رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قاسم سليمانى.. شارع لبنانى!


شارع فى العاصمة اللبنانية بيروت، يقع بين طريق المطار القديم والأوتوستراد الجديد، كان معروفًا باسم «شارع الفانتزى وورلد»، ثم قامت «بلدية الغبيرى»، فجأة وفى ظل الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، بنزع اللافتات، التى تحمل اسم ذلك الشارع، ووضعت مكانها لافتات جديدة تقول إن اسمه تغيّر إلى «شارع الشهيد الحاج قاسم سليمانى»!
معن الخليل، رئيس البلدية، زعم أن المجلس البلدى، اتخذ القرار، قرار تغيير اسم الشارع، «بمعزل عن خلفياته السياسية». وقال فى تصريحات صحفية إن تسمية الشارع «واجب أخلاقى» تجاه سليمانى، الذى كان يشغل موقع قائد «فيلق القدس» فى «الحرس الثورى» الإيرانى، قبل اغتياله فى العراق، مطلع هذا العام، بضربة أمريكية.
بلدية الغبيرى، واحدة من أكبر البلديات فى محيط العاصمة اللبنانية بيروت، من حيث المساحة. ولأنها واقعة تحت سيطرة «حزب الله»، اللبنانى اسمًا أو شكلًا، الإيرانى ولاءً، وتمويلًا، فقد سبق أن أطلقت اسم «الإمام الخمينى»، زعيم الثورة الإيرانية، على الطريق الممتد من مدخل مطار بيروت الدولى وصولًا إلى منطقة شاتيلا، كما أطلقت اسم عماد مغنية، قائد عمليات حزب الله العسكرية، على نفق يؤدى إلى القصر الجمهورى، وأطلقت، أيضًا، على أحد شوارعها، اسم مصطفى بدر الدين، العقل المدبر لعملية اغتيال رفيق الحريرى، رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق.
قبل أن تقوم الولايات المتحدة، فى ٣ يناير الماضى، بتصفيته فى غارة جوية قرب مطار بغداد، ظل قاسم سليمانى، يقود لسنوات طويلة ما يوصف بـ«فيلق القدس»، لكنه قاتل فى كل مكان إلا القدس المحتلة، بل إنه تعاون مع الولايات المتحدة حين غزت أفغانستان فى ٢٠٠١، كما لعب دورًا محوريًا فى الاحتلال الأمريكى للعراق، سنة ٢٠٠٣، بحسب وثائق نشرها موقع «ويكيلكس». وهناك وثائق تثبت أن تعاونه، لم يتوقف عند هذا الحد، من بينها تلك التى نشرتها «نيويورك تايمز»، فى يونيو ٢٠١٧، وكشفت عن حصوله على ٥٠ مليونًا، من أصل مليار دولار، دعمت بها قطر إرهابيين فى العراق.
سليمانى كان المسئول الإيرانى الأول، أو الأكبر، عن العمليات العسكرية والمخابراتية الخارجية، وكان يوصف بأنه رأس حربة إيران فى المنطقة العربية. والثابت أنه ظل سنوات طويلة، يعيث فسادًا وإجرامًا فى لبنان، العراق، سوريا، اليمن و... و... وخلال سنة حكم الإخوان السوداء، زار القاهرة متخفيًا بجواز سفر مزور لسائح، والتقى قيادات عدد من جماعة الإخوان، على رأسهم المرشد محمد بديع. كما كان أبرز من ورد ذكرهم فى وثائق مسربة من المخابرات الإيرانية، كشفت عن اجتماع استضافته تركيا، فى أبريل ٢٠١٤، بين قادة الجماعة، ومسئولين بارزين فى «فيلق القدس»، للتنسيق ووضع إطار للتعاون.
القانون اللبنانى يتيح للبلديات إطلاق أسماء الشوارع، بعد موافقة أغلبية أعضاء المجلس البلدى، شريطة أن تخطر وزارة الداخلية التى لها الحق فى الموافقة أو الرفض. غير أن الجدل الذى صاحب تسمية شارع مصطفى بدرالدين، أكد أن وزير الداخلية، وقتها، نهاد المشنوق، الذى كان محسوبًا على سعد الحريرى، لم يستطع استخدام صلاحياته أو إلزام البلدية، بتغيير اسم الشارع!
بعد نفيه توقيع قرار يسمح بإطلاق اسم «بدرالدين» على الشارع، طالب «المشنوق» بإزالة اللافتة، غير أن بلدية الغبيرى أخرجت له لسانها، أيضًا، وأوضحت أنها «كانت قد وجهت بتاريخ ١٣ يونيو ٢٠١٨ كتابًا إلى الوزارة تعلمها فيه بأن قرار تسمية الشارع أصبح مصدقًا ضمنًا بعد أن مر نحو السنة على تسجيله لدى الوزارة، وذلك وفق المادة (٦٣) التى تعتبر أن القرار يصبح مصدقًا ضمنًا إذا لم تتخذ سلطة الرقابة قرارها بشأنه خلال شهر من تاريخ تسجيله لديها»!
علامة التعجب من عندنا، وإن كان مروان حمادة، النائب المستقيل من البرلمان اللبنانى، لا يرى عجبًا فى أن تبادر بلدية الغبيرى، أسوة بالمؤسسات التى وضع «حزب الله» يده عليها، إلى «تزيين» الشوارع بأسماء القتلة والمجرمين وأصحاب السوابق فى الإرهاب وفى اغتيال الأفراد والشعوب، وتدمير ما تبقى من سمعة لبنان وعلاقاته مع العالم ومع أشقائه العرب. غير أن «حمادة» أكد أن هذه المرحلة «ستمر، ولن يُكتب لها الاستمرار، بعد أن لفظها شعب لبنان من قلب معاناته وإفلاسه وجوعه». وأوضح أن إطلاق اسم سليمانى على شارع ليس تحديًا بقدر ما هو تعبير عن عقلية متخلفة نسيت أبطالها المقاومين الحقيقيين.
.. وأخيرًا، لا توجد معادلة منطقية تقر بوجود ميليشيات مسلحة داخل دولة، مموَّلة وتدين بالولاء المطلق لدولة أخرى. وبالتالى لا علاقة للمنطق، أو للعقل، بوضع اسم قاسم سليمانى على شارع لبنانى، أو بإطلاق صفة «الحاج الشهيد» على ذلك السفاح الإيرانى، الذى تلطخت يداه بدماء آلاف المسلمين، ولم تتوقف أنيابه، حتى مقتله، عن النهش فى لحم العرب.