رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيكولاتة البنك المركزى التركى!


اقتصاد ينتظر نجاح عملية سطو تنقذه من عثرته طبيعى أن يكون قائمًا على الفساد والإفساد، وأن تستهلك المؤسسة المسئولة عن مراقبة وتوجيه النظام المصرفى فى الدولة، شيكولاتة قيمتها ٢٧٤ ألف ليرة تركية، وأن تتقاضى إدارة تلك المؤسسة مبالغ ضخمة نظير اجتماعات دورية، وطبيعى أيضًا أن يؤدى فساد الاقتصاد وإفساد القائمين عليه إلى انهيار الليرة وانخفاض سعر صرفها أمام الدولار بدرجة غير مسبوقة، جعلتها أسوأ العملات أداءً فى العالم.
تدهور سعر الصرف كان نتيجة طبيعية لسياسات اقتصادية فاشلة لم تنجح فى مواجهة أزمات عديدة بما تستحقه من قرارات مناسبة، من بينها تزايد عجز الحساب الجارى، الديون الخارجية، عملية الدولرة، هروب رءوس الأموال إلى الخارج، والخسائر الضخمة المترتبة على تفشى وباء «كورونا المستجد». وبالتالى لم تتحسن أحوال إلا ٩٪ فقط، وتدهورت أحوال ٦٣.٤٪ وظل الباقون أو الـ٢٧.٦٪ على وضعهم، والنسب على مسئولية شركة «متربول» للدراسات والأبحاث، التى أجرت استطلاعًا فى أغسطس الماضى، ونشرت نتائجه، أمس الأول، الأحد.
وسط هذا الظلام، أعلن البنك المركزى التركى، أمس الأول الأحد، عن فوز إحدى الشركات بمناقصة توريد الشيكولاتة، بالتزامن مع تسريب وثائق تؤكد حصول إدارة البنك على مليون و٤٤ ألف ليرة مقابل اجتماعات دورية، وإنفاقها ٢ مليون و٦٣٠ ألف ليرة على تجديد ديكورات مطبخ فرع أنقرة، وأوضحت جريدة «تى ٢٤» أن ٣ شركات تقدمت لمناقصة الشيكولاتة، ووقع الاختيار على شركة تابعة لرجال أعمال مقربين من الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، وحزبه، حزب العدالة والتنمية، وبعد ٤ أيام من توقيع عقد التوريد، تم تسليم الشحنة.
فى الأوضاع الطبيعية، يؤدى انخفاض سعر الصرف إلى نزول أسعار الصادرات بالعملات الأجنبية، وهو ما يعطيها ميزة تنافسية ومن المفترض أن يفتح لها مزيدًا من الأسواق، لكن فى الحالة التركية حدث العكس، وانخفضت الصادرات بشكل ملحوظ، حتى قبل تفشى الوباء: ١٦٪ خلال الربع الأول من العام الجارى مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، وانخفضت مرة أخرى بنحو ٣٥٪ فى الربع الثانى مقارنة بالربع الأول، وإجمالًا انخفضت الصادرات خلال النصف الأول من العام الجارى بنسبة ٢٦٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى.
لم تعد هناك خيارات أمام البنك المركزى غير رفع سعر الفائدة، غير أن الرئيس التركى يعارض ذلك، زاعمًا أو معتقدًا أن رفع سعر الفائدة سيرفع معدلات التضخم، مع أن كل الدراسات والتجارب تقول العكس، وخوفًا من بطش أردوغان، تم الإبقاء على سعر الفائدة عند ٨.٢٥٪، فى حين قام برفع سعر الفائدة على التمويل الذى يقدمه للبنوك فى نهاية يوليو إلى ٩.٣٪ بدلًا من ٧٫٧٪، كما يتم منح القروض بفائدة تزيد على ١٠٪ بعد أن كان يتم منحها منذ أشهر قليلة تزيد بقليل على ٧٪، وترجمة ذلك أن البنك المركزى رفع سعر الفائدة على الإقراض فقط!.
وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى وجهت صفعة قوية للرئيس التركى بإعلانها عن المخاطر والأزمات التى تواجه اقتصاد بلاده بسبب سياسات نظامه الخاطئة، وقامت يوم الجمعة الماضى بخفض التصنيف الائتمانى لتركيا من «B1» إلى «B2»، مشيرة إلى أن مصداتها المالية فى تناقص مستمر، وأن نقاط الضعف الخارجية للبلاد قد تسبب، غالبًا، أزمة فى ميزان المدفوعات، وغير وكالة «موديز»، دفع التدهور الاقتصادى الكبير، الذى تشهده تركيا، مؤسسات مالية دولية عديدة إلى تخفيض تصنيفها الائتمانى، مع نظرة مستقبلية سلبية، بسبب عجز نظام أردوغان عن وضع نهاية للانهيارات المتتالية، التى تضرب أركان اقتصاد بلاده.
هذه الأوضاع شديدة السوء، دفعت أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركى الأسبق، رئيس حزب «المستقبل»، إلى مطالبة أردوغان، صديقه السابق، بعقد مناظرة على الهواء مباشرة، وقام بتحميله وحكومته، وتحديدًا صهره، وزير المالية، بيرات البيرق، مسئولية تخفيض التصنيف الائتمانى للبلاد، والأوضاع الاقتصادية المتردية، وعلى سبيل التهكم قال داود أوغلو: «لقد تسببوا فى انخفاض التصنيف الائتمانى للبلاد عما كان عليه منذ ٢٥ عامًا، فهل سيواصلون دون أى خجل زعمهم بأنهم يطبقون سياسة وطنية؟!». كما اتهم السلطات التركية بأنها تفرض حظرًا إعلاميًا عليه، لأنها تعرف أنه لو تحدّث لمدة ٣ أيام، فإن أردوغان لن يتنفس طوال ٣ أشهر.
أخيرًا، وبينما يواصل وزير المالية التركية ارتداء الملابس من دولاب زوجته، ابنة الخليفة، وصل معدل البطالة إلى ٢٤.٦٪ فى أبريل الماضى، وصار الآن ٢٨.٧٪. وبالتبعية، ارتفع عدد الفقراء، بشكل غير مسبوق، بعد أن كان البنك الدولى يشيد، حتى ٢٠١٤، بنجاح تركيا فى خفض معدل الفقر، ولأن الفقراء لا يأكلون الشيكولاتة، وقد لا يعرفون طعمها، فإن استهلاك البنك المركزى ما قيمته ٢٧٤ ألف ليرة منها، يُعد سفهًا بالإضافة إلى كونه فسادًا وإفسادًا.