رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انكشاف قطرى فى بريطانيا.. أموال سوداء واختراقات مؤثرة


كتب الدبلوماسى البريطانى المخضرم «جون جنكينز»، فى صحيفة «التايمز» الشهيرة جملة موجزة ودالة وهى أن «الإسلاموية ليست هى الإسلام» فى معرض ما كتبه عن الاختراقات القطرية التى تقوم بها على أراضى المملكة المتحدة.
وصف الكاتب «الإسلاموية» بأنها مفهوم سيئ اجتماعيًا وسياسيًا، على اعتبار أنه جرى استخدامه فى عمليات تدمير مصر وتونس وليبيا وسوريا وغزة وباكستان، وأماكن أخرى فى العالم تحت عباءة فضفاضة تسمت بـ«الإسلام السياسى»، ووجه جنكينز الاتهام مباشرة إلى قطر باعتبارها الراعية لهذا المفهوم «المدمر» من وجهة نظره، والذى استخدمته على حد وصفه الدولة السلفية التى صارت بسبب الغاز «غنية جدًا»، لكنها فى الوقت ذاته هى صغيرة وضعيفة عسكريًا رغم إدمانها إشاعة الفوضى والإزعاج لجيرانها، مع حرصها على الظهور طوال الوقت بالمظهر التقى الورع.
يحذر «جون جنكينز» من أن ما تقوم به قطر من رعاية للإسلاميين المتطرفين، بدءًا من حركة «حماس» وصولًا إلى جماعات إرهابية فى أوروبا والولايات المتحدة، لا يقف عند حد استهداف الدول التى تمثل «العدو» للإخوان المسلمين، بل هى تستهدف بريطانيا أيضًا على خلفية اعتقاد قادة قطر أنهم قادرون على استخدام موقع بلادهم، وثروته، لشراء النفوذ الإقليمى وأيضًا جذب الشركاء الغربيين المتحمسين لبناء قواعد عسكرية لهم.
سبق حديث الدبلوماسى البريطانى الذى شغل منصب السفير لبلاده فى أكثر من دولة على مستوى العالم، منها سوريا والعراق وليبيا والسعودية، وهو ما ساعده على فهم قطر وسلوكها على نحو صحيح- تقرير مطول نشرته ذات الصحيفة الشهيرة ووصفته بـ«الفضيحة» لسجل قطر، خاصة فى دعم وتمويل الإرهاب والجماعات المتطرفة المرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين»، فهناك دعوى قضائية منظورة أمام المحكمة العليا فى بريطانيا، تكشف عن أن بنكًا قطريًا قام على مدار سنوات بتحويل مبالغ مالية كبيرة إلى جماعة إرهابية فى سورية، عبر استخدام شقيقين ثريين حسابيهما فى «بنك الدوحة» القطرى الذى لديه مقر فى العاصمة لندن، لتمرير الأموال القادمة من قطر إلى «جبهة النصرة» التى تمثل فرع تنظيم «القاعدة» فى سوريا.
هذه الدعوى البنكية فتحت الباب أمام أنشطة أخرى لها ذات الارتباط، وخاصة بمصرف «الريان» الموجود بلندن أيضًا ومعلوم سيطرة الحكومة القطرية عليه، حيث تبين تقديمه مجموعة من الخدمات المالية لعدة منظمات مرتبطة بمجموعات من الإسلاميين، لكن برزت جماعة الإخوان وكياناتها الموجودة ببريطانيا كأكبر مستفيد من الخدمات المالية التى قدمها بنك «الريان»، فضلًا عما تستفيده من الصمت الرسمى على أنشطتها داخل عديد من مدن المملكة البريطانية.
تكثيف التدفق المالى القطرى المباشر الذى ظهر فى أوروبا فى الآونة الأخيرة، جاء لتعويض الفجوة الكبيرة التى نجمت عن تجميد أرصدة «بنك التقوى»، الذى أسسه التنظيم الدولى للإخوان لتمويل أنشطة التنظيم فى أوروبا والولايات المتحدة على وجه الخصوص، قرار التجميد والملاحقة التى خضع لها البنك، أصاب الكيانات الإخوانية والشخصيات الكبيرة التى ظلت سنوات تدير المحافظ المالية بشلل كبير، وهو ما استلزم التدخل القطرى الرسمى لإعادة رسم مسار بنكى جديد، لتعويض الخلل الناجم عن إغلاق «بنك التقوى» وتجميد أرصدته التى كانت حاضرة داخل خزائن البنوك البريطانية، ونظيرتها العالمية التى لها مقار بلندن. وهذا الذى دفع إلى الواجهة مؤخرًا أيضًا «مؤسسة قطر الخيرية»، كى تمثل بجوار بنكى «الدوحة» و«الريان» القنوات التى يمكن عبرها ضخ ما يلزم استخدامه من أموال فى أوروبا بأكملها، وليس فى بريطانيا وحدها.
الوكالة البريطانية الرسمية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، المتخصصة فى مكافحة جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، نشرت مؤخرًا مذكرة تتعلق بتمويل قطر لإنشاء «كرسى الشيخ حمد بن خليفة» للدراسات الإسلامية، بكلية «سانت أنطونى» بجامعة «أكسفورد» العريقة وعينت «طارق رمضان» حفيد حسن البنا أستاذًا له. وبدأ الأخير طوال عمله الأكاديمى المزعوم، بتلقى التمويلات السخية من الدوحة تحت ستار ميزانيات العمل البحثى، الذى استخدمه كشكل من أشكال الاختراق عبر إشراك عدد لا بأس به من الأكاديميين البريطانيين والأوروبيين فيه.
رمضان الذى ظل يشغل منصب «المستشار» سنوات مع الدولة القطرية، تمكن من نسج شبكة واسعة ومؤثرة من خلال هذا العمل البحثى، مستخدمًا الستار البحثى والسمعة المرموقة لجامعة بوزن «أكسفورد»، حيث ظلت سنوات العقد الماضى بكامله تشهد أصواتًا أجنبية حاضرة طوال الوقت للدفاع عن مشروع «الإسلام السياسى»، وخاصة من زوايا ضرورة إدماجهم بالأنظمة السياسية لدولهم العربية، أو أهمية تجربة طرحهم المختلف عن الأنظمة القائمة باعتبارهم أصحاب طرح سياسى، لنفى صفة «الإرهاب» والتطرف اللصيقة بهم والتى كانت تضيق أمامهم مساحات الحركة إلى حد بعيد.
صحيفة «التليجراف» البريطانية دخلت على الخط هى الأخرى، وفاجأت الجميع بنشرها التحذير الصادر عن «هيئة الرقابة على الجمعيات الخيرية» فى بريطانيا، حول درجة «استقلالية» جمعية خيرية بريطانية ارتبط اسمها بمؤسسة قطرية مدرجة على قوائم الإرهاب فى دول الخليج. والمقصود هنا كانت «مؤسسة قطر الخيرية»، فكواليس المجتمع المدنى شهدت حجم اختراق غير مسبوق من خلال هذه المؤسسة القطرية، وجاء كتاب «أوراق قطر» الذى صدر عن دار نشر «ميشيل لافون» الفرنسية، ليكشف آلاف الوثائق والوقائع التى استخدمتها المؤسسة القطرية من أجل توسيع نفوذ الدوحة، فى الساحة الأوروبية بشكل رئيسى لتحقيق الطموح الجيوسياسى للأسرة الحاكمة القطرية. أنفقت المليارات عبر المؤسسة القطرية التى تستخدم النشاط الخيرى، وتمكنت وفق ما جاء بالكتاب من التوغل فى ست دول أوروبية رئيسية، هى فرنسا وسويسرا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، استخدمت أراضيها جميعًا ومجتمعها المدنى كمنصات للنشاط القطرى الذى بدأ فى لفت الانتباه بقوة له، وبدأت أجهزة ومؤسسات تلك الدول تلاحقها بالدعاوى والتقارير والنشر الإعلامى مؤخرًا، بغرض تقليص المساحات أمامها.. فهل تنجح فى ذلك، هذا ما ستجيب عنه نتائج هذه المعركة الباردة التى تجرى خلف ستار الأحداث اليومية الساخنة.