلا لقرار من مجلس الوزراء، وحتى يطمئن الجميع لقانونية القرار الذى يصدر بسحب الجنسية من هؤلاء، فإننى سأستعرض موقف الإخوان من الوطن، هل يؤمنون به وبحدوده؟ أم أنهم يرونه من بقايا الجاهلية، وأن الوطن هو الإسلام، أما الأرض فهى حفنة عفنة من التراب؟
فى أدبيات الإخوان نجد شعرًا ينشدونه فى كل المناسبات، جاء فيه
ولست أرى سوى الإسلام لى وطنا * الشام فيه وبلاد النيل سيانِ
وحين أنشأ البنا جماعته لم يكن هدفه الإصلاح الاجتماعى للبلاد، أو حتى الإصلاح السياسى أو محاربة الإنجليز وإرغامهم على الجلاء، ولكنه أنشأ الجماعة، كما يقول، لاستعادة الخلافة مرة أخرى، تلك الخلافة التى كانت بمثابة المخدر لأجيال عديدة توهموا أنها من الإسلام أو من أعلى فرائضه، وهى لا علاقة لها بالإسلام أبدًا، غاية الأمر أنها كانت نظام حكم ارتضاه الأولون لأنفسهم، ومن عجب أن يقبل مصريون أن تتسيد عليهم دولة أخرى وتسوسهم وترسم مستقبلهم وتستولى على ثرواتهم، وهم بعد كل ذلك يفتخرون بالمحتل الذى يسلبهم أقواتهم، لمجرد أنه يسمى نفسه الخليفة، ودولته تسمى نفسها دولة الخلافة!
ولذلك كانت الخلافة بالنسبة لحسن البنا ولجماعته «رمز القومية الإسلامية»، وبناءً على ذلك يرفض البنا فكرة الوطنية التى تقوم على حدود للوطن، فيقول فى رسالة من رسائله «الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية، ولا بأشباهها، ولا يقولون فرعونية وعربية وسورية»، ولذلك ومن أجل تلك الأفكار يصبح الوطن عند البنا مجرد مرحلة أولية كل قيمتها أنها تقودنا للوطن الأوسع، ألا وهو «وطن الخلافة» الذى مصر فيه مجرد ولاية صغيرة أو حتى عدة ولايات، وقد أجمل البنا فكرته عن الوطن بأنه يبدأ من القطر المصرى، الذى هو مجرد سلم، ليس إلا، وهذا السلم يقود للدولة الإخوانية التى تضم بين جوانحها كل الأوطان المسلمة، وهذا هو الوطن الحقيقى وطن الإخوان، ومن هذا نعرف أنه إذا تعارضت مصلحة الوطن الأصغر «مصر» مع المصلحة المرجوة وهى «وطن الخلافة الإخوانية» فإن الإخوان فى هذه الحالة يضحون بالوطن الأصغر من أجل تحقيق الوطن الأكبر والأصلى والحقيقى.
وإذا كان حسن البنا يشكل الرافد الأول من روافد عقيدة الإخوان فإن سيد قطب شكَّل بأفكاره الرافد الثانى للإخوان، ولم يختلف سيد قطب فى كثير أو قليل عن حسن البنا، بل وضع سيد قطب دائرة أخرى للوطن هى دائرة «المؤمنين»، وهم ينتسبون مع بعضهم البعض فى وطن «الإيمان»، الذى يشاقق ويخالف وطن «أهل الجاهلية»، ولو كانوا من المسلمين، وفى هذا يقول سيد قطب «إن المجتمع الإسلامى وحده هو المجتمع الذى تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية، والذى تعتبر فيه العقيدة هى الجنسية بين الأسود والأبيض والأصفر والأحمر والعربى والرومى والفارسى والحبشى وسائر الأرض فى أمة واحدة ربها الله»، ولم يهتم سيد قطب بإقامة دولة الخلافة، وفى ذلك كان يختلف عن حسن البنا، إذ كانت تصوراته تقوم على إعادة الإسلام للحياة أولًا ليكون منهجًا، وتكون فيه كلمة الله هى العليا، وبعد ذلك ستنشأ دولة الخلافة وحدها، وتكون رابطتها بين من يؤمنون بتصورات الإخوان العقائدية، بمعنى أنها ستكون خلافة ليست على نهج النبوة الأولى، ولكن خلافة على نهج الإخوان، وطريقة سيد قطب، وفكرة حسن البنا، فهى إذن خلافة إخوانية، وسيكون وطنهم حينئذ ليس هو الإسلام كما قال البنا، ولكن وطنهم هو الإخوان.
وعبر تاريخهم فى زمن سيد قطب وجدنا أن مرشدهم حسن الهضيبى يقف بكل قوة وجماعته ضد مفاوضات جمال عبدالناصر مع الإنجليز من أجل الجلاء، وكان الهضيبى يأمر قيادات الجماعة بتسيير وتنظيم المظاهرات الإخوانية التى تناهض اتفاقية الجلاء، ومن أجل إفشال هذه المفاوضات سعى الإخوان لاغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية، وللأسف فإن كثيرًا من المؤرخين الذين أرخوا لهذه العملية الفاشلة يظنون أن محاولة الاغتيال هذه كانت من أجل إزاحة عبدالناصر عن الحكم وتمكينهم هم، والحقيقة مختلفة عن ذلك بعض الشىء، إذ لو نجحت هذه العملية لوجد الإخوان أمامهم مجلس قيادة الثورة، وفيه شركاء عبدالناصر فى الثورة والحكم، وهم لن يتركوها للإخوان أبدًا، فقد كانوا جميعهم يتمنون القضاء التام على الإخوان، ولكن عبدالناصر هو الذى كان يكبح جماحهم، ولكن الهدف الحقيقى من محاولة اغتيال عبدالناصر هو إفشال المفاوضات التى يقودها عبدالناصر، وساعتئذ كان لبريطانيا المحتلة أن تتحجج باضطراب أحوال البلاد، مما يهدد مصالحها ويلزمها باستمرار وجودها العسكرى بمصر، ولكن الله سلّم، وفشل الإخوان كعادتهم فى الفشل.
ولك أن تتعجب!! هل هذه تصرفات من ينتمى فعلًا للوطن؟! هل يسعى مواطن بكل قوته لإبقاء احتلال أجنبى ببلاده، ولكن قد يتبدد عجبك عندما تعلم أن جماعة الإخوان نشأت بقرار من المخابرات البريطانية ودعم من شركة قناة السويس، التى كانت تحت الإدارة الفرنسية والإنجليزية، وظلت صلة الإخوان بالإنجليز إلى الآن، وظلت علاقتهم بالمخابرات البريطانية قائمة كعلاقة المتبوع بتابعه، لا يفارقه ويظل لصيقًا به كظله، لذلك أثناء العدوان الثلاثى على مصر، وكان بعض الإخوان قد هربوا إلى لندن، إذا بالحكومة الإنجليزية تنشئ لهم إذاعة موجهة إلى مصر، وفيها قام الإخوان بواجب التابع الذليل لسادته الإنجليز، وشنوا هجومًا ضاريًا على مصر وقائدها جمال عبدالناصر، ولكن الله نصرنا وهزمهم وباءوا بغضب من الشعب.
وعندما أنشأ الإخوان تنظيمهم الدولى عام ١٩٨٣ كان ذلك من أجل أن يكون هناك وطن حقيقى للإخوان فى كل العالم، هو الوطن البديل أو قل الوطن الحقيقى لهم ولكل إخوان العالم، وفى ذلك يقول أحد قادة التنظيم الدولى: «إن التنظيم نشأ كفكرة وكمشروع مستقبلى فى أدبيات وتراث الإمام حسن البنا، الذى اعتبر هذا المشروع خطوة وهدفًا من الأهداف نحو وحدة الأمة الإسلامية»، هم يعرفون إذن أن وطنهم ليس مصر ولا سوريا ولا السودان ولا فلسطين، وطنهم هو «الإخوان».
ولكن ما معنى أن يتجاوز الإخوان فى مفهومهم للوطن الحدود والأرض والتاريخ والمواطنة؟ معناه أن فكرة الإخوان فكرة أممية، ومن ثم يكون ولاء المنتسب للإخوان ليس لوطنه، بل لتنظيمه، فله أعطى بيعة لا يستطيع الفكاك منها وإلا مات ميتة جاهلية كما يعتقدون، وينسحب ولاؤهم لرئيس بلدهم إلى مرشدهم، فهو صاحب البيعة، وهو رئيس التنظيم الذى حل محل الدولة، وبالتالى يثور التساؤل حول التعارض بين الانتماء للوطن والانتماء للتنظيم العالمى، إذ يُفترض فى أن المواطن، أن يكون ولاؤه فقط لوطنه، فإذا ما تعارض ذلك مع ولاء آخر، فإن هذا يعد من قبيل الخيانة العظمى.
ولعلنا نجد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تضع شروطًا لجنسيتها، من أهمها أن يقسم المواطن الحاصل على الجنسية بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية، فإذا ثبت بعد ذلك أنه أقسم قسم الولاء لدولة أخرى سقطت عنه الجنسية، بل من الممكن اتهامة بالخيانة العظمى.
هذا قليل من كثير، وفى الجعبة الكثير، ونحن ننتظر أن يتحرك مجلس الوزراء فيمارس اختصاصاته، ويصدر قرارًا بسحب الجنسية من الإخوان الهاربين الذين يرتكبون جرائمهم ضد مصر، كما ننتظر أن تصدر قرارات من مجلس الوزراء بسحب الجنسية من الإخوان، الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن أو بالإعدام لتجسسهم على مصر لمصلحة دول أجنبية، وإنا لمنتظرون.