رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيدة القطار.. ورجل الأفيون



وزارة النقل اعتذرت عن تجاوز كمسرى القطار رقم ٩٤٨ المتجه من المنصورة إلى القاهرة، فى حق راكب، تصادف أن يكون مجندًا، وتركت لنا، نحن المصريين، تكريم السيدة التى شهدت الواقعة، وأصرت على دفع ثمن تذكرة المجند. وبالنيابة عنا، انتهى بيان القيادة العامة لقواتنا المسلحة بتوجيه «خالص الشكر والتقدير للسيدة المصرية العظيمة»، وأكد أن ما فعلته كان تعبيرًا «عن أصالة المرأة المصرية التى تحمل فى قلبها الكثير من العطاء والإنسانية والأمومة».
السيدة العظيمة، اسمها صفية إبراهيم يوسف أبوالعزم تعمل مدرسة بمدرسة شهداء بدر فى المحلة الكبرى، ولديها ثلاثة أبناء: أحمد، مهندس، عمر، خريج كلية تربية، وخالد فى الفرقة الأول بكلية الهندسة. ولزميلتنا ريم محمود قالت: «لما شُفت الموقف تخيلت إنه ابنى» وأضافت: «حسيت إن قلبى وجعنى لإهانة هذا الشاب الجميل، الذى يحمل روحه فى إيده من أجل وطنه». وردًا على دعوات تكريمها قالت: «أنا ماعملتش أى حاجة.. اللى عملته ده لله ولوجه الله.. وربنا يرد لى الثواب فى ولادى». وأضافت، فى تصريحاتها الخاصة لـ«الدستور»: «الناس كبّرت الموضوع.. اللى حصل منى ده تصرف طبيعى وإنسانى ولا يستحق التكريم».
الفيديو المتداول للواقعة، لم ينقل لنا الصورة كاملة. وهناك، طبعًا، مشاهد سابقة لم يتم تصويرها، دفعت البعض إلى الاعتقاد بأنها قد تحمل تبريرًا لأفعال، أو ردود أفعال، الكمسرى ورئيس القطار، مستندين إلى أن الأخير، رئيس القطار، لا يتحرك من مكانه إلا «للشديد القوى»، أو حال حدوث ما يستوجب تحركه. وفى المقابل، أكد مواطن اسمه عصام أصلان، أنه يسافر يوميًا على هذا القطار، ذهابًا وعودة، وتشاجر كثيرًا مع هذا الكمسرى، لسوء سلوكه. وبالنص كتب: «إن شاء الله ربنا ياخد حق المجند منه وينال جزاء عنجهيته». كما خرج آخرون، من كل هذا «الغل»، الذى تعامل به الكمسرى ورئيس القطار مع المجند، بأنهما ينتميان إلى جماعة الإخوان.
كل شىء وارد، فى ظل احتفاظ الهيئات والمؤسسات العامة والشركات التابعة للدولة بموظفين يتعاطون المخدرات، أو ينتمون إلى تنظيمات إرهابية. والاحتمال الثالث، المستبعد، لتعمد تسفيه الجندى، والسخرية من رتبته، والتقليل من شأن الزى الذى يرتديه، ومحاولة إيهامه بأنهم «ضحكوا عليه فى المعسكر»، هو أن يكون رئيس القطار باع نفسه للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، ويريد تحطيم معنويات الجندى المصرى!.
الوزارة، كما جاء فى بيانها، أوقفت الاثنين عن العمل وأحالتهما للتحقيق الفورى، ووعدت، بإعلان نتائج التحقيق فور الانتهاء منه. أما ما رأيناه بأعيننا وسمعناه بآذاننا، ولا يحتاج لانتظار أى نتائج، فهو أن رئيس القطار تعمد إهانة المجند وحاول إجباره على خلع الكمامة، بالمخالفة لتعليمات رئيس الوزراء ووزير النقل. والأهم من ذلك، هو أنه اعترف، صراحة وليس ضمنيًا، بأنه يتعاطى المخدرات: «ما تخليش الأفيونة تطلع عليك»!.
وزير النقل وجميع العاملين فى الوزارة، كما أشرنا، اعتذروا، فى البيان، عن التجاوز، وأكدت الوزارة احترامها واحترام كل العاملين فى السكة الحديد للركاب بوجه عام ولكل أفراد القوات المسلحة الباسلة والشرطة على وجه الخصوص. كما أشار البيان إلى أن التوجيهات المستمرة، التى تصدر لكل العاملين بالسكك الحديدية، تنص على الاحترام التام للركاب والعمل على خدمتهم، وشدّد على أن جميع المواقف التى تحدث بين أطقم تشغيل السكة الحديد والراكب يجب أن تكون فى إطار القانون واحترام الراكب، وتعهدت الوزارة بأن تستمر فى خدمة الركاب، خاصة فى ظل الطفرة الكبيرة التى تشهدها منظومة السكك الحديدية فى جميع قطاعاتها.
الفريق كامل الوزير، وزير النقل، لن يتهاون مع أى مخطئ، كما وعد، وكما عهدناه، لكن يظل المتهم الغائب هو «الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة»، الذى تقول المادة الخامسة من قانون إنشائه إنه مختص بـ«وضع النظم الخاصة بالتفتيش وتقييم الأداء والمتابعة للتأكد من سلامة وكفاءة أداء العاملين»، وبموجب هذا الاختصاص كان من المفترض أن يقوم بإجراء تحاليل المخدرات للموظفين. ونقول «كان من المفترض»، لأن رئيس الجهاز، أعلن منذ سنتين ونصف السنة تقريبًا، عن اعتزامه إجراء تحاليل مخدرات مفاجئة «تمهيدًا لفصل أى موظف يثبت تعاطيه»!.
.. وتبقى شبهات أو احتمالات انتماء الكمسرى أو رئيس القطار، أو كليهما، إلى جماعة الإخوان، أو غيرها من الجماعات الإرهابية، غير أن تلك الشبهات، الاحتمالات أو الاتهامات، حال ثبوتها، لا تعفى «المتهم الغائب» من المسئولية، لأن رئيسه كان قد أعلن، أيضًا، عن تشكيل لجنة مهمتها إعداد قاعدة بيانات بكل الموظفين المنتمين لجماعات إرهابية، كان من المفترض أيضًا، أن تنتهى أعمالها، منتصف سبتمبر ٢٠١٧. كما كان من المفترض أن يتم فصل هؤلاء الموظفين، استنادًا إلى المادة ٧ من القانون رقم ٨ لسنة ٢٠١٥ بشأن تنظيم قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية.